بعلامات دراماتيكية بينها مؤشرات ذوبان غير مسبوق للأنهار الجليدية في أوروبا وارتفاع قياسي لسطح البحر، قرعت الطوارئ المناخية طبول "حرب نفاد الوقت"، بالتزامن مع انعقاد مؤتمر الأطراف الـ27 للمناخ، وكشف التقرير الأحدث لحالة المناخ العالمي عن ثماني سنوات هي الأكثر دفئًا وتطرفًا على الإطلاق، ليصبح إنقاذ الوضع أمام قادة العالم في متناول اليد.
كشف مبكر عن وضع المناخ في "كوب 27"
أملًا منها في زيادة الوعي بحجم الأضرار الهائلة المنتظر أن تشملها أفق القادة في الدورة السابعة والعشرين لمؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن المناخ، في مدينة شرم الشيخ المصرية، أصدرت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، الدراسة المؤقتة عن حالة المناخ العالمي لعام 2022، التي أنذرت بأن السنوات الثماني الماضية كانت "الأكثر دفئًا على الإطلاق".
وتحتضن جمهورية مصر العربية، أعمال الدورة الـ27 لمؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة بشأن المناخ "COP27"، بمدينة شرم الشيخ، في الفترة من 6 إلى 18 نوفمبر الجاري، بمشاركة واسعة من جانب وفود أكثر من 190 دولة وممثلي المنظمات الإقليمية والدولية المعنية بشؤون البيئة والمناخ وممثلي وسائل الإعلام المحلية والدولية.
ويشارك 110 من رؤساء الدول والحكومات في فعاليات المؤتمر، إلى جانب 10 آلاف من منظمات المجتمع المدني، و26 ألفًا و500 يمثلون الوفود الرسمية والهيئات، و3 آلاف و321 إعلاميًا.
إنقاذ الوضع بالكاد في متناول اليد
وقدر أمين عام المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، بيتر تالاس، أن الحد من الاحترار العالمي إلى درجة 1.5 مئوية فوق مستويات ما قبل عصر الصناعة كما هو منصوص في اتفاق باريس أصبح "بالكاد في متناول اليد."
أوضح "تالاس" أن مستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي أصبحت عالية الآن وانه كلما زاد الاحترار كانت التأثيرات أسوأ، أشار مسؤول المنظمة العالمية المعنية بالطقس إلى أن بالفعل فات الأوان لإنقاذ بعض الأمور، قال:" لقد فات الأوان بالفعل بالنسبة للعديد من الأنهار الجليدية وسيستمر الذوبان لمئات السينين إن لم يكن للآلاف منها، مع تداعيات كبيرة على الأمن المائي."
من جانبه، وصف الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، تقرير المنظمة العالمية للأرصاد الجوية بأنه "سجل لفوضى المناخ"، حيث يرصد السرعة الكارثية لتغير المناخ، وتداعياتها على جميع قارات الكوكب.
قائمة من الأحداث المناخية المقلقة ترصد "فوضى المناخ"
مدفوعًا بالمستويات القياسية لثاني أكسيد الكربون والميثان وأكسيد النيتروز، خلف الاحتباس الحراري العالمي الذي يقدر حاليًا بنحو 1.15 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة، قائمة من الأحداث المناخية المثيرة للقلق، رصدها تقرير حالة المناخ العالمي المؤقت في عام 2022.
الاحترار العالمي
رجّح التقرير أن السنوات الثماني الماضية من 2015 إلى 2022 تسير على الطريق المؤدي إلى أن تصبح أدفأ ثماني سنوات مُسجلة في التاريخ، ويعزز ذلك تركيزات غازات الاحتباس الحراري المتزايدة باستمرار والحرارة المتراكمة. حيث أثرت موجات الحر الشديدة والجفاف والفيضانات المدمرة على الملايين وكلفت المليارات هذا العام، ويُقدر متوسط درجة الحرارة العالمية في عام 2022 بأنه أعلى من متوسط ما قبل العصر الصناعي (1900‑1850) بحوالي 1.15 [1.02 إلى 1.28] درجة مئوية.
أشار التقرير إلى أنه: "من المرجح أن يكون عام 2022 مجرد خامس أو سادس أدفأ الأعوام. ولكن هذا لا يعكس مسار الاتجاه الطويل الأجل؛ فهي مسألة وقت فقط حتى يُسجل عام آخر أكثر دفئاً".
ويُقدر التقرير متوسط السنوات العشر للفترة 2013-2022 بأنه أعلى من خط أساس ما قبل العصر الصناعي بمقدار1.14 [1.02 إلى 1.27] درجة مئوية، مقابل 1.09 درجة مئوية في الفترة من عام 2011 إلى عام 2020، وفقاً لتقدير تقرير التقييم السادس الصادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC).
ذوبان جليدي تاريخي
وسط توافر مؤشرات أولية على ذوبان جليدي يحطم الأرقام القياسية، ألحق عام 2022 خسائر فادحة بالأنهار الجليدية في جبال الألب الأوروبية، حيث فقد الغطاء الجليدي في غرينلاند كتلته للعام السادس والعشرين على التوالي، وهطلت هناك الأمطار بدلاً من تساقط الثلوج للمرة الأولى في سبتمبر من العام الجاري، وتراوح متوسط فقدان سماكة الجليد المسجل هناك ما بين 3 أمتار إلى 4 أمتار،
وفي سويسرا، لم يصمد أي ثلج حتى موسم الصيف، وهي المرة الأولى التي يحدث فيها هذا في التاريخ المسجل، بعد أن فُقد 6 في المئة من حجم الكتل الجليدية في الفترة بين عامي 2021 و2022 وفقا لقياسات أولية، وفي الفترة بين عامي 2001 و2022، انخفض حجم الكتل الجليدية هناك من 77 كيلومتراً مكعباً إلى 49 كيلومتراً مكعباً، في نسبة انخفاض قدرت بأكثر من الثلث.
ارتفاع منسوب البحار 10% خلال العامين الماضيين
وأدى ذوبان الجليد المتزايد في جميع أنحاء العالم إلى ارتفاع مستويات سطح البحر على مدار الثلاثين عاما الماضية، بمعدلات متزايدة، وأشار التقرير المناخي المؤقت لعام 2022، إلى تضاعف معدل ارتفاع مستوى سطح البحر منذ عام 1993 ، حيث ارتفع بنحو 10 ملليمترات منذ يناير 2020 ليصل إلى مستوى قياسي جديد هذا العام، ويمثل العامان الماضيان وحدهما 10 في المئة من الزيادة الإجمالية في مستوى سطح البحر منذ أن بدأت القياسات منذ نحو 30 عاماً.
ارتفاع قياسي لحرارة المحيطات
شهد 55 في المائة من سطح المحيطات موجة حارة بحرية واحدة على الأقل في عام 2022. وفي المقابل، لم يشهد سوى 22 في المائة من سطح المحيطات فترة برد بحرية.
ومع ارتفاع معدل الاحترار على مدار العقدين الماضيين، وصلت حرارة المحيطات إلى مستويات قياسية في عام 2021 ( أخر عام تتوافر عنه أرقام).
تجدر الإشارة إلى أن المحيطات تخزن حوالي 90 في المائة من الحرارة المتراكمة من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، ومع استمرار ارتفاع درجة حرارة المحيطات في عمق 2000 متر من السطح، بلغت مستويات قياسية في 2021.
طقس متطرف
رصد التقرير آثار كل من الجفاف والأمطار الغزيرة على عدد من دول العالم. ففي الوقت الذي تعاني فيه دولة مثل الصومال من مشكلات في الأمن الغذائي بسبب الجفاف تسببت في وفاة الآلاف جوعًا، غمرت مياه الأمطار الكارثية أكثر من ثلث باكستان في شهري يوليو وأغسطس ما أدى إلى نزوح ما يقرب من ثمانية مليون شخص.
أشار التقرير إلى تعرض منطقة جنوب أفريقيا لسلسلة من الأعاصير على مدار شهرين في بداية العام الجاري، حيث ضربت الفيضانات المدمرة مدغشقر، وفي سبتمبر تسبب إعصار إيان في أضرار جسيمة وخسائر في الأرواح في كوبا وجنوب غرب ولاية فلوريدا الأمريكية، على صعيد آخر، شهدت أجزاء كبيرة من نصف الكرة الشمالي حر وجفاف استئنائي، إذ ضربت الصين أكبر موجة حر وأطولها أمداً في سجلاتها الوطنية، وثاني أجف صيف مُسجل، ووصل نهر اليانغستي في ووهان إلى أدنى مستوى مُسجل له في أغسطس.
وفي نوبات متكررة من الحرارة الشديدة، اجتاح الحر أجزاء كبيرة من أوروبا، وسجلت المملكة المتحدة رقم حرارة قياسي في 19 يوليو تجاوز أكثر من 40 درجة مئوية للمرة الأولى، رافق ذلك جفاف وحرائق غابات مستمرة ومدمرة، أعقبها انخفض منسوب الأنهار الأوروبية إلى مستويات منخفضة للغاية، من بينها نهر الراين ولوار والدانوب.
التهديد الصحي
أصدرت منظمة الصحة العالمية تذكيرًا بأن أزمة المناخ لا تزال تصيب الناس بالمرض، داعية إلى أن تكون الصحة في صميم المفاوضات في الدورة الـ27 لمؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن المناخ "كوب 27"، ومشيرة إلى المكاسب الصحية الضخمة التي ستأتي من عمل مناخي أقوى.
وحذرت "الصحة العالمية"، في بيان لها، من أنه في الفترة بين عامي 2030 و2050، من المتوقع أن يتسبب تغير المناخ في حدوث ما يقرب من 250 ألف حالة وفاة إضافية سنوياً لأسباب بينها سوء التغذية والإجهاد الحراري، وأشارت المنظمة في السياق ذاته، إلى أن الاستثمار في الطاقة النظيفة من شأنه تحقيق مكاسب صحية ضخمة، قدرتها بإنقاذ حوالي 2.4 مليون شخص سنوياً إذا طبقت معايير أعلى لانبعاثات المركبات.
من كوب 27 ..خطة طموحة للإنذار المبكر
وفي مواجهة حتمية استمرار الطقس القاسي في جميع أنحاء العالم، أطلق الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش خطة عمل خلال مؤتمر(كوب 27) لتحقيق الوصول إلى الإنذارات المبكرة للجميع خلال السنوات الخمس المقبلة .
أوضح جوتيريش أن أنظمة الإنذار المبكر ضرورية لحماية الناس والمجتمعات في كل مكان، قال: "يجب أن نجيب على إشارة استغاثة الكوكب بالعمل، والعمل المناخي الطموح والموثوق. كوب 27 يجب أن يكون المكان - والآن يجب أن يكون الوقت المناسب."
وبينما تفتقر نصف بلدان العالم حاليًا إلى هذه الإنذارات تبدو خطة الأمين العام للأمم المتحدة لخمس سنوات مقبلة، طموحة، في مواجهة ظواهر مناخية متطرفة يشهدها العالم ويعاني سكانه من آثارها.. فهل يمثل كوب 27 الوقت المناسب؟