حولت رحلة روحانية إلى شهادة على الجغرافيا والذاكرة
يوثق الفيلم الوثائقي "فلسطيني على الطريق" الألم الفلسطيني بلغة سينمائية هادئة ومكثفة، ويقدِّم شهادة حية على أن الطريق في فلسطين ليس مجرد مسار جغرافي، بل ذاكرة ممتدة وحكاية شعب يواصل السير رغم كل العوائق.
حصد الفيلم الوثائقي "فلسطيني على الطريق" جائزة "المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب" مناصفة، ضمن فعاليات الدورة السادسة عشرة من مهرجان "كرامة.. سينما الإنسان" بالأردن، ليؤكد حضوره كعمل إنساني يوثق الألم الفلسطيني ويعيد طرح أسئلة الهوية والحق والذاكرة.
بدأت بالفقد وانتهت بالكشف
في حواره مع موقع "القاهرة الإخبارية"، كشف مخرج الفيلم إسماعيل الهباش أن فكرة العمل وُلِدت من رحم تجربة شخصية قاسية، عقب فقدانه زوجته "سلام" بعد صراع مع المرض.
يقول "الهباش" إن رحيلها ترك فراغًا هائلًا في حياته، ودفعه إلى البحث عن رحلة روحية قادرة على انتشاله من قسوة الواقع الذي عاشه، خاصة في ظل منعه كمواطن فلسطيني من التنقل بين المدن داخل وطنه.
أضاف أنه بعد وفاة زوجته حصل على تصريح للتنقل، ليبدأ التفكير في رحلة تحمل بُعدًا إنسانيًا وروحانيًا، فقرأ عن طريق السيد المسيح، وشعر بحاجة عميقة للسير في هذا المسار الذي يمتد من شمال فلسطين نحو وسطها، مارًا بالمدن والقرى والمخيمات الفلسطينية، في رحلة جسدية وروحية في آن واحد.
مقاومة الطمس
لا يكتفي الفيلم بسرد تجربة ذاتية، بل يتحول إلى وثيقة بصرية تؤكد على الجغرافيا الفلسطينية والتاريخ الحي للأرض.
ويشير "الهباش" إلى أن الفيلم يعيد التأكيد على أن فلسطين التي عرفها الأجداد، بثقافتها ونمط حياتها وزراعتها، لا تزال حاضرة رغم محاولات التمزيق وتشريد الشعب الفلسطيني.
يضيف أن العمل يؤكد على حق الفلسطينيين في العودة إلى مدنهم وقراهم، مؤكدًا أن التغيرات القسرية التي طالت المكان لم تنجح في محو هويته أو اقتلاع ذاكرته من وجدان أهله.
صعوبات التصوير
عن صعوبات التصوير، أوضح الهباش أن العمل في فلسطين يفرض تحديات استثنائية تختلف عن أي مكان آخر، بسبب الحواجز التي تفصل بين المدن وتقطع أوصال الجغرافيا، ما يعوق حركة الطواقم ويجبر صناع الفيلم على إعادة جدولة التصوير وتأجيل العديد من المشاهد.
وأضاف أن بعض الزيارات والمقابلات كانت تتطلب ترتيبات معقدة، إلى جانب انسحاب فرق أجنبية مشاركة في العمل نتيجة مخاوف سفاراتها خلال فترات التوتر، وهو ما كان يستدعي اللجوء إلى خطط بديلة للحفاظ على استمرارية المشروع.
زوجة غائبة
يحمل الفيلم بُعدًا إنسانيًا مؤثرًا، إذ يستحضر الهباش روح زوجته الراحلة خلال الرحلة، مخاطبًا إياها وكأنها ترافقه في الطريق، ويحاول الوصول إلى بيت أهلها في القدس المحتلة، ليكتشف أن البيت لم يعد موجودًا، وأن العائلة تفرقت، فيما تغيرت ملامح المكان بالكامل.