بين التمثيل والتأليف والإخراج والإنتاج، برزت موهبة الفنان المصري حسين صدقي الذي تمر اليوم ذكرى رحيله، إذ كان يؤمن بأن تقديم قضايا المجتمع والتعبير عن القيم الإيجابية هي رسالة الفن، فسعى جاهدًا لتناول أفكاره في أعماله متنقلًا في التعبير عنها بين التمثيل والإخراج والإنتاج والكتابة أيضًا.
في منتصف القرن العشرين أنتجت السينما المصرية أفلامًا تحمل حبكة درامية ورسالة هادفة بعيدة عن الإسفاف ليكون حسين صدقي رائدًا للسينما النظيفة في هذا الوقت، واضعًا معايير واضحة والسير بخطوات متزنة نحو هدفه الذي انتهجه في حياته، إذ كان يرى أن الفن أداة قوية في دعم الإيجابيات وتغيير السلوكيات الخاطئة، ونافذة يمكن العبور منها للآخر، إذ كان يريد تقديم أفلامًا تخاطب العالم ساعيًا لترجمة الأفلام وتقديمها بعدد من اللغات، إذ كان يعتبرها وسيلة لتوصيل قضايانا، وعن ذلك يقول: "علينا أن نقدم أفلامًا نعتز بها وصناعة سينمائية نظيفة نصدّرها للأجانب كما يصدّرون إلينا أفلامهم".
ولد حسين صدقي في حي الحلمية الجديدة عام 1917، إذ عانى اليُتم منذ صغره بعد أن توفي والده في عمر مبكر قبل أن يتجاوز 5 سنوات من عمره، وساهمت والدته في تشكيل شخصيته منذ الصغر، مع حرصها على تواجده بالقرب من حلقات الذكر وتعليمه القيم الدينية الصحيحة، ليخرج محاولًا تقديم ما تعلمه في صغره على مجال الفن الذي أحبه، وكان يعتبره رسالة.
وقال نجل الفنان الراحل في لقاء تلفزيوني له: "كان والدي يتمتع بالجدية وفي الوقت نفسه لديه روح فكاهية مرحة، وكان ينشغل عنا في بعض الأحيان بسبب أعماله الفنية، لكنه كان حريصًا على تربيتنا ونشأتنا على القيم الدينية حتى إنني تعلمت على يد صديقه شيخ الأزهر محمود شلتوت، كما تأثرت بشخصيته الجادة".
وأضاف: كان فيلم "سهم الله" آخر الأفلام التي قدمها والدي حسين صدقي كمخرج ومنتج ولكنه لم يمثل فيه، وتوفي قبل أن يراه، وقدّم من قبلها فيلم "خالد بن الوليد" وهو من أضخم الأفلام التاريخية الدينية، وفي نهاية حياته أوصى والدتي بحرق عدد من أفلامه باستثناء "خالد بن الوليد" و"المصري أفندي" وأخرى.
تأثر حسين صدقي بما رآه من زملائه جورج أبيض وعزيز عيد ليشارك معهما في العمل بالمسرح، كما عمل بالسينما في منتصف الثلاثينيات، بدأها بفيلم "تيتاوونج" عام 1937، الذي يمثل أول ظهور له على الشاشة الكبيرة.
كان حسين صدقي يؤمن أن الإنتاج بوابته لتطبيق أفكاره، فبعد 5 سنوات من فيلمه الأول أسس شركة إنتاج حملت اسم "أفلام مصر الحديثة" عام 1942، قدّم من خلالها أعمال ذات رسالة هادفة انحاز فيها لتعزيز القيم في المجتمع ومناصرة الضعيف ومناقشة الموضوعات الاجتماعية، وكان أولى إنتاجاتها فيلم "العامل" ثم تبعها بعدد كبير من الأفلام التي تصدر بطولتها، إذ وصل رصيده الفني لنحو 32 فيلمًا، مثل "أنا العدالة، الشيخ حسن، والأبرياء"، الذي ناقش مشكلة أطفال الشوارع.
قدّم حسين صدقي مع ليلى مراد عددًا من الأفلام مثل "ليلى في الظلام، شاطئ الغرام، والحبيب المجهول"، الذي يعتبر آخر أفلامها.
ساهمت أفكار حسين صدقي ومبادئه التي يحاول ترسيخها بالوسط الفني في تلقيبه بعدد من الألقاب مثل "الشيخ حسين" و"خلوق السينما المصرية"، خاصة أنه كان يحاول خدمة من حوله بكل الطرق، وهو ما دفعه لأن يكون عضوًا بالبرلمان.
قدّم حسين صدقي فيلمًا تاريخيًا حمل اسم "خالد بن الوليد"، وكان هو الفيلم الوحيد الذي أوصى بأن يظل في سيرته الذاتية، ليرحل في مثل هذا اليوم 16 فبراير عام 1976، لكن تظل أفلامه التي تحمل قضايا اجتماعية معبرة عن نظرته التي كان يرى بها الحياة.