تشهد الساحة السياسية الأمريكية أخطاء متكررة لا يتعلم صناع القرار منها، فبعد أن خسر الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن ثقة الكثيرين بسبب تجاهله أزمة غلاء المعيشة، يجد الرئيس الحالي دونالد ترامب نفسه اليوم عالقًا في الاتجاه ذاته، إذ سلطت مجلة أتلانتيك الأمريكية الضوء على إعادة ترامب تدوير خطاب رفض الاعتراف بالضغوط الاقتصادية التي تطحن الأسر العاملة في الولايات المتحدة.
تكرار الخطاب
استغلت حملة ترامب عجز بايدن خلال صيف 2023 عن قراءة الشعور الشعبي تجاه ارتفاع الأسعار، بعدما روَّج الرئيس السابق بأن سياساته أنقذت الاقتصاد والعمال الأمريكيين من قاع الجائحة إلى الازدهار، رغم أن الأمريكيين لم يشاركوه هذا التفاؤل.
ورغم نجاحات بايدن في خلق أكثر من 13 مليون وظيفة ودفع النمو إلى مستويات ثابتة، إلا أن الارتفاع الحاد في الأسعار عقب الجائحة، والذي تفاقم بسبب التحفيز الضخم خلال أزمة كوفيد، جعل الأمريكيين يعيشون ضغوطًا يومية، مع ارتفاع أسعار السلع بنسبة وصلت إلى 21% في نهاية عهده.
وعندما حاول بايدن التركيز على التباطؤ النسبي للتضخم، بدا وكأنه يتجاهل الألم الذي يعيشه المواطنون، وفي الوقت ذاته، ظل يعرض أرقامًا حول موقع الولايات المتحدة بين دول مجموعة السبع، إلا أن تلك البيانات لم تُقنع جمهورًا يواجه تكاليف متزايدة، وقد جعل هذا الإصرار وضعه السياسي أكثر هشاشة، وفق "أتلانتيك ".
وعود ترامب
وفي حملته الانتخابية 2023، ركَّز ترامب على توجيه انتقادات لاذعة لسجل بايدن، مقدِّمًا نفسه بصفته الأكثر قدرة على تخفيف عبء التضخم على الطبقات العاملة. وفي تجمع انتخابي عام 2024، وعد ترامب بتخفيض الأسعار سريعًا، مستغلًا إحباط الناخبين من النتيجة الاقتصادية لسنوات بايدن الأخيرة.
إلا أن وعوده لم تتحقق لاحقًا، إذ بقي التضخم على المستوى ذاته منذ توليه المنصب، بينما أدت سياساته التجارية الأوسع، ومن بينها فرض أكبر رسوم جمركية منذ الكساد الكبير، إلى زيادة التكلفة على المستهلكين.
ومع تباطؤ نمو الوظائف وتراجع تقييمات الأمريكيين لنتائج سياساته، باتت استطلاعات الرأي تعكس ذات الاستياء الذي واجهه بايدن، خصوصًا بعد المكاسب التي حققها الديمقراطيون في انتخابات الولايات والمحليات.
إنكار اقتصادي
بعد الانتخابات المحلية الأخيرة، حاول ترامب معالجة قضية القدرة على تحمل التكاليف لكنه عاد إلى نهجه ذاته، بالإنكار والتفاخر، وطلب من الجمهوريين في منشور على مواقع التواصل الاجتماعي وصفه بـ"رئيس القدرة على تحمل التكاليف"، فيما استمر في بث مديح لسجله الاقتصادي، مقدِّمًا إياه بوصفه "معجزة اقتصادية".
وفي الوقت نفسه، ألقى باللوم على بايدن في الأوضاع الحالية رغم خروجه من المنصب منذ نحو عام، وظهرت هشاشة هذا الخطاب مع بروز فوز مفاجئ للمرشحة الديمقراطية أفتين بيهن في ولاية تينيسي، بعدما جعلت التضخم وتكلفة الرعاية الصحية محور حملتها.
وأثار ذلك قلقًا لدى الجمهوريين، باعتباره مؤشرًا جديدًا على قوة تأثير أزمة غلاء المعيشة في خيارات الناخبين، وفي خضم هذا، بدا ترامب في حالة توتر خلال فعالية رسمية عندما سأله الصحفيون عن تأثير أزمة التكاليف، فوصفها بأنها "خدعة ديمقراطية" و"عملية نصب".
تكرار أخطاء بايدن
وبحسب المجلة الأمريكية، تحولت تصريحات ترامب إلى رمز لأسلوب سياسي يكرر أخطاء بايدن نفسه، إذ بدا وكأنه ينكر واقعًا يعيشه الناس يوميًا، خاصة مع الانتقادات التي طالت أولوياته، مثل اهتمامه بقاعة رقص فخمة جديدة في البيت الأبيض.
ومع اقتراب انتخابات التجديد النصفي، يدرك ترامب أن صورته الاقتصادية ستؤثر بشكل مباشر في مستقبل حزبه داخل الكونجرس، فهو لن يكون على ورقة الاقتراع، لكنه يقاتل للحفاظ على حضور سياسي قوي داخل مؤسسة يتوقع منها أن تظل موالية.
ومع ذلك، فإن استمرار تجاهل ترامب حقيقة ارتفاع التكاليف، ومطالبته المواطنين بتصديق روايته بدلًا من واقعهم اليومي، يجعله أقرب إلى تكرار مصير بايدن السياسي، وبذلك، يجد ترامب نفسه أمام معضلة سبق أن أطاحت بخصمه.