- مصر ستكون مركزًا إقليميًا كبيرًا لإنتاج الهيدروجين الأخضر وتصديره
- طبقنا "تبريد المناطق" في العاصمة الإدارية الجديدة
- الدول العربية ستصل إلى الحياد الكربوني بحلول 2060
يلعب ملف الطاقة المتجددة دورًا كبيرًا في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، ومن خلال التحول نحو الطاقة المتجددة، يمكن تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وتحسين جودة الهواء، وتقليل الاعتماد على الموارد غير المتجددة، وتعزيز أمن الطاقة واستقلالها، كما يمكن إحلالها كاستراتيجية بديلة للنفط على المدى الطويل، وتأمل الدول تطوير هذا المصدر من الطاقة وتضع ذلك هدفًا تسعى لتحقيقه، ومن هنا جاء حوار " القاهرة الإخبارية" مع الدكتور جواد الخراز، المدير التنفيذي للمركز الإقليمي للطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة "RCREEE"، لاستعراض أهم السياسات والتكنولوجيات الخاصة بالطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة في العالم العربي.
وإلى نص الحوار
ما الدور الرئيسي للمركز؟
أنشئ المركز الإقليمي للطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة، في 2008 كمشروع لوكالة التعاون الألمانية، بهدف مساعدة الدول العربية في مسارها المتعلق بالانتقال الطاقي، والسياسات والتكنولوجيات الخاصة بالطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة، إضافة إلى تشجيع استثمارات القطاع الخاص بهذه المجالات، وبعد 3 سنوات وقع المركز اتفاقية المقر مع مصر، تم بموجبها إعطاء المركز صفة "مركز دولي ذو صفة دبلوماسية"، بعد أن فازت مصر باحتضان المركز.
كم عدد الدول التي يمثلها المركز؟
17 دولة عربية، مُمثلة عن طريق وزارات الطاقة في كل بلد، عن طريق ممثل عالي المستوى، عادة يكون المسؤول عن الطاقة المتجددة في البلد، إذ إن المركز يعتبر الذراع الفنية لجميع الدول العربية في كل ما يتعلق بالطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة، والذراع الفنية للمجلس العربي الوزاري للكهرباء.
كيف يتم تمويل المركز وأنشطته؟
المركز منظمة دولية مستقلة ماليًا يعتمد على المشروعات التي يعمل عليها مع الدول العربية ومع مختلف الجهات المانحة، مثل الاتحاد الأوروبي، البنك الدولي، المفوضية الأوروبية، البنك الأوروبي للاستثمار، واليونيدو، وغيرها من الجهات والمنظمات الإقليمية.
ما دور المركز فيما يتعلق بالاستراتيجيات الوطنية المتعلقة بالطاقة المستدامة؟
نقوم بكل الأنشطة المتعلقة بالمساعدة في صياغة السياسات الوطنية والإقليمية في هذا المجال، وقمنا في 2018 بالتعاون مع جامعة الدول العربية، بصياغة الاستراتيجية العربية للطاقة المستدامة في الدول العربية، وهناك آليات لتتبع مدى إحراز الدول للتقدم في تلك المجالات، وكذلك مساعدة الدول على الوفاء بوعودها المتعلقة باتفاقية باريس للمناخ.
هل هناك إسهام للمركز في ملف إنتاج الهيدروجين الأخضر والاستثمارات المتعلقة بهذا القطاع؟
للمركز دور كبير في كل ما يتعلق بالهيدروجين الأخضر، لأن الاقتصاد الأخضر سيُبنى عليه، ونحن نواكب هذا الموضوع، وقريبًا سنوفر التدريب بالتعاون مع وكالة التعاون الألمانية، في جميع المجالات المتعلقة بالهيدروجين الأخضر.
هل يؤثر شح المياه على خطط إنتاج الهيدروجين الأخضر؟
إنتاج الهيدروجين الأخضر يحتاج محللات كهربائية، ويجب استخدام كميات من المياه، ورغم معاناة المنطقة العربية من شح المياه إلا أن خبراء المجال وأغلب الأصوات العلمية تصب في مصلحة تحلية المياه من أجل إنتاج الهيدروجين الأخضر.
هل التكلفة المطلوبة لتحلية المياه مرتفعة؟
التكلفة موضوع مُعقد يتعلق بحجم المحطة، والطاقة المستخدمة متجددة أم أحفورية، ونوع التكنولوجيا المستخدمة وغيرها، لكن استخدام المياه ومساهمة تكلفتها بالنسبة للتكلفة الكلية لإنتاج الهيدروجين الأخضر لا تتعدى "2 سنت" في المتر المكعب، وبالتالي تأثير تحلية المياه في إنتاج الهيدروجين الأخضر هي نسبة قليلة.
هل هناك خطوات تنفيذية لإنتاج الهيدروجين الأخضر في الدول العربية؟
هناك محاولات حاليًا في سلطنة عمان والإمارات العربية والمملكة العربية السعودية ومصر، ففي سلطنة عمان هناك توجه للتحول إلى مركز لتصدير الهيدروجين الأخضر إلى آسيا وأوروبا، أما الإمارات المتحدة والمملكة العربية السعودية فقامتا بمشروعات ضخمة، وكان المغرب بين الدول الأولى بالمنطقة العربية في صياغة استراتيجية وطنية للهيدروجين الأخضر.
أما مصر فحققت رقمًا قياسيًا في عدد الاتفاقيات التي وقعتها، خلال مؤتمر المناخ، في مدينة شرم الشيخ، بنحو 16 اتفاقية مع جهات دولية، للبدء في إنتاج الهيدروجين الأخضر في السنوات المقبلة بين عامي 2026 و2027، وهناك استراتيجية وطنية قيد الإعداد، ومصر لديها إمكانات هائلة فيما يتعلق بطاقة الرياح والطاقة الشمسية، وأتصور أنها ستكون مركزًا إقليميًا كبيرًا لإنتاج الهيدروجين الأخضر وتصديره.
متى تنتج أول دولة عربية الهيدروجين الأخضر؟
هناك زخم في توقيع الاتفاقيات، فالمغرب سينتج أمونيا خضراء عام 2027، مصر كذلك ستنتج هيدروجينًا أخضر بداية 2027، والمملكة العربية السعودية ستنتجه عام 2029، والإمارات ما بين 2026 وبين 2027.
ما أهمية توطين التكنولوجيا وخاصة تكنولوجيا إنتاج الهيدروجين الأخضر؟
نحتاج إلى توطين التكنولوجيا حتى لا نعتمد على السوق الخارجية، كما نحتاج إلى مضاعفة الاستثمار في البحث العلمي، فاستثمار الدول العربية في البحث العلمي بالنسبة للناتج الوطني لا يتعدى 1% بينما تضع دول متقدمة 5% من ناتجها القومي، ومن جهة أخرى يجب أن تفرض الدولة على المستثمرين الأجانب - كما فعلت الصين وكوريا الجنوبية- أن يكون هناك تدريب لكوادر محلية وتصنيع بعض المكونات محليًا.
ما أبرز جهود الدول العربية فيما يتعلق بإنتاج الطاقة منخفضة الكربون؟
جميع الدول العربية لها أهداف طموحة متعلقة برفع نسبة مساهمة الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة وإنتاج الكهرباء، في مصر نتحدث عن 42 % في عام 2035، وفي المغرب نتحدث عن 52% بحلول 2030، أما في جيبوتي فنتحدث عن 100% بحلول 2035.
وتعد مصر من أكثر الدول العربية التي حققت قفزات في رفع القدرة الإنتاجية الخاصة بالطاقة المتجددة في السنوات الأخيرة، فقبل 15 عامًا كان هناك عجز في الكهرباء، وخلال سنوات قليلة، أصبح لديها فائض، علاوة على مشروعات طاقة الرياح في خليج السويس وغيرها من مشروعات الطاقة الشمسية كمحطة بنبان، فقد حققت مصر خطوات جبارة، وكل هذا بفضل إرادة سياسية قوية، وسياسات متعلقة بتحفيز الاستثمار، وأقلمة الإطار التشريعي، وغيرها من العناصر.
كما وضعت كل الدول العربية أهدافًا للوصول للحياد الكربوني بحلول 2060 على الأكثر، وأرى أن تنظيم مصر لمؤتمر المناخ في شرم الشيخ، السنة الماضية، وتنظيم الإمارات لمؤتمر المناخ، السنة الحالية، دليل على التزام الدول العربية بالانتقال الطاقي والتزامها باتفاقية باريس للمناخ.
كيف يؤثر التحول إلى الطاقة الخضراء على أسعار الطاقة مستقبلًا؟
إن التحول إلى الطاقة الخضراء كفيل بتخفيض أسعار الكهرباء، وقبل طرح أي عطاء سواء لمحطات طاقة شمسية أو طاقة رياح، هناك شروط نضعها وتضعها الدولة تُلزم القطاع الخاص بتسعيرة مُعينة تكون مناسبة للقطاعات المستهلكة، في إطار مبدأ الاستفادة للجميع، بمعنى أن محطات الطاقة الكبيرة تحتاج إلى تمويل، والمؤسسات المحلية لن يكون لها التمويل الكافي دائمًا، وبالتالي ستكون مشاركة القطاع الخاص مهمة في إطار "تقاسم المخاطر" ، كما تحاول الدولة بقدر المستطاع ضمان أن يكون هناك استثمار وإنتاج طاقة متجددة، مع مراعاة ألا يتم إثقال كاهل المواطن والمستهلك بسبب فاتورة استهلاك الكهرباء، والمتوقع أن مضاعفة الاستثمار في الطاقة المتجددة سيعود بشكل إيجابي على أسعار الكهرباء في المستقبل، خاصة إذا تم تسهيل بعض القوانين.
ماذا نحتاج لتشجيع المواطن على استخدام الألواح الشمسية في المنازل؟
إن تكلفة بدء استخدام الألواح الشمسية كبيرة، لا يتحملها المواطن بسهولة، لذا من المهم توعية الدولة للمواطن بأهمية استخدام الطاقة المتجددة على المدى البعيد، وأنها ستنعكس على قيمة استهلاكه، وكذلك تقديم حوافز للمواطنين، وفي تونس هناك مشروعات قامت بها الدولة في مجال كفاءة الطاقة، مع توفير قروض ميسرة للمواطنين، والقطاع الخاص، والشركات الصغرى للاستثمار في السخانات الشمسية، وأسهم ذلك في انتشار تلك السخانات على مستوى تونس، كما انخفضت فاتورة استهلاك المواطن بشكل كبير.
ما رأيك في تنظيم مصر لمؤتمر المناخ "كوب 27" وسط ظروف دولية صعبة؟
إن مؤتمر المناخ نجح في عدة أوجه، ولا ننتظر من مؤتمر واحد أن يغير العالم، أو يحقق تغييرًا جذريًا، خصوصًا في ظروف صعبة، بينها ظروف الحرب الروسية الأوكرانية، والأزمة الاقتصادية العالمية، والتضخم الذي تعاني منه أغلب دول العالم، ووسط ذلك نجحت مصر في حشد دعم لدفع الدول المتقدمة إلى تخصيص تمويلات لتعويض الدول النامية الأكثر تضررًا من تأثير التغيرات المناخية، وإنشاء صندوق الخسائر والأضرار، وأعتقد أن هذا الصندوق كان طفرة ونجاحًا يحسب للمؤتمر أنه تم المصادقة عليه بعد سنوات كثيرة فشلت خلالها دول مختلفة في الحشد له.
تستعد الكثير من الدول العربية للانطلاق نحو الصناعة الخضراء، ما خطوات الدول العربية للاتجاه لتلك الصناعة؟
كمركز إقليمي وقعنا اتفاقية مع منظمة "يونيدو" لنقوم بما يسمى "التحكم في كفاءة الطاقة" بمجموعة من الشركات الصناعية، وفي مصر تعاملنا مع 36 شركة وخلصنا إلى إعطاء توصيات بكيفية ترشيد استخدام الطاقة وتخفيض الاستخدام في تلك الشركات وهذا أول هدف، لأن التحول إلى الصناعة الخضراء يمر عبر ترشيد استخدام الطاقة واستخدام الطاقة المتجددة قدر المستطاع، كذلك لدينا مشروع كبير اسمه "ميت ميد"، نعمل فيه مع الوكالات الوطنية لكفاءة الطاقة في الدول العربية، ومن خلاله نحاول التركيز على كفاءة الطاقة في قطاع الأبنية والأجهزة الكهربائية، كما وقعنا اتفاقية خلال مؤتمر شرم الشيخ، مع "Global Carbon Council" لإصدار سندات الكربون لأي مشروعات في الدول العربية تكون مشروعات خضراء أو صناعية خضراء، وسنحاول تشجيع الدول العربية على تقديم مشروعات في هذا الاتجاه بحيث تحصل على تلك السندات الكربونية، لأنه في المستقبل سيصدر الاتحاد الأوروبي ما يُسمى بـ"تعريفة الكربون"، وهذا سيؤثر على القطاع الاقتصادي والتصديري في الدول العربية.
هل هناك مثال على مشروع تم تنفيذه بالفعل؟
نعمل بالتعاون مع 8 دول عربية، هي "مصر، المغرب، الجزائر، تونس، ليبيا، لبنان، الأردن، وفلسطين" في المشروع، وأنشأنا شبكات وطنية في مصر والمغرب والأردن، لتمويل الطاقة المستدامة تجمع كل الفاعلين في قطاعي الطاقة والتمويل، لكي يتم التباحث والتعاون في مجال تمويل مشروعات كفاءة الطاقة في قطاع الأبنية والأجهزة الكهربائية.
وهناك نموذج تم العمل عليه بالفعل، في كل الأبنية الحكومية بالعاصمة الإدارية الجديدة، من خلال ما يُسمى بـ"تبريد المناطق"، وهو مشروع نسعى لتسويقه في الدول العربية، بحيث يكون هناك تكييف فيه كفاءة الطاقة، ونظمنا زيارة ميدانية لممثلي الدول العربية لرؤية المشروع، وأطلعناهم على التكنولوجيا وآلية عمل التكييف في العاصمة الإدارية، كما أجرينا زيارة مشابهة لباريس رأينا خلالها تكنولوجيا تبريد المناطق كيف تتم في العاصمة باريس، وهذا مشروع موجود على أرض الواقع.
في ظل الحديث عن التحول إلى الطاقة المتجددة ما هو مستقبل البترول؟
أرى أن استخدام البترول سيختفي مستقبلًا، فهناك إجماع دولي إنه يجب تقليل الاعتماد على البترول، إذًا هي مسألة وقت 20 أو 30 سنة بحد أقصى.
ما حجم التعاون بين المركز والجامعة العربية والمؤسسات الدولية؟
نحن نمثل الذراع الفنية لجامعة الدول العربية، ونتعاون مع الجامعة في مختلف الأنشطة، وتدريب الكوادر وبناء القدرات وصياغة السياسة العربية، كذلك مع الاتحاد الأوروبي، وهناك تعاون وثيق أيضًا مع مصر خاصة وزارة الكهرباء، ونطمح في الفترة المقبلة أن نكون أكثر إفادة لمصر والدول العربية في التحول نحو الاقتصاد الأخضر.