الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

غالية بنعلي: غنائي باللهجة المصرية يشعرني بالراحة (حوار)

  • مشاركة :
post-title
غالية بنعلي

القاهرة الإخبارية - نورا سمير

أحكي ثقافتنا للآخر باللغة العربية.. وأعلنت الاعتزال في لحظة غضب

وقع أغنية "بنت الريح" عليّ أصبح حزينا بعد رحيل مؤلفها

أشارك في حفل مرتقب سيتم توجيه العائد منه لضحايا زلزال سوريا

ثقافات مختلفة امتزجت في صوت المغنية التونسية غالية بنعلي صاحبة لقب "سفيرة الثقافة العربية"، لتشكّل نموذجًا خاصًا وفريدًا بدأ تكوينه الفني في التبلور عندما شجّعها والدها على الانتقال من تونس إلى بلجيكا لاستكمال دراسة الفنون التشكيلية، حيث قضت نصف عمرها في جنوب تونس، ثم عايشت ثقافات مختلفة في مناطق أخرى في العالم.

وعقب صدمة أولية لاختلاف الثقافة استطاعت غالية بنعلي أن تكمل دراستها وتتطلع على منهج وأسلوب مختلف في التفكير والتعاطي مع المتغيرات، لتزداد داخلها الرغبة في أن تبرز ثقافات المجتمع العربي من خلال التعبير بالغناء، إذ قالت في حوارها لـ"القاهرة الإخبارية": قررت أن أروي وأحكي عن ثقافات مختلفة من جميع الدول العربية، وأنقلها إلى الآخر باللغة العربية وليس بأي لغة أخرى.


وصفت المطربة التونسية حبها للفن بأنها "تتنفس الغناء"، قائلة: "كنت استمع يوميًا لأغانٍ من التراث العربي القديم، وأغانٍ مصرية عديدة، وذات مرة كنت أجلس وسط أصدقاء أجانب وبادروني بسؤال عن شكل ثقافتي وطريقة غنائنا العربية، فقررت أن أغني وأعبر بإحساسي ورأيت أنهم تأثروا كثيرًا بطريقتي في الغناء بل أحبوها رغم أنهم لا يستطيعون فهم اللغة العربية، واستطعت أن أنقل لهم بنبرة صوتي وتعبيرات وجهي وإحساسي في الغناء ومنهم من دمعت عيناه".

اختمرت الفكرة في رأس غالية بنعلي بعد أن وجدت تشجيعًا كبيرًا ممن حولها، لإقامة حفلات غنائية، إذ قالت: "بدأت من هنا أفهم أن الغناء يكمن في الإحساس، وتعرّفت في هذا الوقت على شخصيات كثيرة منهم عازف العود التونسي مفضل عظوم الذي كان في بلجيكا أيضًا، وتوطدت علاقتنا لنغني معًا ضمن إحدى حلقات الأصدقاء، لنتوسع بعد ذلك في العديد من البلدان العربية والعالمية".

ترى المغنية التونسية أن انتقالها إلى بلجيكا أثّر كثيرًا في اختياراتها الحياتية، مشيرة إلى أنها لم تكن لتسلك طريق الغناء لولا وجودها هناك، إضافة إلى أن الغربة ساهمت في تكوين شخصيتها القوية لأنها اختلطت بثقافات كثيرة ومختلفة.

كانت أولى حفلات "غالية بنعلي" في بلجيكا عام 1993 بحضور جمهور غفير، وقدمت خلاله أغاني مختلفة مع عازف العود "مفضل"، وأغنيات طربية من التراث القديم، قبل أن تذهب عام 1996 في جولة فنية إلى البرتغال لمدة أسبوع لإحياء حفلات بجامعة "كويمبرا" الشهيرة، أحد أكبر الأماكن التراثية التاريخية وأقدم جامعة في مجموعة الدول الناطقة باللغة البرتغالية، ونال الحفل إعجاب الكثير من الجمهور رغم أنهم لا يفهون اللغة العربية، وقالت عن هذا الحفل: "تعلمت أن أغني للعالم الذي لا يفهم اللغة العربية وأن أدمج الثقافات المختلفة بالفن من خلال طريقتي الخاصة".

يا مسافر وحدك

أثر الفن المصري متوغل بقوة داخل تكوين غالية بنعلي، إذ شكّل جزءًا كبيرًا من تفكيرها وطرح أسئلة على عقلها للحصول على إجابة ما، إذ قالت: "عندما كنت أشاهد الأفلام المصرية القديمة سألت نفسي: هل بالفعل كان يوجد رقص في الشارع مثلما نرى في أفلام الأبيض والأسود؟.. لأدرك وقتها أن الغناء جزء من الحياة وليس مجرد كلمات وألحان خاصة بالمسرح وفنونه فقط".

الأمر لا يتوقف عند هذا الأمر فقط، بل تقفز الأغاني المصرية إلى عقل "غالية" لتستدعيها في مواقف قد تبدو صعبة، إذ استدعت من ذاكرتها إحدى أغاني موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب الشهيرة بإحدى الحفلات قائلة: "في عام 2001 تلقيت دعوة للغناء في حفل ببلجيكا، ولم يكن لدينا إمكانية لتدبير عازفين أكثر، فقررت أن أذهب رفقة عازف العود دون إمكانيات وترتيب لنوعية الأغاني التي سأقدمها، وتذكرت أغنية كنت أسمعها منذ صغري يا مسافر وحدك".

وأضافت غالية بن علي: "كنت لا أتذكر كلمات الأغنية بشكل جيد، لكنني عرضتها على عازف العود الذي وافقني الرأي، وغنيت ما أتذكر من الأغنية دون تدريب عليها أو حفظ للكلمات، وخرجت الأغنية في النهاية بعدما قامت بتأديتها، بتوزيع وشكل مختلف أعجب الجمهور".

أما عن انتقالها من إحياء حفلات بالدول الأجنبية إلى الانتشار في البلدان العربية قالت: "اتخذت قراري بأن أصل للجمهور العربي بعد عام 2011، لأنني لاحظت أن تفكير الجمهور وتطلعهم تغير وظهرت أنماط ونوعيات جديدة من الأغاني، واكتشفت أيضًا أن لدي جمهور في مصر ولبنان يعرفني ويستمع إلى أغنياتي بل يرددوا "يا مسافر وحدك" و"لاموني اللي غاروا مني" بطريقتي".

فيلم قديم

ساهم المخرج المصري خالد الحجر في أن يكون حلقة وصل بين المغنية التونسية والجمهور المصري خصوصًا والعربي عامة، حسبما تؤكد في حوارها قائلة: "تعرّفت عليه في إسبانيا عام 2007، وكان لديه اهتمام بحضور مهرجانات سينمائية دولية، وعندما التقيته أخبرني بأنني أشبه أفلام التراث المصري القديم لأنني أقدم أغاني طربية، ويعشق هذا النوع من الغناء، إذ تمتلئ جدران منزله بصور لفناني الزمن الجميل، فقرر أن يأخذ أغنيات ليضمها في أفلامه ومسلسلاته، ففي فيلم "مفيش غير كده" بطولة نبيلة عبيد وضع أغنيتين لي في خلفية المشاهد، وأيضًا استعان بي للظهور والغناء في مسلسل "فرح ليلى" بطولة ليلى علوي عام 2013.

عاشقة لمصر

بدأت علاقتها بالجمهور المصري في العام 2008، حيث أول حفل لها داخل البلاد، ومنذ ذلك الحين شاركها الجمهور المصري العديد من تفاصيل حياتها، ما جعلها تشعر بأنها ليست غريبة عن المصريين، إذ قالت: "عشقت مصر منذ صغري عندما كنت أشاهد عائلتي وهي تستمع لأغاني أم كلثوم وعبد الحليم حافظ وغيرهما، وعندما تعاملت مع الشعب المصري زاد حبي لهم، ورغم أنني مقيمة في أوروبا لكنني أشعر بأنني من مصر، وأجد فيها كل ما ينقصني، وأشعر براحة كبيرة عند غنائي باللهجة المصرية".

قرار الاعتزال

ابتعدت غالية بنعلي عن مصر فترة كبيرة وقت جائحة كورونا، وركزت وقتها على مشاهدة الأفلام المصرية القديمة وسماع القصائد والأشعار الخاصة بصلاح جاهين وفؤاد حداد، وأعجبتها للغاية، وهو ما دفعها لإقامة مشروع غنائي بعنوان "فيلم مصري" بمعرفتها، حيث قامت بتصميم مجسم صغير على شكل مسرح في منزلها، تزين بكل ما يخص مصر من ملصقات دعائية للأفلام المصرية القديمة، ومجسمات لأماكن شهيرة مثل شارع قصر النيل ومجسم لشباك التذاكر القديم، حيث كانت تفتقد لتلك الحالة أثناء فترة حظر كورونا.

ورغم التألق والنجاح الجماهيري الذي تحققه غالية بنعلي راودها التفكير في الاعتزال ذات مرة، كاشفة: "من فرط حبي لأرض الكنانة قررت أن أغني ألبوم باللهجة العامية المصرية ولحنت 15 أغنية من ضمنها رباعيات صلاح جاهين، وتعرضت للانتقاد الكبير بسبب طول مدة الأغنيات، فالبعض لم يتحمل سماع أغان طويلة وللأسف لم يُسمع الألبوم من الأساس، لذا أعلنت في لحظة غضب مني الاعتزال، لكنني كنت أقصد الابتعاد عن أغاني السوق وعدم مقدرتي على مواكبة هذا العصر".

الغجرية بنت الريح

لا تستقر غالية بنعلي في مكان رغم أن جمهورها في كل بلد تذهب إليه يطالبها بأن تتخذ منه موطنًا لتحيي حفلات أكثر وتكون حاضرة بينهم، لكنها قالت عن ذلك: "كتبت منذ فترة بأحد حساباتي على مواقع التواصل الاجتماعي "أنا الغجرية بنت الريح ومعنى الرحيل بقائي"، لاعتذر لجمهوري عن عدم البقاء طويلًا في أي بلد، وأقول لهم بطريقتي أن رحيلي المستمر يعني بقائي، ثم أخذ صديقي الشاعر الراحل علاء الدين أغا الكلمات ليصيغ منها أغنية بعنوان "بنت الريح" خصوصًا أنه تفاعل مع كلماتها التي كانت تصفه أيضًا، لأنه كان كثير الترحال.

وبنبرة حزن تحدثت المغنية التونسية عن صديقها الذي توفي في نوفمبر الماضي قائلة: "مع وفاة علاء أصبح وقع الأغنية التي تتحدث عن الرحيل ثقيلًا على قلبي، لكنني أعود وأصبّر نفسي بأنها تجعلني أيضًا أشعر بأنه بجانبي".

ضحايا الزلزال

تصر غالية على اتباع نفس طريقة إلقائها للأغاني قائلة في تحدٍ: "لن أغير طريقتي في الغناء ولدي عدد كبير من الأعمال لم تظهر بعد، بأفكار جديدة، وأصدرت أخيرًا فيديو كليب بمناسبة عيد الحب باللهجة العامية المصرية بعنوان "هنخّيش" للشاعرة رنا صبرة، صوّرته في منزلي، وأظهر به أمارس هوايتي في الرسم والفن التشكيلي".

لدى المغنية التونسية في جدولها حفل غنائي تحييه يوم 24 فبراير الجاري مع عازف العود "مفضل"، وقالت إنها ستشارك حينها في حفل مرتقب ببرلين ينظمه شباب عربي، قرروا توجيه العائد منه إلى ضحايا الزلزال المدمر في سوريا، حيث سيكون هناك مشاركون من جنسيات مختلفة، مؤكدة تعاطفها الشديد وتأثرها بما شهدته سوريا أخيرًا والزلزال الذي راح ضحيته الكثيرون.

أما عن خططها إلى جانب الغناء فقالت غالية بنعلي، إنها تعاقدت مع دار للفنون، لإقامة معرض في القاهرة خلال الفترة المقبلة يضم لوحات تشكيلية خاصة بها، لرغبتها في التوفيق بين مشروعاتها الغنائية والفنون التشكيلية.