للعام العاشر على التوالي تستثمر دولة الإمارات في تطوير مسارات العمل الحكومي عبر منصة القمة العالمية للحكومات التي تحتضنها دبي، منذ انطلاقتها الأولى في 11 و12 فبراير عام 2013، تحت إشراف قيادة دولة الإمارات، بمشاركة قادة الدول والحكومات والوزراء المعنيين ومسؤولي المنظمات الإقليمية والدولية، وتشهد توقيع عدد من الاتفاقيات الثنائية.
القمة التي انطلقت أعمالها رسميًا في 13 فبراير الجاري، تبنت شعار استشراف مستقبل الحكومات وشهدت مشاركة 20 من قادة الدول والحكومات، أبرزهم الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، الذي حلت بلاده كضيف شرف النسخة الحالية.
زخم متزايد
يزداد زخم القمة العالمية للحكومات كمنصة رائدة لتطوير الإدارة الحكومية وتعزيز كفاءة الكوادر الإدارية، وهو ما يفسر المشاركة رفيعة المستوى بنحو 20 من قادة الدول والحكومات و280 وفدًا حكوميًا من 150 دولة و80 منظمة حكومية إقليمية ودولية، وما يزيد على 200 متحدث في 22 منتدى وأكثر من 300 جلسة، فضلًا عن عقد أكثر من 80 اتفاقية ثنائية واجتماعات رئيسية ضمن فعاليات القمة.
(*) المحاور: تهدف الدورة الحالية لاستشراف مستقبل العمل الحكومي ودعم مرونة الأجهزة التنفيذية على التكيف مع التحول الرقمي وابتكارات المستقبل، وتنقسم فعاليات القمة الحالية إلى 6 محاور رئيسية، هي؛ "تسريع التنمية والحوكمة، مستقبل المجتمعات والرعاية الصحية، استكشاف آفاق جديدة، حوكمة المرونة الاقتصادية والتواصل، تصميم واستدامة المدن العالمية، والتعليم والوظائف كأولويات الحكومة".
(*) الإصدارات: تشرف المؤسسة على العديد من الإصدارات الدورية والأدوات التفاعلية المنشورة على موقعها الإلكتروني بالتعاون مع كبريات شركات الاستشارات ومؤسسات البحث حول العالم، منها شركات ماكنزي ودويلت وبي دبليو سي، وتدعم تلك الإصدرات صناع القرار في معرفة درجة تنافسية مؤسساتهم. وتقدم هذه النسخة 20 تقريرًا استراتيجيًا على رأسها تقرير "الفرص المستقبلية: 50 فرصة عالمية لعام 2023"، الذي أصدرته مؤسسة دبي للمستقبل، كما تقدم القمة العالمية للحكومة مؤشر التنويع الاقتصادي العالمي للعام الثاني على التوالي، الذي يقيس درجة استدامة واستقرار معدلات النمو الاقتصادي وبالتبعية مرونة الاقتصادات الوطنية وقدرتها على مواجهة الأزمات والتحديات التي تنشأ في البيئة الدولية بأقل الأضرار على مسيرتها التنموية وقدرتها على توفير فرص عمل مستدامة لمواطنيها.
(*) جوائز: تقدم المؤسسة حوافز لتطوير العمل الحكومي على المستوى الدولي، إذ تقدم تلك النسخة 7 جوائز، تشمل "جائزة أفضل وزير في العالم"، و"جائزة التميز الحكومي"، و"جائزة ابتكارات الحكومات الخلاقة"، و"الجائزة العالمية لأفضل التطبيقات الحكومية"، و"الجائزة العالمية لفن عرض البيانات"، و"تحدي الجامعات العالمي لاستشراف حكومات المستقبل"، وجائزة "هي تربح".
(*) تبادل الخبرات الحكومية: تحولت القمة في عام 2016 من مجرد حدث دوري إلى مؤسسة تبادل للممارسات الإدارية والفنية وتشارك فيها الدول بتجاربها الخاصة. وفي هذا الإطار قدم الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي تجربة بلاده خلال السنوات الماضية، التي فرضت على القاهرة الحفاظ على وتيرة سريعة من المشروعات التنموية في مسارات متوازية، بجانب تنفيذ إصلاحات اقتصادية وإدارية مهمة. وكان من اللافت تقديم نماذج مصرية من القيادات الشابة في مواقع إدارية ضمن كوادر وخريجي الأكاديمية الوطنية للتدريب، مثل "نائب محافظ الإسكندرية د. جاكلين عازر، وعضوا مجلس النواب المصري د. خالد بدوي، ود. هادية حسني). وعلى هامش انعقاد القمة أعرب الرئيس المصري خلال لقائه رئيسة الوزراء التونسية نجلاء بودن، عن استعداده لنقل تجربة تنفيذ المشروعات التنموية والإصلاحات الاقتصادية إلى الجانب التونسي. وتجدر الإشارة إلى ما يجمع حكومة الدولة المضيفة للقمة "دولة الإمارات" وحكومة ضيف الشرف "جمهورية مصر العربية" من شراكة استراتيجية للتحديث الحكومي وتأهيل الكوادر والقيادات بالأجهزة الإدارية.
حوكمة المستقبل:
تتبنى القمة استشراف المستقبل، كهدف أساسي ومدخلًا حيويًا لتطوير العمل الحكومي، وتقديم التعاون بين الحكومات في دعم المرونة والاستجابة للتطورات التكنولوجية، باعتبارها فرصًا تنموية وليست مجرد تحديات وأعباء اقتصادية وأمنية واجتماعية محضة. ويمكن فهم إسهامات القمة وفعالياتها على النحو التالي:
(*) الاستثمار في المستقبل: تُولي دولة الإمارات اهتمامًا بتعزيز قدراتها في مجالات التقنية، وتحقيق الريادة في مجالات الصحة والغذاء، عبر استضافة الفعاليات والحوارات الدولية المعنية بالاستدامة والتنمية وتحسين جودة الحياة. وبرز الاهتمام الخاص باستشراف مستقبل التطبيقات والأصول المبتكرة وبحث طرق تنظيمها سياسيًا وتشريعيًا، إذ تُخصص الدورة الحالية منتدى لتكنولوجيا وسياسات المناخ بالتعاون مع المجلس الأطلسي، ومنتدى البيانات العالمي ومنتدى المرونة الحكومية، ومنتدى الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة. وتناولت فعاليات القمة للعام الحالي أبرز التوجهات المستقبلية في توسيع الاعتماد على الذكاء الاصطناعي والبيانات في مجالات الصحة والصناعة وتطوير العمل الإداري لدى الحكومات والقطاع الخاص، وتوفير وسائل الحماية من أعمال القرصنة الإلكترونية ومعالجة الثغرات في منظومات الأمن السيبراني.
(*) الحوكمة: على رأس القضايا الجديدة التي اهتمت بها القمة الحالية تأثير الميتافيرس على الأنشطة الحكومية وسياسات العمل في المستقبل القريب، والهدف الرئيس في اسكتشاف تلك البيئات الجديدة ليس فقط قياس درجة تأثيرها إنما حوكمتها وتطويعها لضمان التحول المرن للحكومات والمؤسسات الوطنية لمواكبة تلك التوجهات الواعدة. كانت إمارة دبي أول جهة حكومية في العالم تنشئ مقرًا تنظيميًا في العالم الافتراضي، ممثلة في سلطة دبي لتنظيم الأصول الافتراضية التي أسستها حكومة الإمارة في مارس 2022، للمساهمة في تعزيز تنافسية الإمارة ودعم مركزها المالي، وقدرتها على جذب كبار المستثمرين من شركات التقنية.
(*) مواجهة التحديات العالمية: منذ تحولها إلى مؤسسة فكرية تقوم على إنتاج المعرفة الموجهة لخدمة صناع القرار، أسهمت القمة في دعم الحوكمة الدولية للتحديات القائمة والمحتملة التي يواجهها العالم في السنوات العشر الماضية وعلى رأسها تفشي جائحة كوفيد-19، التي تنبأت بها منظمة الصحة العالمية وحذرت العالم من تداعياتها البشرية الهائلة، على منصة الدورة السابعة للقمة في 2018، أي قبل أقل من عامين على بداية التفشي الواسع للوباء حول العالمي. ومع التراجع النسبي لتهديد الجائحة لصالح مخاطر تغير المناخ تبدوا أهمية القمة أكثر من أي وقت مضى في الاستماع إلى قادة وخبراء العالم حول قضايا تحقيق الاستدامة وتخفيف الانبعاثات ومواجهة الكوارث، وهو ما أكده أنطونيو جوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، خلال مشاركته افتراضيًا في القمة، الأربعاء 15 فبراير 2023. ومن الجدير بالذكر استضافة دولة الإمارات للنسخة المقبلة لقمة المناخ كوب 28، نوفمبر المقبل، التي تستهدف البناء على مكتسبات الرئاسة المصرية لقمة المناخ كوب 27، التي انعقدت في مدينة شرم الشيخ.
وإجمالًا؛ تمثل القمة العالمية للحكومات أهم آلية دولية معنية بتطوير العمل الحكومي على أصعدة مختلفة، بهدف رئيسي وهو استكشاف حكومات المستقبل ودعم قدراتها في التنبؤ بالتحديات على المستويين الوطني والدولي وطرح الرؤى لمواجهتها، لتعكس ما تحولت إليه القمة من منصة لتبادل الرؤى والأفكار بين الخبرات وصناع القرار، إلى مؤسسة فكرية كبرى معنية باستشراف المستقبل وقادرة على تقديم خبراتها إلى كل دول العالم، كما تدعم توجهات حكومة دولة الإمارات في قيادة مؤشرات الابتكار والتنمية المستدامة العالمية.