تجددت دعوات النقابات العمالية في فرنسا للتظاهر ضد مشروع إصلاح نظام التقاعد، والتي تختلف هذه المرة تحديدًا في حشدها لاحتجاجات قد تكون غير مسبوقة تشمل كل القطاعات الحيوية.
ولم تكن فرنسا أولى الدول الأوروبية التي تشهد احتجاجات بهذه الصورة، فعلى مدار الشهور الماضية يلاحق شبح الإضرابات القارة، وربما كانت الحرب الروسية الأوكرانية القشة التي قسمت ظهر الحكومات على اختلاف استراتيجياتها وتوجهاتها السياسية.
وبين ليلة وضحاها، انفلت الوضع في القارة العجوز، وباتت تعاني تداعيات اقتصادية جسيمة للحرب، لتنتقل شرارة الاحتجاجات من بريطانيا وإسبانيا والبرتغال إلى فرنسا وألمانيا.
الأزمات تجاوزت الحرب الروسية الأوكرانية
وبحسب أسامة السعيد، الخبير في الشؤون الدولية، فإن ما حدث يتجاوز فكرة الحرب الروسية الأوكرانية، إذ إنها فاقمت الأوضاع لكنها لم تخلقها.
وأكد "السعيد"، لـ"القاهرة الإخبارية" أن أوروبا على مدار السنوات الماضية تعاني تراجعًا واضحًا، وأعلنت الأنظمة والحكومات الأوروبية، في أكثر من مناسبة، أنها لا تستطيع الاستمرار في تقديم حجم الإنفاق الكبير على المرافق العامة، أو ضمان مستويات المعيشة العالية، نتيجة العديد من الأزمات الاقتصادية الدولية، مع تدني الأجور والمعاشات.
وأوضح "السعيد"، أن النموذج المتعلق بـ"دولة الرفاه"، التي عاش فيها الأوروبيون على مدى عقود طويلة، بات مهدد بالزوال، نتيجة التغيرات الاقتصادية في العالم وفي أوروبا.
وتابع: "أوروبا مهددة بالزوال نتيجة تحولات في السياسات الاقتصادية الأوروبية، فالكثير من المواطنين الفرنسيين ألقوا باللوم على تبعية فرنسا للاتحاد الأوربي، ورغبة القارة في فرض سياسات متعلقة بترشيد الإنفاق على المجالات العامة، مثل التعليم والصحة والأجور".
وذكر الخبير في الشؤون الدولية، أنه لا أحد يستطيع إغفال أن أوروبا شهدت تحولات كبيرة على مدى السنوات الماضية في سياسات حكوماتها فتارة ما بين اليمين واليسار أو عودة كليهما.
وأوضح السعيد أن كل ما سبق قاد لارتباك العديد من السياسيات الاقتصادية في القارة العجوز، المعروف أنها قارة غنية مليئة بالدول صاحبة اقتصاديات كبرى، لكنها أيضًا عانت على مدى السنوات الماضية نتيجة ظهور منافسين جدد في ساحة الإنتاج.
وأكد "السعيد" أن تضرر سلاسل الإمداد والتوريد، واعتماد أوروبا خلال العقود الماضية على دول أخرى في توريد احتياجاتها، سواءً فيما يتعلق بالطاقة أو المواد الخام، جعلها رهينة للأزمات الاقتصادية الدولية، وبالتالي لم تستطع تحمل أو امتصاص الصدمات الكبيرة التي عانها منها العالم، مثل جائحة كورونا أو الأزمة الروسية الأوكرانية.
الحالة الإنجليزية والألمانية
ومن مارسيليا، يرى عبدالغني العيادي، الخبير بالشؤون الأوروبية، أن كل السيناريوهات تتوقف على التظاهرات المقبلة، والتي ستجوب أنحاء فرنسا.
وأوضح "العيادي"، لـ"القاهرة الإخبارية" أن التظاهرات في فرنسا ستنطلق يومي السابع والثامن من مارس الجاري، مشيرًا إلى أن اليوم الأخير هو "اليوم العالمي للدفاع عن حقوق النساء"، ولذلك ستتوقف النساء عن الإنتاج وسيضربن عن العمل، لأنهن من أوائل المتضررات من إصلاح صندوق المعاش الذي قدمته الحكومة الفرنسية للجمعية العامة للتصويت عليه.
وأضاف خبير الشؤون الأوروبية، أن فرنسا معروفة بثقافة الاحتجاج، وأن الشعب الفرنسي معروف بإضراباته، فهو لا يستطيع السكوت على الأوضاع التي يرفضها، لافتًا إلى أن الغريب في أزمات أوروبا هو الحالة الإنجليزية والألمانية، فهما لم يسلكا تلك الحلول من قبل.
مشاركة النساء في تظاهرات فرنسا
وتقول صفاء الحمايدة، مستشارة التنمية المستدامة من باريس، أن فرنسا بأكملها وصلت إلى ذروتها ولن تتراجع، وأن الشعب لم يعد يتحمل التخبط في القرارات الحكومية، التي تؤثر على جودة حياته بشكل كبير.
وأوضحت "الحمايدة"، لـ"القاهرة الإخبارية"، أن التظاهرات في فرنسا سيسيطر عليها النساء، إذ إنهن أكثر فئة متضررة.
وتابعت: "لا توجد حياة متوازنة للفرنسين، يعملون ويعودون للمنزل وفي الصباح يعودن للعمل ثم للمنزل، وهذه حياة لا تناسب الشعب الفرنسي".
وذكرت مستشارة التنمية المستدامة، أن النساء دائمًا سباقات لأحداث الثورة والتعبير عن الرأي، وهذا الأمر ليس في أوروبا فقط بل في العالم بأثره، فالمرأة هي المحرك الرئيسي لقبول ورفض أي شيء.