تحتفل الأوساط الدولية باليوم العالمي للعدالة الاجتماعية في الـ20 من فبراير من كل عام، للتذكير بالفجوات الاجتماعية والتعاملات الطبقية، إذ تزداد الاختلالات الاقتصادية المرتبطة بالعولمة والتقنية بشكل مطرد سنويًا، رغم كل الجهود الأممية والمنظمات الدولية.
وسلط برنامج "صباح جديد"، المُذاع عبر شاشة "القاهرة الإخبارية"، الضوء على اليوم العالمي للعدالة الاجتماعية، بوصفه يومًا مهمًا للعالم، تناقش فيه العديد من المنظمات بالتعاون مع الأمم المتحدة الخطط السنوية لتحقيق العدالة الاجتماعية، من خلال السعي للقضاء على الفقر والتمييز والبطالة.
ودفعت هذه الأحوال غير الطبيعية في ظل مناخات غير صحية تفتقر للعدالة والمساواة وتوزيع الثروات، إلى انحراف مفاهيم التضامن الإنساني والعدالة الاجتماعية، مما يتسبب بمتغيرات ديموجرافية وموجات من الهجرة غير النظامية، مدفوعة بارتفاع الاضطرابات السياسية والنزاعات العسكرية.
وبناءً على مبادرات كثيرة لم يُكتَب لها النجاح في تقليل الفجوة بين المجتمعات وخصوصًا في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، بادرت الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال مداولات مكثفة عام 2007، لإعلان يوم الـ20 من فبراير، بوصفه اليوم العالمي للعدالة الاجتماعية، ثم تبعها اعتماد منظمة العمل الدولية بالإجماع في 10 يونيو 2008، إعلان رؤية معاصرة بشأن العدالة الاجتماعية في حقبة العولمة.
عقد اجتماعى مع الحكومات وشعوبها
عانى النظام العالمي المتعدد الأطراف، من بطء التكيف مع البيئات المتغيرة، فلم يقدم طروحات عملية ناجعة أو حلولًا مرضية لمشاكل مجتمعات متنوعة، وهو ما حذر منه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيرش في تقريره المعنون "خطتنا المشتركة"، داعيًا إلى تعددية أطراف أكثر شمولًا، وتجديد العقد الاجتماعي بين الحكومات وشعوبها مع الأخذ بالاعتبار اتباع نهج شامل لحقوق الإنسان، في إطار الخطة المرسومة لعام 2030، لا سيما في وقت لم يزل فيه تحقيق هذه الأهداف بعيد المنال.
وتحرص هذه الرؤية من خلال التنسيق بين ممثلي الحكومات وأرباب العمل ومنظمات العمال من 182 دولة من الدول الأعضاء، على الالتزام معًا بتعزيز قدرة منظمة العمل الدولية على تحقيق أهداف العدالة الاجتماعية، وإضفاء الطابع المؤسسي على مفهوم العمل اللائق الذي وضعته منظمة العمل الدولية منذ عام 1999، ليكون في صلب سياسات المنظمة وأهدافها.
وترتكز بوصلة النهوض بـ"عولمة عادلة" على إتاحة فرص جديدة، عبر التجارة والاستثمار وتدفق رؤوس الأموال وأوجه التقدم التكنولوجي، والسعي لتحقيق النمو الاقتصادي العالمي والتنمية وتحسين مستويات المعيشة في العالم، بشكل يواكب تحديات الأزمات المالية الحادة وانعدام الأمن والفقر والمساواة داخل المجتمعات، ومحاولة تجاوز العقبات التي تحول دون زيادة اندماج البلدان النامية، ضمن الاقتصاد العالمي.
وتسهم العدالة الاجتماعية في تحسين أداء المجتمعات والاقتصادات، وتحد من الفقر وأوجه غياب المساواة، وتخفف التوترات الاجتماعية، كما تضطلع بدور مهم في رسم مسارات أكثر شمولًا واستدامة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية، وهي أساسية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
فرص العدالة الاجتماعية
وضعت الأمم المتحدة في مشروعات العام 2023، خطة للتغلب على العوائق وإطلاق العنان لفرص العدالة الاجتماعية، في إطار توصيات قدمت لتعزيز التضامن العالمي وإعادة بناء الثقة في الحكومات وتعزيز الحوار مع الدول الأعضاء، والشباب، والشركاء المجتمعيين، ومنظمات المجتمع المدني، وكيانات الأمم المتحدة، وغيرها من أصحاب المصلحة الآخرين.
وتتبع هذه الخطة الإجراءات اللازمة لتقوية العقد الاجتماعي الذي تمزق بسبب تزايد التفاوتات والصراعات وضعف المؤسسات العاملة وإطلاق المزيد من الاستثمارات في الوظائف اللائقة، مع التركيز بشكل خاص على الاقتصاد الأخضر والاقتصاد الرقمي والاقتصاد القائم على خدمات الرعاية وعلى الشباب.
وتضع هذه الجهود الدولية في الاعتبار تصاعد مستويات الفقر، واتساع أوجه التفاوت داخل البلدان فيما بينها في أنحاء كثيرة من العالم، وسط أزمات اقتصادية واجتماعية تتفاقم تداعياتها القاسية في السنوات الأخيرة. إذ تعيش بلدان ومجتمعات ليست بالقليلة أتون المآسي الإنسانية جراء الحروب والصراعات، والكوارث الطبيعية، والفساد والأزمات المالية، التي تلقي بظلالها الوخيمة على طبقات واسعة من أفراد تلك المجتمعات.
برامج ابتكارية في العالم العربي
وفي العالم العربي، شكل تعزيز العمل اللائق في المنطقة الهدف الأساسي لدى المكتب الإقليمي للدول العربية التابع لمنظمة العمل الدولية، فالعمل اللائق يجسد تطلعات الأفراد في حياتهم المهنية، وآمالهم المعلقة على الفرص والمداخيل والحقوق والاستقرار العائلي والتطور الشخصي والعدالة والمساواة بين الجنسين، بالإضافة إلى رغبتهم في إيصال صوتهم والاعتراف بدورهم.
في هذا الإطار، تستند البرامج الابتكارية في منطقتنا العربية إلى 4 أسس بالغة الأهمية، وهي: استحداث فرص العمل، وتطوير المؤسسات والحماية الاجتماعية، والمعايير والحقوق في العمل، والحوار الاجتماعي.
ولهذه البرامج هدفان رئيسيان، تسعى من جهة إلى النهوض بالعمل اللائق باعتباره عنصرًا أساسيًا ضمن استراتيجيات التنمية الوطنية، وتحاول من جهة أخرى وضع رصيد المنظمة من المعرفة والمناصرة والتعاون والأدوات في خدمة الأطراف الثلاثة في إطار مبني على النتائج، وذلك بهدف الارتقاء بأجندة العمل اللائق في سياق ميزة المقارنة التي تتمتع بها المنظمة.
وواحدة من أكبر الفجوات ضمن مفهوم العدالة الاجتماعية لبعض البلدان هي قضية الأجور المناسبة للعمل، فهناك فروق بين أجور النساء والرجال، وهناك فروق أخرى بين كبار السن والشباب رغم أدائهم نفس العمل والوظيفة، وهناك بلدان أخرى يعاني فيها العمال للتمييز بحسب العرق والقومية، ولذا ثمة حاجة لتبني إجراءات ومبادرات تشريعية وعملية تؤتي ثمارها في مواضع كثيرة.
أبرز هذه المبادرات، أن يحرص أصحاب العمل، على إجراء مراجعات داخلية دقيقة وعلى أساس دوري لرواتب الموظفين، وفقًا لفئاتهم الوظيفية وخصائصهم السكانية، وذلك للوقوف على مدى الامتثال للقواعد الإرشادية، ونشر مؤشراته في إطار من الشفافية، مع العمل على تصحيح أي تشوهات تشوبها.
كما يدخل تكثيف الجهود المعنية بجمع بيانات أجور العاملين من قبل أصحاب العمل والعاملين؛ لتحليلها على أساس دوري من أجل الوقوف على الفجوات الأجرية القائمة، ونشرها مجتمعيا.
بجانب ذلك، ثمة أهمية بالغة للتوعية بأهمية المساواة في الأجور بين جهات العمل باعتبارها جزءًا أصيلًا من المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات، وتبيان انعكاساتها الإيجابية على كل من الأداء الفردي ورأس المال البشري والأداء المؤسسي عمومًا، بالإضافة إلى التعريف بآليات تطبيقها، والممارسات النموذجية ذات الصلة.