الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

تحديات قائمة.. ما الذي تحقق بعد عام من التحالف الروسي الصيني؟

  • مشاركة :
post-title
الرئيسان الصيني والروسي - أرشيفية

القاهرة الإخبارية - د. مبارك أحمد

على خلفية زيارة ما تشاو تشو، نائب وزير الخارجية الصيني، إلى موسكو، في الفترة من 2 إلى 3 فبراير 2023، ولقاء وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف ونائبيه أندريه رودنكو وسيرجي فيرشينين، أعلنت وزارة الخارجية الصينية أن الثقة السياسية المتبادلة مع روسيا زادت بعد تلك الزيارة، وأن بكين مستعدة للعمل مع روسيا، لتنفيذ شراكاتهما الاستراتيجية، وتشجيع المزيد من التقدم في علاقاتهما، فيما أكد وزير الخارجية الروسي أن علاقات موسكو مع الصين ليست لها حدود، ورغم أنها ليست تحالفًا عسكريًا رسميًا، إلا أنها ذات طبيعة أعلى وأوسع نطاقًا.

عام على إعلان الشراكة الاستراتيجية:

جاءت زيارة نائب وزير الخارجية الصيني إلى موسكو، بعد مرور عام على القمة التي عقدت بين الرئيسين الصيني شي جي بينج والروسي فلاديمير بوتين، 4 فبراير 2022، وإعلان الشراكة الاستراتيجية بين البلدين على خلفية المشاركة في انطلاق الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين، وهي الدورة التي قاطعها قادة عدد من الدول الغربية في مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا وكندا وأستراليا واليابان، احتجاجًا على سجل الصين في مجال حقوق الإنسان.

وصدر بيان عن قمة شي وبوتين، معتبرًا أن إعلان الشراكة الصينية الروسية يمثل بداية حقبة جديدة في العلاقات الدولية، وأن علاقات بكين وموسكو تفوق أي تحالف سياسي أو عسكري في زمن الحرب البادرة، وأن الشراكة بين الدولتين ليست لها حدود، وتشتمل على عدة جبهات من بينها الطاقة، الفضاء، تغير المناخ والذكاء الاصطناعي، والتحكم في الإنترنت. كما عبر البيان عن قلق الدولتين من خطط واشنطن لتطوير نظام الدفاع الصاروخي العالمي، ونشر صواريخ متوسطة وقصيرة المدى في منطقة آسيا والمحيط الهادئ وأوروبا، داعيًا كل القوى النووية إلى التخلي عن عقلية الحرب الباردة، وتقليص الاعتماد على ترسانتها النووية في سياساتها الأمنية، وسحب جميع أسلحتها النووية المنتشرة خارج حدودها. وإجمالًا يعتبر البيان محطة فارقة، في وضع ركائز الشراكة بين روسيا والصين وعزمهما العمل معًا ضد الهيمنة الأمريكية، والسعي لبناء نظام دولي جديد يقوم على أساس رؤيتهما الخاصة لحقوق الإنسان والديمقراطية ومنظومة القيم العالمية التي تشكل الإطار الداعم للنظام الدولي متعدد الأقطاب.

أهداف الشراكة الاستراتيجية:

تتنوع أهداف الشراكة الاستراتيجية بين موسكو وبكين، التي وضع ركائزها الرئيسان الصيني شي جين بينج والروسي فلاديمير بوتين، ويمكن الإشارة إلى أهمها في التالي:

(*) الحد من الهيمنة الأمريكية: تسعى كل من الصين وروسيا للحد من الهيمنة الأمريكية، فخلال القمة التي عقدها الرئيسان الصيني شي جين بينج والروسي فلاديمير بوتين عبر الفيديوكونفرانس، نهاية ديسمبر 2022، عبر بوتين عن رغبته في تعزيز التعاون العسكري بين روسيا والصين، معتبرًا أن العلاقات بينهما هي الأفضل في التاريخ، وتصمد أمام جميع الاختبارات، كما أنها نموذج لعلاقات القوة في القرن الحادي والعشرين. فيما أعرب الرئيس الصيني عن استعداد بلاده لتطوير التعاون الاستراتيجي مع موسكو والعمل معًا ضد الهيمنة والأحادية.

(*) إرساء نظام دولي متعدد الأقطاب: أعلن الرئيس الروسي خلال لقائه الرئيس الصيني شي على هامش قمة دول منظمة شنجهاي للتعاون، في مدينة سمرقند بأوزبكستان، منتصف سبتمبر 2022، بأن التوافق بين موسكو وبكين يلعب دورًا رئيسيًا في ضمان الاستقرار العالمي والإقليمي، معتبرًا أن البلدين يدافعان بشكل مشترك عن تشكيل عالمي عادل وديمقراطي ومتعدد الأقطاب على أساس القانون الدولي والدور المركزي للأمم المتحدة، وليس على بعض القواعد التي توصل إليها، يحاول فرضها على الآخرين دون توضيح ماهيتها. مشيرًا إلى أن محاولات إنشاء عالم أحادي القطبية اتخذت مؤخرًا شكلًا غير مقبول على الإطلاق بالنسبة للغالبية العظمى من الدول على هذا الكوكب، فيما قال الرئيس الصيني إننا على استعداد مع زملائنا الروس لنضرب مثالاً لقوة عالمية مسؤولة قادرة أن تلعب دورًا رائدًا، لإحداث تغيير سريع في العالم من أجل إعادته إلى مسار التنمية المستدامة والإيجابية.

(*) حماية مناطق النفوذ: تسعى الصين وروسيا عبر الشراكة الاستراتيجية بينهما إلى حماية مناطق نفوذهما من التهديدات الغربية والأمريكية تحديدًا، فالحرب الروسية الأوكرانية يعتبرها بوتين دفاعًا عن أمن روسيا القومي وحماية تخومها من خلال رفض تمدد حلف الناتو إلى تلك المناطق، وربما يمثل أحد الأهداف الرئيسية للعملية العسكرية ارتباطه بهذا الهدف الاستراتيجي ومنع أوكرانيا من الانضمام لحلف الناتو الذي يشكل تهديدًا للأمن القومي الروسي. أما الصين فتنطلق من فكرة الصعود المتأني للوصول إلى قمة النظام الدولي من خلال خلق شراكات اقتصادية ومناطق نفوذ، عبر مبادرة الحزام والطريق، حتى لا تصطدم بالقوة الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، لارتفاع تكلفة الصدام بين القوتين وهو ما أدى إلى تزايد وتيرة الحرب التجارية بين الجانبين، لذلك ترفض الصين سعي الولايات المتحدة للهيمنة على تفاعلات منطقة المحيطين الهندي والهادي، واستنكارها للتحالفات الجديدة الرامية لتطويق النفوذ الصيني في تلك المنطقة الحيوية، أبرزها تحالف أوكوس بين الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا، وإعادة تفعيل التحالف الأمني الرباعي "كواد" بين الولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا والهند واليابان.

استقبال الرئيس الصيني لنائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي ميدفيديف في ديسمبر 2022

(*) تغيير منظومة القيم العالمية: خلال مشاركته في منتدى حواري حمل عنوان "أفكار قوية للعصر الجديد"، 20 يوليو 2022، اعتبر الرئيس الروسي أن النموذج الغربي في إدارة العالم قام على نهب ثروات الشعوب، وفشل في تقديم بدائل للنظام العالمي، وأن المواجهة القائمة حاليًا مع الغرب ليست مرتبطة فقط بالوضع حول أوكرانيا، وإنما هي صراع بين نموذجين لإدارة العالم، معربًا عن قناعته بأن العالم يقف على أبواب مرحلة جديدة في تاريخه، وأن الدول صاحبة السيادة الحقيقية ستبلور ملامحها وتضع معاييرها، ونوعية الحياة وحماية القيم التقليدية والمثل الإنسانية العليا، ونماذج التنمية التي لا يتحول فيها الإنسان إلى وسيلة، بل يصبح الهدف الأعلى، مؤكدًا أن بلاده تلعب دورًا أساسيًا في التغيرات التي يشهدها العالم، لا رجعة في هذه التغييرات الهائلة، وعلى الصعيدين الوطني والعالمي يتم تطوير أسس ومبادئ نظام عالمي متناغم وأكثر إنصافًا وبتوجيه اجتماعي آمن، بديلاً للنظام الحالي أو النظام العالمي أحادي القطب الذي ظل قائمًا حتى الآن، الذي بات بطبيعته عائقًا أمام تطور الحضارة.

حدود التحالف:

برغم الإعلان عن تنفيذ الشراكة الاستراتيجية بين الصين وروسيا، بعد مرور عام على إعلانها، إلا أن ما تحقق على أرض الواقع لا يزال يواجه العديد من التحديات التي كان لها تأثيرها على حدود التحالف الاستراتيجي بين البلدين، ويتمثل أهم تلك التحديات في التالي:

أولها؛ أن ميزان القوى الحالي لا يزال لصالح المنظومة الغربية: التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية برغم تنامي الحديث عن أفول الهيمنة الأمريكية سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا، لا سيما وأن القدرات الشاملة للمنظومة الغربية لا زالت تتفوق على القدرات الشاملة للقوى المناوئة للهيمنة الأمريكية، فالولايات المتحدة الأمريكية تمتلك أكبر اقتصاد في العالم حتى الآن، يقدر بـ23 تريليون دولار من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2022، وفقًا لبيانات البنك الدولي. في حين أن الصين لديها ثاني أكبر اقتصاد في العالم بناتج محلي إجمالي يقدر بـ18 تريليون دولار. أما الإنفاق العسكري الأمريكي، فوفقًا لموقع جلوبال فاير باور، بلغ 770 مليار دولار كأكبر إنفاق على مستوى العالم، وارتفعت إجمالي مخصصات الإنفاق الدفاعي الأمريكي للعام الجاري إلى مستوى قياسي يبلغ 858 مليار دولار، في حين جاءت الصين في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة الأمريكية، إذ خصصت 250 مليار دولار لإنفاقها العسكري في ميزانية عام 2022. هذا الخلل في توازن القوى لصالح المنظومة الغربية وحلفائها عبر عنه مايك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكي السابق، في كتابه الصادر في يناير 2023 والمعنون بـ"لا تنازل عن شبر في القتال لأجل أمريكا التي أحبها. Never Give An Inch: Fighting for the America I Love"، بأن الكتلة المضادة للصين المكونة من الولايات المتحدة الأمريكية والهند واليابان وأستراليا وكوريا الجنوبية والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي سيكون لها وزن اقتصادي لا يقل عن ثلاثة أضعاف وزن الصين.

وثانيها؛ أن الشراكة الاستراتيجية بين الصين وروسيا ما زالت تواجه نوعًا من التمايز في رؤية القوتين (الصينية والروسية) لدورهما العالمي، وحدود انخراطهما في الصراعات المتفجرة، فالصين لا تزال حذرة في التعاطي مع الأزمات الدولية، وعدم الانخراط في تفاعلاتها على أرض الواقع. وهو الأمر الذي كشف عنه سلوك الصين التصويتي خلال اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، في مارس 2022، لإدانة "العملية العسكرية الروسية" بأوكرانيا، وامتناعها عن التصويت، فضلًا عن غياب أي من المبادرات الصينية الرامية للتوسط لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية برغم المطالب الغربية بذلك خلال قمة العشرين التي عقدت في مدينة بالي الإندونيسية، نوفمبر 2022.

وثالثها؛ استمرار تحديات قيادة النظام الدولي، إذ ما زال النظام الدولي يواجه العديد من التحديات، يتمثل أهمها في الكوارث الطبيعية مثل التغيرات المناخية الحادة، والزلازل والأوبئة وما تحدثه من خسائر بشرية واقتصادية هائلة، والركود الاقتصادي العالمي وتداعياته شديدة الوطأة على كل الاقتصادات. وهي تلك التحديات التي تتطلب من القوى الدولية إعلاء مبدأ التعاون على الصراع، لا سيما وأن المصير البشري مشترك، وأن التحديات القائمة لا تفرق بين الدول وحدودها الجغرافية، خاصة وأن الصراعات القائمة عكست إخفاقًا لنظريتي التوازن الدولي والاعتماد المتبادل في منع تفجر الصراعات.

مجمل القول؛ إن الشراكة الاستراتيجية بين الصين وروسيا بعد مرور عام على إعلانها والرغبة الصينية في تنفيذها على أرض الواقع لتزايد الثقة السياسية بين القوتين، ما زالت تتطلب مزيدًا من التعاون الاستراتيجي بين الجانبين، لتنفيذ توجهات البلدين في التغيير اللازم بقمة النظام الدولي، للتحول من نظام القطب الواحد إلى النظام متعدد الأقطاب بآليات وقواعد ومحركات دولية وقيم عالمية جديدة، وحتى يتحقق ذلك سيظل النظام القديم قائمًا بنفس آلياته وقيمه حتى يتمكن الجديد من إزاحته وفرض قواعده ومنظومته التي ربما ستكون تكلفتها ليست باليسيرة.