منذ نحو 110 أعوام شهدت خشبة المسرح العالمي عرضًا مسرحيًا أحدث ضجة في الأوساط الفنية والثقافية، إذ انتقد الكاتب الإيرلندي الشهير جورج برنارد شو، التصنيف الطبقي للمجتمع من خلال قصة "بجماليون"، هذا الاسم المقتبس في الأساس من أسطورة يونانية.
نجاح القصة ذات المغزى الاجتماعي جعلها تجوب مختلف دول العالم بإصدارات مختلفة، وتم تحويلها لفيلم سينمائي بعنوان "سيدتي الجميلة" أو "my fair lady"، عام 1964، بطولة أودري هيبورن وريكس هاريسون، حاز على جائزة الأوسكار أفضل فيلم، لتعرف طريقها بعد ذلك إلى خشبة المسرح المصري في أكثر من عمل أشهرهم "سيدتي الجميلة" للراحلين فؤاد المهندس وشويكار، ومؤخرًا مسرحية تحمل الاسم نفسه للنجم أحمد السقا والفنانة ريم مصطفى.
وحاليًا تشهد خشبة المسرح القومي بالقاهرة نسخة جديدة من العرض العالمي بعنوان "سيدتي أنا"، بطولة داليا البحيري ونضال الشافعي، والتقى موقع "القاهرة الإخبارية" صُنّاع العمل ليتحدثوا عنها.
أكد المخرج المصري محسن رزق أن مسرحية "سيدتي أنا" تعيد تقديم النسخة الأصلية لرواية جورج برنارد شو، في إطار غنائي موسيقي استعراضي، قائلًا: "وجدت أنها تتناسب مع الوقت الحالي، هي بعيدة تمامًا عن النسخة المصرية التي سبق أن قدمها الكاتب الراحل بهجت قمر رفقة الفنان الراحل فؤاد المهندس وشويكار".
تحديات وصعوبات
واجه المخرج محسن رزق العديد من التحديات في أثناء التحضير للمسرحية، موضحًا أن التحدي الأكبر يتمثل في عرضه على خشبة المسرح القومي العظيم، الذي سبق أن وقف عليه كبار نجوم الوطن العربي، وبالتالي لا بد أن نقدم عملًا محترمًا يليق بهذا المسرح، كما أن الظروف الإنتاجية الصعبة شكّلت تحديًا خاصًا، حاولنا تجاوزها بمساعدة فريق العمل، منهم الشاعر عادل سلامة، الموسيقار محمود طلعت، ديكور حمدي عطية، الجرافيك جون بهاء، مصمم الاستعراضات مصطفى حجاج، بالإضافة لنجوم العمل، ونجوم المسرح القومي.
جدل ومقارنة
أثارت المسرحية الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة بعدما طرحت مؤخرًا مسرحية تتناول القصة نفسها بعنوان "سيدتي الجميلة" للفنان أحمد السقا والفنانة ريم مصطفى، لكن المخرج محسن رزق أكد لموقع "القاهرة الإخبارية" أنه لا يوجد أي جدل في هذا الشأن، إذ إن الفن يعتمد على وجهات نظر، وهناك تجربة عظيمة تعد من أيقونات المسرح، هي "سيدتي الجميلة" للراحلين فؤاد المهندس وشويكار، لكن هذه التجربة كانت ملائمة في وقتها وحققت نجاحًا باهرًا، وبالتالي كان من الصعب إعادة طرح النسخة المصرية لأنه تم تمصيرها بالفعل من خلال هذه المسرحية، والجمهور ارتبط بهذا العمل، كما أن المقارنة ليست في صالح العرض الحديث.
وأضاف "رزق": العرض الجديد قائم على الإبهار ويتضمن الكثير من عمليات الجرافيك التي تُقدم لأول مرة في البيت الفني للمسرح، موجهًا الشكر لخالد جلال، رئيس قطاع الإنتاج الثقافي، والفنان إيهاب فهمي، مدير عام المسرح القومي، لأنهما تفهما الفكرة ورحبا بها، مشيرًا إلى أنه لا بد من مشاهدة التجربة وتقييمهما قبل الهجوم، لأن هذا مجهود فريق كامل.
إليزا دوليتل
تقدم الفنانة المصرية داليا البحيري، ثاني تجاربها المسرحية من خلال "سيدتي أنا"، التي تجسد فيها شخصية "إليزا دوليتل"، إذ أوضحت أن أول تجربة مسرحية لها كانت من خلال مسرحية "أبو العربي" مع الفنان هاني رمزي، تأليف محسن رزق، وعندما عرض عليها المسرحية وافقت دون تردد، خاصة وأنها المرة الأولى التي تقف فيها على خشبة المسرح القومي ذات التاريخ العريق، لافتة إلى أنها بدأت البروفات منذ 6 أشهر.
ووصفت داليا البحيري لـ"القاهرة الإخبارية" التجربة بأنها مختلفة، خاصة وأن شخصية "إليزا" قريبة من قلبها للغاية، لكنها في الوقت نفسه صعبة ومليئة بالتفاصيل والمراحل المختلفة، فالمرحلة الأولى، وهي في الشارع والتحول في حياتها يحدث بعد ذلك عندما تقابل "دكتور آدم".
تحديات "إليزا"
واجهت "البحيري" العديد من التحديات في أثناء المسرحية، هي أنها في أدوارها الفنية التي قدمتها من قبل لم تعتاد على "الصراخ" إذ اعتمدت على الأداء الهادئ، لكنها ترى أن الأمر مختلف في المسرح الذي من المفترض أن مَن يجلس في آخر مقعد يشاهد العمل ويشعر بإحساس الممثل وبصوته، وبالتالي لا بد أن يكون الأداء واضحًا والصوت مرتفعًا، وهو ما استغرق منها وقتًا وكان صعبًا وغريبًا بالنسبة لها.
تجسد داليا شخصية غنائية استعراضية، الأمر الذي تطلب منها تدريبات ومهارات خاصة، إذ أوضحت أنها استعانت بمصمم الاستعراضات مصطفى حجاج، الذي بذل معها مجهودًا كبيرًا وتدريبات كثيرة، مشيرة إلى أن المسرحية تضم 8 استعراضات تقدم منهم 6، بينما في الغناء ستغني نحو 4 أو 4 أغنيات مع الموسيقار محمود طلعت، مؤكدة أن الغناء بالفعل صعب، خاصة وأنه تم الإصرار عليها، لتغني الأغنيات بنفسها بدلًا من الاستعانة بمطربة أخرى، بسبب اختلاف طبقة الصوت بين التمثيل والغناء، مما يجعلها غير واقعية.
وأضافت أن المسرحية مأخوذة من الرواية الأصلية ولا تشبه المسرحية المصرية الشهيرة، والتحدي الأكبر لها أن شخصية "إليزا" بعيدة عنها، وكلما تكون الشخصية بعيدة عن طبيعتها كلما تشعر بالمتعة أكثر رغم صعوبة ذلك، مؤكدة أن أوجه التشابه بينهما اللمحات الإنسانية.
تحديات آدم هنري
يجسد الفنان المصري نضال الشافعي شخصية "دكتور آدم هنري"، الذي يحاول تقديم "إليزا" بشكل جديد ومختلف للمجتمع، موضحًا أن التحدي الأكبر تقديم مسرحية مثل "سيدتي أنا" على المسرح القومي، فالبعض يعتقد أنها مثل "سيدتي الجميلة" للراحلين فؤاد المهندس وشويكار، لكن هذا خطأ لأننا نقدم التيمة الرئيسية من "بجماليون" وأخذنا منها أسماء الشخصيات بالإنجليزية وأحداثها وإعادة تقديمها بشكل حديث ومتطور وكوميدي هادف يناسب عصرنا الحالي وبوجهة نظر مختلفة.
وأضاف الشافعي لـ"القاهرة الإخبارية" أنه سيقدم استعراضات مختلفة مما تطلب منه تدريبات حتى تخرج بشكل طبيعي، كما تم تصميم الرقصات بشكل مميز، وكذلك تدريبات مع الموسيقار محمود طلعت لتقديم توليفة موسيقية جيدة تليق بالمسرح القومي، مسرح مصر الحقيقي، الذي سبق أن صعد على خشبته كبار نجوم الفن المصري والعربي.