الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

مُربكات حادة.. هل تستمر صدمات الاقتصاد العالمي حتى نهاية 2023؟

  • مشاركة :
post-title
صدمات الاقتصاد العالمي حتى 2023

القاهرة الإخبارية - شعبان الأسواني

يطرح ما يعانيه الاقتصاد العالمي في هذا التوقيت، من صدمات جديدة ومتجددة، منها متحورات كوفيد-19، وتزايد أسعار الطاقة، والانقطاعات في سلاسل الإمداد، ونشوب الأزمة الروسية الأوكرانية التي أثرت في إمدادات الغذاء والطاقة في أغلبية دول العالم، وأسهمت في ارتفاع التضخم في دول كثيرة، تساؤلات عدة، لعل أهمها: ما مستوى التحديات التي يواجهها العالم في الوقت الراهن، وما تأثيراتها المحتملة؟

تباطؤ الاقتصاد العالمي:

يواجه التعافي العالمي بعد جائحة كوفيد-19 تحديات اقتصادية متعددة، وبدأ النمو الاقتصادي العالمي في عام 2021 في التعافي، فعلى الرغم من هذا التعافي، فإنه وفقًا لأحدث تقديرات صندوق النقد الدولي في أكتوبر 2022، يتوقع أن ينخفض النمو العالمي خلال عام 2022 ليسجل 3.2٪، مقابل 4.4% في توقعات يناير 2022.

وفي الإطار ذاته، تحذر وكالة "موديز" من خطر حدوث ركود تضخمي طويل الأمد، إذ يشهد الاقتصاد العالمي تباطؤًا في النمو، ويتزامن هذا التباطؤ مع ارتفاع التضخم إلى أعلى مستوياته منذ عقود عدة، مدفوعًا بارتفاع أسعار السلع الأساسية، وترى الوكالة أن البنوك المركزية ستستمر في تبنِّي سياسة نقدية تشددية من خلال رفع معدلات الفائدة، ما سيؤثر سلبًا في معنويات الاستهلاك والاستثمار، وسيرفع معدلات البطالة، ويؤثر كذلك في الائتمان.

تتوقع "موديز" أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للاقتصادات المتقدمة في مجموعة العشرين بنسبة 2.1% في عام 2022، و1.1% في عام 2023، في حين تتوقع "موديز" أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للاقتصادات الناشئة في مجموعة العشرين بنسبة 3.3%، و3.8% في عامي 2022 و2023 على التوالي، بعد تحقيقها نموًّا بمعدل 7.3% في عام 2021.

في حين تتوقع وكالة "فيتش" في مراجعتها الشهرية (سبتمبر 2022) أن يحقق الاقتصاد العالمي نموًّا عام 2022 بمقدار 3.1%، كما خفضت الوكالة التوقعات لعام 2023 من 2.8٪ إلى 2.2٪، وعلى صعيد منطقة اليورو، ونتيجة تفاقم أزمة الطاقة العالمية، تتوقع الوكالة دخول منطقة اليورو في ركود خلال الأشهر المقبلة، كما ستشهد المنطقة انكماشًا بنسبة 0.3٪ في عام 2023 ككل.

الوكالة خفضت توقعاتها لمعدلات النمو في الولايات المتحدة الأمريكية من 1.6٪ في عام 2023 إلى 0.9٪، وبحسب الوكالة من المحتمل بنسبة 40-50% دخول الولايات المتحدة الأمريكية في حالة ركود خلال الأشهر الـ12 إلى 18 المقبلة. في حين تتوقع الوكالة أن يحقق الاقتصاد الصيني نموًّا بنسبة 5.3% عام 2023، وهو أقل بقليل من توقعات الوكالة السابقة البالغة 5.5٪.

وعلى صعيد الأسواق الناشئة، رغم رفع "فيتش" تقديراتها لنمو الأسواق الناشئة لعام 2022 من 3.4٪ إلى 3.9٪، فإنها خفضت توقعاتها للنمو لعام 2023 من 4.4% إلى 4.1٪. أما بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فرفعت "فيتش" توقعاتها لعام 2022 من 6.5٪ إلى 6.6٪، كما رفعت توقعات النمو لعام 2023 من 4.3٪ إلى 4.5٪.

أدّى التضخم القياسي، وتصحيح أسعار الأصول، وتقلب الأسواق المالية، وعدم اليقين الاقتصادي، إلى حدوث اضطرابات في ميزانيات الأسر والشركات، ما انعكس على تراجع ثقة المستهلكين وتوجهات الاستثمار في معظم الاقتصادات الرئيسة.

معدلات تضخم غير مسبوقة:

تفاقم التضخم العالمي في أعقاب الجائحة والأزمة وفقًا لصندوق النقد الدولي لمستوى غير مسبوق، وارتفع معدل التضخم من 3.2% في عام 2020 إلى 4.7% في عام2021، ويتوقع الصندوق ارتفاع التضخم العالمي في عام 2022 ليسجل 7.4%، وعلى صعيد الأسواق المتقدمة ككل، ارتفع معدل التضخم من 0.7% في عام 2020 إلى 3.1% في عام 2021، ومن المتوقع أن يصل إلى5.7% في عام 2022، وبالمثل، تأثرت الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية بهذه الأزمة؛ إذ ارتفع معدل التضخم من 5.2% في عام 2020 إلى 5.9% في عام 2021، ومن المتوقع أن يصل إلى 8.7% في عام 2022.

تشير قراءات التضخم لشهر أغسطس 2022 إلى أن معدل التضخم أعلى بكثير من أهداف البنوك المركزية في جميع الاقتصادات الـ24 الكبرى التي تتبعها وكالة "فيتش"، وأنه من بين الـ24 اقتصادًا، شهد 13 اقتصادًا قراءات تضخم أعلى في أغسطس على أساس سنوي مقارنةً بشهر يوليو 2022، في حين شهد 11 اقتصادًا قراءات تضخم أقل.

اتصالًا بذلك، تشير التقديرات إلى أن التضخم في المملكة المتحدة ومنطقة اليورو، يزداد سوءًا؛ حيث ارتفعت الأسعار بمعدلات قياسية، وبلغ معدل التضخم في يوليو 2022 نحو 10.1٪ في المملكة المتحدة و8.9% في منطقة اليورو. ويعتقد معظم المحللين أن التضخم في المملكة المتحدة ومنطقة اليورو، لم يبلغ ذروته بعد؛ حيث يرى بنك إنجلترا أن التضخم في المملكة المتحدة سيبلغ ذروته فوق 13٪ في وقت لاحق من العام الجاري.

وفي الولايات المتحدة الأمريكية، سجل معدل التضخم 8.3% في أغسطس 2022، لكنه جاء منخفضًا من 8.5٪ في يوليو ومن 9.1٪ في يونيو، وهي وتيرة لم تشهدها منذ أكثر من أربعة عقود منذ نوفمبر 1981؛ ما زاد الضغط على بنك الاحتياطي الفيدرالي للعمل بشكل أكثر قوة لإبطاء الزيادات السريعة في الأسعار بجميع أنحاء الاقتصاد.

على صعيد الأسواق الناشئة، استمرت قراءات التضخم في الأسواق الناشئة في الارتفاع، حيث ارتفع متوسط التضخم في 39 من الأسواق الناشئة الرئيسة، من 15.8٪ على أساس سنوي في يونيو 2022 إلى 16.5٪ على أساس سنوي في يوليو 2022.

استمرت الأسواق الناشئة في أوروبا وإفريقيا وجنوب الصحراء الكبرى في تسجيل معدلات تضخم أكثر ارتفاعًا في الأشهر الأخيرة، في المقابل كانت الزيادة في الأسعار في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وشرق وجنوب شرق آسيا أكثر اعتدالًا.

وبالبحث عن الأسباب الكامنة خلف تفاقم معدلات التضخم في مختلف مناطق واقتصادات العالم، فإن البنوك المركزية ومعظم الاقتصاديين يرجعون ارتفاع الأسعار إلى اضطرابات سلاسل التوريد وقيود الإنتاج؛ بسبب عمليات الإغلاق المرتبطة بكوفيد-19، والأزمة الروسية-الأوكرانية، وارتفاع أسعار الطاقة والغذاء التي صاحبتها، بالإضافة إلى ذلك، هناك سبب آخر واضح لارتفاع التضخم يتمثل في معدلات الفائدة المنخفضة والتوسع في عرض النقود من خلال التيسير الكمي الذي كانت البنوك المركزية تطبقه منذ الأزمة المالية لعام 2008، حيث أدت السياسة النقدية المتساهلة إلى ارتفاع الطلب في وقت تعطَّلت فيه قدرات الإنتاج وإمدادات الطاقة الرخيصة والواردات.

ارتفاع معدلات الديون العالمية:

شهد العالم منذ عام 2020 أكبر زيادة في الديون منذ الحرب العالمية الثانية، لمواجهة الأزمات الناتجة عن الجائحة، حيث ارتفع الدين الكلي العالمي إلى 226 تريليون دولار، نتيجة لتعرض العالم لأزمة عالمية وركود عميق؛ ففي عام 2020 ارتفع الدين الكلي العالمي إلى 256% من إجمالي الناتج المحلي العالمي، طبقًا لتقديرات صندوق النقد الدولي.

وفي عام 2021، وصل الدين الكلي العالمي إلى مستوى قياسي بلغ 303 تريليونات دولار، وفقًا لمعهد التمويل الدولي، حيث تسبب الوباء في ارتفاع الإنفاق على تدابير حماية الوظائف وحياة المواطنين وسبل العيش.

وقفزت نسبة الدين العام العالمي إلى مستوى قياسي بلغ 99.2% من الناتج المحلى الإجمالي خلال عام 2020 ومن المتوقع أن يسجل 94.4% خلال عام 2022، بينما ارتفع الدين الخاص من خلال الشركات غير المالية والأسر مسجلًا مستويات غير مسبوقة، نتيجة جائحة كوفيد-19، والأزمة الروسية الأوكرانية التي أدّت إلى تعطيل الإمدادات الغذائية، ودفع أسعار المواد الغذائية للارتفاع بشكل غير مسبوق؛ ما ضغط على الدول المستوردة التي تكافح لمساعدة مواطنيها الأكثر فقرًا، فمع ارتفاع أسعار الغذاء والوقود، تحتاج الحكومات إلى تقديم مزيد من المنح للأسر المحتاجة لمساعدتها على تغطية التكاليف، لا سيما في البلدان منخفضة الدخل.

تدهور الأسواق المالية وركود سوق العمل:

تؤدي عديد من الحكومات دورًا مهمًّا في تحفيز وتنشيط سوق الأوراق المالية، ما أثر بدوره في تحقيق عديد من الإنجازات في السنوات الأخيرة، لا سيما فيما يتعلق بالشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم. ومع ذلك، لا يزال الوضع الحالي مقلقًا، ويرجع ذلك إلى استمرار انخفاض عدد الشركات المدرجة في أسواق الأوراق المالية، خاصة في الدول المتقدمة.

الجدير بالذكر أن أسواق المال شهدت حالة من عدم اليقين والتقلب الشديد في أثناء جائحة كوفيد-19 عام 2020، وذلك على مستوى دول العالم كافة؛ ويرجع ذلك إلى عمليات الإغلاق، وتقييد النشاط الاقتصادي، وارتفاع معدل البطالة، وتآكل أرباح الشركات. وأدت السياسات الحكومية الداعمة لتعزيز النمو الاقتصادي، بالإضافة إلى توافر اللقاحات في أوائل عام 2021، إلى توفير الاستقرار للاقتصادات، والسماح للأسواق المالية بالتعافي.

ومن ناحية أخرى، كان أداء سوق الأسهم في الصين هو الأسوأ منذ عقد من الزمن؛ حيث حققت خسارة تقدر بنحو 14٪ في عام 2021؛ ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى الإجراءات التنظيمية التي أعاقت القطاعات التي تؤثر في التجارة الإلكترونية، أما بالنسبة لأداء أسواق الأسهم في الأسواق الناشئة، فشهدت تراجعًا؛ حيث انخفض مؤشر MSCI للأسواق الناشئة بنسبة 4.59٪ عام 2021، وكانت البورصة الصينية الأقل أداءً على مستوى الأسواق الناشئة.

وبالرغم من ارتفاع القيمة السوقية لأسهم الشركات المحلية المدرجة في البورصات العالمية إلى 121.94 تريليون دولار أمريكي في عام 2021 مقابل 65.04 تريليون دولار أمريكي في عام 2013، انخفض إجمالي تلك القيمة في يونيو 2022 لتسجل نحو 105.07 تريليون دولار أمريكي، بسبب ارتفاع التضخم والاختناقات الشديدة في سلسلة التوريد على مدار العام.

أما ما يتعلق بركود سوق العمل ‏العالمي، فيمكن القول إنه بالرغم من استئناف النمو الاقتصادي العالمي، فإن سوق العمل العالمية لم تتعافَ بعد كاملًا من تأثير الجائحة، ولا يزال "ركود سوق العمل" مستمرًا في عديد من الدول، فوفقًا لتقديرات منظمة العمل الدولية، فإنه من المرجح أن تظل العودة إلى ما قبل الجائحة بعيدة المنال في كثير من أنحاء العالم خلال السنوات المقبلة.

بلغ معدل البطالة العالمي في عام 2020 نحو 6.6٪، وانخفض قليلًا خلال عام 2021 ليصل إلى 6.2٪، ومن المتوقع أن يصل في عام 2022 إلى 5.9٪، في حين أنه من المتوقع أن يظل معدل البطالة العالمي يفوق مستواه لعام 2019 حتى عام 2023 على الأقل.

وفي الختام، يمكن القول إنه بالرغم من أن العالم شهد، مع بداية النصف الثاني من العام الجاري، بارقة أمل اقتصادية؛ حيث تراجعت أسعار المعادن خلال شهر يوليو 2022، بيد أن الصدمات العالمية من المرجح لها أن تستمر حتى عام 2023، فإنه يتوقع البنك المركزي الأوروبي أن يتسبب القطع الكامل لإمدادات الغاز الروسي في "انخفاض حاد" في الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة اليورو في الربع الأخير من هذا العام والربع الأول من العام المقبل؛ ما سيسهم في انكماش بنسبة 0.9٪ في عام 2023 ككل، وسيتعرض اثنان من أكبر الاقتصادات في منطقة اليورو إلى ضربة قوية؛ حيث سينخفض الناتج المحلي الإجمالي في ألمانيا وإيطاليا بنحو 2.5٪ لكل منهما في عام 2023.