قبل 99 عامًا ولد هنري بركات شيخ المخرجين، في حي شبرا بمصر، ليعيش المخرج ذو الأصول الشامية داخل بيئة مصرية خالصة، ويرصد بعينه الثاقبة تحولات المجتمع في ذلك الوقت، ويراقب الشخوص المحيطة به بطبائعها وأحلامها ومشكلاتها، ثم سافر لدراسة السينما بفرنسا ليتخرج في كلية الفنون الفرنسية منتصف ثلاثينيات القرن الماضي، ويعود إلى مصر ليصبح المخرج، الذي توفي في مثل هذا اليوم 23 فبراير، أحد أبرز صناع السينما المصرية.
قفزة هنري بركات نحو تولي دفة الإخراج لم تستغرق الكثير من الوقت، إذ إنه بعد أن شارك في عملين فقط بدور المخرج المساعد، لعبت الصدفة دورها في أن يحظى بأول فرصة له في الجلوس على مقعد المخرج، من خلال فيلم "الشريد"، إذ كانت منتجته آسيا داغر تبحث عن مخرج جديد ليتولى مهمة إخراج العمل، بعد أن وُضعت في مأزق عقب انسحاب مخرج العمل الأصلي لظروف شخصية، وبمهاراته الخاصة استفاد المخرج الشاب من الفرصة ليقدم نفسه للجمهور بهذا الفيلم وينال إعجاب صناع السينما، وكتب اسمه على أول ملصق دعائي عام 1942.
لكن أول أفلام هنرى بركات اختفت، بحسب ما أكده في لقاء تلفزيوني قال فيه: "حاولنا البحث عن هذا الفيلم لكننا لم نجده، وهذا العمل له ذكريات مختلفة معي، إذ إنني فوجئت بأن الجمهور كان يضحك في مشهد موت البطلة، وتكرر الأمر نفسه عند كل الحفلات التي عُرض فيها، ووقتها تعلمت أن الجمهور له رأي ولا بد أن أضع له حسابه".
وفي نفس عام طرح "الشريد" تولى هنري بركات مهمة إخراج فيلمين آخريين، هما "المتهمة"، و"لو كنت غني"، ثم توالت الأعمال بعد ذلك ليصنع علامات من أشهر كلاسيكيات السينما المصرية، خصوصًا أن مواهبه كانت متشعبة وتتضمن التأليف، إذ نسج أفكار وشخوص نحو نصف إنتاجه الفني، وبرزت هذه الموهبة من أول أفلامه "الشريد" ليتبع ذلك في شرائط سينمائية أخرى، منها "يوم بلا غد"، "الباب المفتوح"، "سجى الليل"، "حكم الزمان"، و"أمير الدهاء" المأخوذ عن رواية لألكسندر دوماس بير، وأيضًا أفلام "حبيب العمر"، "الحب الكبير"، "دائمًا معاك"، و"ارحم دموعي".
لم يكتفِ بركات بأن يكون مؤلفًا ومخرجًا لكنه تعلّم فن المونتاج، حتى يضع رؤيته كاملة في العمل الفني، ويصبح أحد المؤثرين في صناعة السينما، ليرحل بجسده، لكن يبقى فنه حاضرًا في ذاكرة السينما المصرية.
فاتن حمامة
في مشوار هنري بركات حضر العديد من الممثلين بأعماله الفنية، لكن الثنائي الذي شكّله مع الفنانة فاتن حمامة أصبح نقطة مضيئة وبارزة في سجلهما الفني، إذ قدم الثنائي المميز معًا 18 فيلمًا، ويكفيه ما قدمه من أعمال مثل "دعاء الكروان، الحرام، أفواه وأرانب، وليلة القبض على فاطمة"، وانحاز في هذه الأفلام للمرأة المظلومة ورسم صورة بعدسته ورؤيته لحال المجتمع البسيط، وكيف تقاوم المرأة ما بين نظرة دونية بأنها سلعة تباع وتشترى تنتهك حُرمة جسدها تحت وطأة لقمة العيش، أو أنها مثل الأرانب دورها في الحياة الإنجاب فقط، لتقدم فاتن حمامة أدوارها باقتدار.
لا يمكن أن نعتبر كل الأفلام التي قدمها هنرى بركات تحمل فلسفة في الحياة، لكن بعضها كان تجاريًا مثل "عفريته هانم"، "شاطئ الغرام"، وأخرى رومانسية مثل "موعد غرام" مع فاتن حمامة أيضًا وغيرها الكثير، إذ تعاون مع العديد من الفنانين مثل فريد الأطرش في فيلم "حبيب العمر"، وسعاد حسني في فيلم "حسن ونعيمة"، وغيرهم من الفنانين، مثل عبد الحليم حافظ ومحمد فوزي وهدى سلطان.