في سنوات تتغير فيها ملامح المجتمع الأمريكي، بقيت اللحية داخل المؤسسة العسكرية ساحة صراعٍ غير متوقعة، فعلى امتداد عقد من النقاشات والسياسات، تحولت شعيرات الوجه إلى رمز يتجاوز حدود المظهر، ليمس الذاكرة والهوية والانضباط ومعايير القوة، إذ يرى وزير الدفاع الأمريكي بيت هيجسيث أن اللحية تهديد لروح المحارب، بحسب مجلة "ذي أتلانتيك" الأمريكية.
انتهاء "عصر اللحى"
خلال زيارة هيجسيث لآسيا، أصدرت القوات الجوية الأمريكية توجيهًا غريبًا بمنع ظهور أي جندي ملتحٍ أمامه، في إشارة إلى أن شعر الوجه بات جزءًا من تصور الوزير للجاهزية والانضباط، وفي اجتماع عالمي لقادة الجيش، أعلن انتهاء "عصر اللحى".
ولسنوات، كانت "ملفات تعريف الحلاقة" من أكثر القضايا إثارة للمشاعر في البنتاجون، فمنذ 2015، ومع قرار وزير الدفاع الأمريكي أشتون كارتر فتح الوظائف القتالية أمام النساء، ظهرت مقاومة داخل الجيش لمسألة الإعفاءات الدينية لشعر الوجه الخاصة بالسيخ واليهود والمسلمين.
وعام 2014، رفع طالب سيخي دعوى قضائية منحت زخمًا قانونيًا بعدما حكمت محكمة لصالحه، مشيرة إلى وجود أكثر من 100 ألف استثناء سابق، معظمها بسبب حالة طبية تصيب الرجال السود، وأخرى مرتبطة بمهام القوات الخاصة في العراق وأفغانستان.
اختبارات ومعايير
واجهت قيادة الجيش اعتراضات حادة بحجة التهديد والانضباط وصعوبة تثبيت أقنعة الغاز، لكن المحاكم لاحظت غياب أدلة على خلل في تماسك الوحدات أو فشل في تثبيت الأقنعة، ولحسم الجدل، أمر وزير الجيش إريك فانينج عام 2016 بإجراء اختبارات واسعة أثبتت قدرة أصحاب اللحى المشذبة على تحقيق الإحكام المطلوب.
مع نهاية إدارة أوباما، أقرَّت مذكرة لتسهيلات دائمة للأغراض الدينية، وهو اتجاه عززته دراسات لاحقة، منها دراسة البحرية عام 2018 التي أكدت أن 98% من أصحاب اللحى القصيرة يحققون نتائج مماثلة لغير الملتحين، وتبعت القوات الجوية والبحرية هذا التوجه تدريجيًا، فيما اضطر سلاح مشاة البحرية لاعتماد تسهيلات عام 2024 بعد فشل طعنه أمام المحكمة العليا.
وحسب "ذي أتلانتيك"، شهد عام 2022 امتلاء منصات التواصل العسكري بالسخرية من أصحاب اللحى مقابل مطالبات بمواكبة ثقافة شعبية تغيرت فيها صورة "المظهر العسكري"، حتى إن القادة أدركوا أن اللحية رغم قانونيتها قد تؤثر على المسار الوظيفي. وكاد الكونجرس عام 2024 يلزم القوات الجوية ببرنامج تجريبي يسمح باللحى قبل أن يُلغى البند النهائي.
وأعاد هذا الجدل، وفق المجلة، إلى الواجهة إرث حرب فيتنام -حيث نشأ معظم جنرالات الأربعة نجوم في سبعينيات القرن الماضي- وألقى بظلال الاحتجاجات ونقاشات الانضباط التي ربطت فشل الجيش في فيتنام بتراجع المعايير، ما جعلهم يرون الانضباط والمظهر وجهين لعملة واحدة.
سياسة هيجسيث
وأعاد هيجسيث إنتاج هذا الإرث عبر خطاب يربط الصلابة بالمظهر، ففي كوانتيكو، أعلن سياسة تنهي الإعفاءات الطبية خلال عام، وتمنع أصحاب الإعفاءات الدينية من الانتشار، ما يعني إنهاء مسيرتهم، وبرّر ذلك بتحسين البقاء والكفاءة، رغم أن عقدًا من الدراسات أثبت العكس.
وكشف تصريحه "إذا أردتم لحية فانضموا للقوات الخاصة" مفارقته الأساسية، الذي يمنح استثناءات حين تخدم صورته عن "المحارب"، وحرمان أصحاب الاحتياجات الدينية أو الطبية.
ورغم أهمية توحيد المعايير في المؤسسة العسكرية، فإن سياسة الإعفاءات أصبحت مطبقة بشكل غير متسق داخل القوات، ما جعل مسألة شعر الوجه مرآة لجدل أكبر حول مستقبل الانضباط والهوية داخل الجيش الأمريكي.