الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

محمد عبد الوهاب.. نهر الألحان الخالد لا يزال يجري

  • مشاركة :
post-title
الموسيقار الراحل محمد عبدالوهاب

القاهرة الإخبارية - محمد عبدالمنعم

"بفكر في اللي ناسيني وبنسى اللي فاكرني".. هكذا تغنى موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب بشجن، لذا لم يستطع من تربوا على صوته وألحانه أن ينسوه أبدًا، فموسيقاه خالدة وصوته يتردد حولنا في كل مكان سواء بلحن قدمه أو أغنيه نراه يتعجب فيها من أحواله ويقول "كل ده كان ليه"، لكنه الصامد ذو الكبرياء الذي قال: "لا مش أنا اللي أبكي"، وحينما عرّف نفسه قال: "أنا أكبر فوضجي في الحياة ولا أسعد إلا بالفوضى التى تشبه الفن لأنال مرة أخرى سعادة النظام".

تضارب سنة الميلاد 

محمد عبد الوهاب الذي ولد في مثل هذا اليوم، لم يكن يحب أن يحتفل بعيد ميلاده، ويرفض هذا الأمر بشدة، كما قال في أحد لقاءاته: "كيف لي أن أحتفي بضياع عام من عمري"، لكننا الآن وبعد كل هذه السنوات نبحث عن سنوات ضائعة للفنان الراحل، فهناك تضارب كبير في سنة ميلاد الموسيقار الراحل، فالبعض يقول إنه مواليد عام 1898، وآخرون يؤكدون أنه 1902، و1907، ومجموعة أخرى تؤكد مولده عام 1910، لكن في النهاية بعد البحث استقرت كل تلك الآراء على أن 13 مارس هو يوم ميلاده.

وانطلاقًا من ذكرى ميلاده نُبحر في حياة الموسيقار الراحل الذي ضرب مثالًا بعطاء لم ينقطع، فهو نيل خالد يحمل معه حكايات وتاريخ، لأنه أحد عمالقة الموسيقى في الوطن العربي، ونرصد في هذه السطور جزءًا صغيرًا من حياة "عبد الوهاب" والتعرف عليها من منظوره لها وحكاياته عنها.

بدايات عبد الوهاب 

محمد عبد الوهاب أبو عيسى الشعراني، الاسم الحقيقي لموسيقار الأجيال ابن حى باب الشعرية في القاهرة، الذي ظل تعلقه بنشأته حتى بعد تحقيقه شهرة ونجومية كبيرة، فهو لا ينسى بداياته وذكرياته بين أسرته في هذه المنطقة التي تربى فيها، ويقول في أحد اللقاءات التلفزيونية النادرة: "باب الشعرية تسكنني دائمًا وحفرت داخلي تفاصيل لا أنساها وأذكر حينما كنت أجلس في أثناء شهر رمضان الكريم في الشارع حتى الفجر استمتع بحلقات الذكر".

كانت لتلك البيئة تأثير كبير على موسيقار الأجيال الذي شغف منذ الصغر بالاستماع إلى شيوخ الغناء في عصره مثل سلامة حجازي وصالح عبد الحي، هذا الشغف جعله لا يفكر في الطريق الذي رسمه له والده الشيخ محمد أبو عيسى الذي أراده أن يلتحق بالأزهر ليخلفه في الوظيفة بعد ذلك، لكن الطفل العبقري كان له رأي آخر وأحلام وطرق مختلفة. 

سار محمد عبد الوهاب وراء حلمه وآمن بموهبته حتى أعطاه الفنان فوزي الجزايرلي صاحب فرقة مسرحية بالحسين الفرصة التي جعلته ينطلق في طريقه، وجعله مطربًا بين فصول المسرحيات التي كان يقدمها، وبعدها عانى محمد عبد الوهاب من ظروف صعبة، أكدها قائلًا: "إن بداياتي لم تكن مفروشة بالورد"، لكنه صدّق حلمه وآمن بموهبته.

شخص منطوٍ

الراحل محمد عبد الوهاب الذي كرمته الدولة المصرية بالجائزة التقديرية عام 1961، وصنع مئات الألحان لكبار نجوم الوطن العربي مثل عبد الحليم حافظ وأم كلثوم ونجاة الصغيرة ووردة، كان معروفًا بالانطواء ولا يحب الجلوس مع الناس، ويقول في لقاء نادر: "أحب الوحدة، ورأسي دائمًا مشغول وأفكر، وأقيس عمري بما قدمته في حياتي، وطوال اليوم انتظر اللحظة التي أعود فيها إلى المنزل وأجلس مع محمد عبد الوهاب!".

هذا السبب جعل محمد عبد الوهاب مقتنعًا تمامًا بأن الحياة الخاصة ملك له وليس للجمهور، وعن ذلك يقول: "حياتي الخاصة ملك لي وليس للعوام، ولا أحب أن يجرح أحد حريتي الخاصة بالتدخل فيها".

ورغم ذلك كان لديه تعقيب حتى لا يفهم جمهوره رأيه بشكل خاطئ فيقول: "يجب أن نلاحظ أن الجمهور يصوّر الفنان من فنه، لكن ماذا لو كان لهذا الفنان شخصيتين، فلماذا نجرح هذا المعنى في عين الجمهور، وعلى الفنان أن يعدل من أسلوبه ويتحلى بصفات فنه".

مواهب متعددة 

لم تتوقف موهبة الفنان محمد عبد الوهاب على الغناء والتلحين، فقد عمل كممثل وشارك في مجموعة من الأفلام فترة الثلاثينيات والأربعينيات، من بينها "الوردة البيضاء، دموع الحب، يحيا الحب"، لكنه رغم النجاح أكد أنه لا يرى نفسه في الأفلام التي قدمها ويقول: "أنا دائمًا أحب أن أنفصل عن نفسي حينما أدخل أي عمل، وما أقدمه أنفصل عنه بمجرد انتهائي منه وأنظر إلى المستقبل، وكنت لا أحب أن يأخذ أحد رأيي في شيء لأنني أتحول إلى ناقد وأنا عصبي جدًا، لذلك كنت أترك أماكن كثيرة أجلس فيها بسبب هذا الأمر".

عداوة أم كلثوم

"ما محبة إلا بعد عداوة".. هذا المثل الشعبي المصري ينطبق على لقاء محمد عبد الوهاب وأم كلثوم، فاللقاء الأول بينهما لم يكن على ما يرام، وحينما قدّم عبد الوهاب لحنًا لها في أغنية "غاير من اللى هواكي قبلي" رفضته، ومن هنا بدأت المشكلة، بعد ما غناها عبد الوهاب بصوته، لكن سرعان ما تدخل المقربون وأنهوا هذا الخلاف وقدم الثنائي مجموعة من الأعمال الرائعة والخالدة في التاريخ منها "أنت عمري، أمل حياتي، فكروني".

كان عبد الوهاب حريصًا دائمًا على التحدث عن دور أم كلثوم للفن وما تقدمه، وحينما سئل في مرة عن سبب استعانته بالشاعر السوداني الهادي آدم في أحد أغانيه رد قائلًا: "الاختيار نابع من فكرة قدمتها السيدة أم كلثوم وهي اختيار من كل بلد عربي شاعر، وبدأنا بلبنان،وإذا حصينا الأعمال التي قدمتها أم كلثوم مع شعراء من الوطن العربي نجد أنها تعاملت معهم جميعًا".

محمد عبدالوهاب وأم كلثوم
خوف

محمد عبد الوهاب الذي تزوج ثلاث مرات، وهن "زبيدة الحكيم وإقبال نصار، ونهلة القدسي"، كان الخوف ملازمًا له دائمًا ويقول: "أشعر بالخضة وأنا ألحن عملًا جديدًا فهى مسؤولية كبيرة، لأن الإنسان حينما يكبر ويحقق نجاحات كبيرة يحاول ألا يعود بمستواه وهذا ثمنه القلق الدائم، كما أن الموسيقيين هم أول مستمعين للمغني وأرى لحني في المستمع قبله". 

مجدد الموسيقى 

لم يكن محمد عبد الوهاب متمسكًا بلونه الموسيقي، وأكد أنه يحب أن يعيش العصر الخاص به وليس بعيدًا عنه، ويقول: "يجب أن أواكب التطور، وهناك فرق على سبيل المثال بين أغنيتي جارة الوادي والليل لما خلي، وبين الكرنك وكليوباترا، فكل فترة تأخذ شكل العصر الذي توجد فيه، لكن هناك فرقًا بين مواكبة العصر والإنحدار، فالإنسان الذي خُلق فيه وجدان وجوارح هو الإنسان الذي يحمل عنفًا وشراسة، فلماذا كفنان أخاطب تلك المنطقة العنيفة في الإنسان، فالفن باقٍ، أما الأعمال التي تهوي كورق الشجر في أغصان الخريف لا نطلق عليها فنًا". 

وتابع: "أنا أعيش بأذني وهى تعشق قبل العين وأقدّر الأصوات وتؤثر فيّ جدًا، وفي الواقع الأذن أستطيع أن أرى بها ولكن لا أستطيع أن أسمع بعيني".

احترام مواعيده 

يقدّس الفنان محمد عبد الوهاب مواعيده، ولايحب أن يذهب متأخرًا على أحد، وفي أحد اللقاءات التلفزيونية سأله المذيع قائلًا: "أرى أن ساعتك غير مضبوطة في يدك.. فلماذا؟" فرد عليه:" أنا أقدمها نصف ساعة لأن هذا يجعلني أتحرك دائمًا في ميعادي المضبوط، وعلى الجميع أن يضبط ساعته على ساعتي".

عشق للنيل 

عشق الموسيقار محمد عبد الوهاب النيل وارتبط به وغنى له عددًا من الأغاني الشهيرة منها النهر الخالد، وأجري يا نيل، ويحكي عن سبب هذا الارتباط ويقول: "أحببت أن أسكن بجانب النيل لأنه يمثّل لي قِدم الأجداد ودائمًا أتذكر تاريخ هذا النهر الكبير".

رحيل 

في مايو عام 1991 انتهت المشاوير المرسومة لخطاوي موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، بعد ما رحل بجلطة في المخ، ولكن ستظل أعماله باقية في القلوب والعقول، لكل من أراد أن يشرب من نهر الموسيقى الخالد.