الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

يوسف السباعي.. جبرتي العصر الساخر الذي تأثر بوالده

  • مشاركة :
post-title
الأديب المصري يوسف السباعي

القاهرة الإخبارية - إيمان بسطاوي

حب الأدب المغلف بالموهبة وتعلم لغات مختلفة، إرث كبير تركه محمد السباعي لنجله يوسف، الذي كان يرسله في طفولته رفقة مقالاته المترجمة إلى المطبعة، ليكون هذا المشوار الاعتيادي بمثابة الخطوات الأولى لأن يصبح الابن واحدًا من أهم أعلام الأدب المتفردين بالوطن العربي بل تفوق على الأب.

في سنوات نشأته الأولى ظهرت على الابن الصغير ملامح التعلّق والشغف بالأدب وحب المعرفة والاطلاع، وتكونت بداخله رغبه مُلحة في المضي قدمًا بهذا الطريق الذي سار فيه الوالد من قبل، وهو ما تحقق بالفعل بعدما توفي والده ليدخل أول اختبار حقيقي له بعد أن استكمل يوسف السباعي قصة "الفيلسوف" التي كان والده شرع في كتابة فصولها الأولى لكن الموت غيّبه دون أن ينتهي منها.

بأنامل ذهبية وبعقل مستنير شق الأديب يوسف السباعي طريقه في الحياة، ليثبت عدم دقة المثل الدارج "صاحب بالين كذاب" وأنه لا ينطبق على الجميع، بعد أن نجح في الجمع بين وظائف مختلفة ما بين العمل العسكري والتأليف الروائي والكتابة للسينما ومناصب إدارية منها عمله وزيرًا للثقافة ونقيبًا للصحفيين، كما سبق أن تولى رئاسة مجلس إدارة عدد من المؤسسات الصحفية الكبيرة، لكن يبقى الأدب مُنيته الأولى والأخيرة والذي ذاع منه صيته في العالم العربي، فكان ولا يزال واحدًا من أبناء مصر النابغين الذين حققوا شهرة واسعة في هذا المجال.

السخرية والجدية

كان يوسف السباعي الذي اغتيل في مثل هذا اليوم عام 1978، صاحب مدرسة متفردة في الأسلوب، جمع ما بين روح الفكاهة الساخرة والجدية والانضباط التي اكتسبها من شخصيته العسكرية، فكان جزءًا من ذاكرة الوطن وسجّل مشاهد حقيقية منها في أعماله التي عبرت عن مصر، سواء في ثورة  1952 أو فترة حرب أكتوبر وما قبلها مثل "رد قلبي" و"ليل له آخر" وأقوى من الزمن" و" العمر لحظة"، ليصفه نجيب محفوظ بأنه "جبرتي العصر"، كما قدّم أعمالًا وطنية أخرى مثل "جميلة" عن المناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد، وتاريخية مثل "وإسلاماه"، "الناصر صلاح الدين" وغيرها من الأعمال الأخرى.

"من شابه أباه فما ظلم"، أكد يوسف السباعي صدق مقولة هذا المثل بعد أن كشف تأثره بوالده منذ عمر الـ10 سنوات، إذ قال في لقاء تلفزيوني قديم: "والدي أول شخص تأثرت به في حياتي، وبحكم أنني كنت ابن أبويا، فكنت أجلس بجواره وأخذ منه بروفات أعماله المترجمة وأذهب بها للطبعة، فقرأت كل أعماله واستمررت على هذا الحال لمدة 10 سنوات، وكنت معجبًا للغاية بأسلوبه ذي الرنين الموسيقي الممتع وكأنه يقول شعرًا، فتأثرت بجمال كلامه وأسلوبه، وحاولت أقلده ولكني عجِزت عن ذلك".

فيلم الناصر صلاح الدين
أفلام يوسف السباعي

تعلق يوسف السباعي الشديد بوالده جعل مشاعر الحزن مضاعفة بعد رحيل الأب، ولم يكن الفتى الصغير تجاوز الـ14 من عمره، لكن رحيل الجسد لم يمنع أن تظل نصائح الوالد وحبه للأدب وذكرياته معه حاضرة طيلة الوقت، إذ يقول عن بدايات كتاباته التي يصفها بمرحلة "العبث": "كنت أتبادل مع صديق لي كتابة الخطابات، عن طريق جمع قصاصات الورق من المطابع وتصميم أغلفة قصص صغيرة وكتب جيب وأرسلها لصديقي، ويرسل بدوره أمور مشابهة، ثم أصدرت مجلة للمدرسة وتوليت منصب نائب رئيس المجلة، لأدخل في مرحلة جديدة من التطور في الكتابة".

قصص وروايات يوسف السباعي كانت تحقق أعلى المبيعات، وحوّل عددًا كبيرًا منها لأفلام سينمائية ساهمت في شهرته بالوطن العربي بعد أن تحولت الشخصيات من الورق إلى لحم ودم على الشاشة، وكان "أرض النفاق" للفنان فؤاد المهندس وشويكار، أول فيلم قدمه يوسف السباعي للسينما والمأخوذ عن روايته "أخلاق للبيع"، كما كتب أفلامًا خصيصًا للسينما مثل فيلم "جميلة" للفنانة ماجدة، وفيلم " الناصر صلاح الدين" للفنان أحمد مظهر وإخراج يوسف شاهين، ويعد أحد أبرز الإنتاجات السينمائية المصرية، أو كما وصفه الأديب الراحل بنفسه: "فيلم ضخم جدًا، يوازي الأفلام الأجنبية".

يوسف السباعي

إني راحلة

كانت قصة "إني راحلة" من أوائل القصص الاحترافية التي كتبها "السباعي" وتحولت لفيلم يحمل الاسم نفسه، بطولة الفنانة مديحة يسري وعماد حمدي، ويقول عن ذكرياته مع هذه القصة: "كتبتها في الإسكندرية بريشة وحبر وفجأة وقع الحبر على الورق والكل عاتبني كيف أكتب بريشة".

وسواء كتب يوسف السباعي مستخدمًا القلم أو ممسكًا الريشة، لم يكن يشرع في ذلك إلا بعد أن تتشكل القصة في ذهنه، إذ تبدأ بانفعال ثم تكبر وتتطور، وتكون قصة كاملة في ذهنه، الأمر الذي كشفه أثناء حديث سابق له قص خلاله حكاية "نادية" لإحسان عبد القدوس وبعد عامين كتبها.

يصل تأثر يوسف السباعي بما يكتبه لتفاعله مع الحكايات لدرجة أنه يشارك شخوص قصصه انفعالاتهم، إذ كان يضحك أثناء كتابته قصة "أم رتيبة" التي تحولت فيما بعد لفيلم يحمل الاسم نفسه بطولة ماري منيب وحسين رياض، ليقول عن ذلك:" أثناء كتابة قصة "أم رتيبة" تأثري بالقصة جعلني أشعر أنني أعيش في "هيصة" وسط الكثير من الأشخاص غير الموجودين من حولي، وكنت أضحك طوال فترة كتابتي للقصة، فالأديب يشعر بالقصة ويتأثر بها قبل المشاهد، وأثناء قصة "نادية" ابتعدت عن الكتابة لمدة أسبوعين وكنت أريد أن أبكي لتأثري بموت بطلة العمل".

لم يكن يتوقع يوسف السباعي أن تحقق أعماله هذه الشهرة الواسعة وتترجم لعدد من اللغات، وتحول لأعمال فنية بالسينما يشاهدها الملايين، لكن تبقى قصة "السقا مات" من أقرب القصص لقلبه لأن بها شعور الأب.