تشهد صفوف الجيش الأمريكي حالة من القلق المتزايد بشأن تلقي أوامر عسكرية قد تكون غير قانونية، بعد كشف تقارير صحفية عن أمر وزير الحرب بيت هيجسيث، بتنفيذ ضربة ثانية استهدفت قاربًا في البحر الكاريبي، ما أسفر عن مقتل ناجين من الضربة الأولى، في عملية وصفها مسؤولون سابقون بأنها قد تشكل "جريمة حرب".
موجة استشارات قانونية
كشفت صحيفة "ذا هيل" الأمريكية عن ارتفاع حاد في عدد الاستشارات القانونية التي يطلبها أفراد الجيش من برنامج متخصص يقدم المشورة القانونية المجانية للعسكريين حول الأوامر العسكرية.
وأكد فرانك روزنبلات، رئيس المعهد الوطني للعدالة العسكرية الذي يدير البرنامج، أن المكالمات ارتفعت بشكل لافت منذ ثلاثة أشهر فقط، بعد أن كان النشاط شبه معدوم منذ تأسيسه عام 2020.
وأوضح روزنبلات في تصريحات للصحيفة أن هذه الظاهرة لم تحدث حتى خلال سنوات الحرب على الإرهاب في العراق وأفغانستان، مشيرًا إلى أن المتصلين يتساءلون عن سبب الحديث المفاجئ عن منحهم حصانة من المساءلة، وهو ما يثير تساؤلات مُقلِقة لديهم حول طبيعة المهام المطلوب منهم تنفيذها.
عملية البحر الكاريبي تشعل الجدل
أكدت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت، يوم الاثنين، أن وزير الحرب أذن للأدميرال فرانك برادلي بتنفيذ ضربة متابعة في الثاني من سبتمبر الماضي ضد قارب يُزعم نقله المخدرات.
ووفقًا لتقارير نشرتها صحيفة "واشنطن بوست" وشبكة "سي إن إن"، في وقت سابق، فإن الضربة الثانية استهدفت شخصين كانا يتعلقان بالقارب المحترق بعد نجاتهما من الهجوم الأول، وهو ما يثير تساؤلات قانونية جدية.
ودافعت ليفيت عن العملية بالقول إن "الرئيس ترامب ووزير الحرب أوضحا أن الجماعات الإرهابية المتورطة في تجارة المخدرات تخضع للاستهداف المميت وفقًا لقوانين الحرب،" مؤكدة أن الأدميرال برادلي تصرَّف ضمن صلاحياته القانونية.
اتهامات بجرائم حرب وانقسام سياسي حاد
أثارت العملية موجة من الانتقادات الحادة، إذ قال وزير الدفاع الأسبق ليون بانيتا، بشكل قاطع، إنه لا يملك أدنى شك في أن الضربة الثانية تمثل جريمة حرب.
وانضم إليه مشرعون من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، إلى جانب مسؤولين سابقين، في التحذير من الانتهاكات القانونية المُحتملة.
وتتزامن هذه الأزمة مع صراع سياسي مُحتدم بين الرئيس ترامب وستة نواب ديمقراطيين أصدروا فيديو الشهر الماضي يذكّرون فيه أفراد الجيش بحقهم في رفض الأوامر غير القانونية، وهو ما اعتبره ترامب "سلوكًا تحريضيًا يستحق عقوبة الإعدام"، حسبما أوردت "ذا هيل".
ضغوط تهدد مستقبل الضباط المهني
كشف روزنبلات لصحيفة "ذا هيل" عن تفاصيل مقلقة لاتصالات تلقَّاها من عسكريين يواجهون ضغوطًا شديدة، من بين هؤلاء ضابط أركان متخصص كُلِّف بتقييم وثيقة عسكرية تهدف لتبرير استهداف أشخاص على متن القوارب؛ باعتبارهم أهدافًا معادية يجوز قتلهم بموجب قوانين الحرب.
لكن الضابط رفض الموافقة على الوثيقة؛ لأنها لا تتوافق مع المعايير القانونية والعسكرية التي يعرفها بحكم تخصصه.
وقال الضابط إنه تعرض بعد ذلك لضغوط من مسؤولين سياسيين رفيعي المستوى لإظهار إجماع بين الضباط العسكريين على شرعية الضربات، وإنه شعر بالعزلة واتُهم بعدم التعاون مع الفريق، ما جعله يخشى على مستقبله الوظيفي.
كما تواصل مع برنامج الاستشارات القانونية ضابط آخر، قبيل انتقاله لمنصب جديد يخشى أن يجعله متورطًا في هذه الضربات، متسائلًا عن خياراته القانونية لتجنب المشاركة في عمليات مشكوك في شرعيتها.
أرقام صادمة ومذكرة حكومية مثيرة للجدل
أعلنت إدارة ترامب رسميًا عن تنفيذ 21 ضربة في إطار حملتها على تجارة المخدرات، أسفرت عن مقتل 83 شخصًا على الأقل، ورغم صدور مذكرة سرية من وزارة العدل، في الصيف الماضي، تزعم أن الجنود المشاركين في هذه العمليات محميون من الملاحقة القانونية، إلا أن هذه المذكرة أثارت قلق العسكريين بدلًا من طمأنتهم، حسبما أفادت "ذا هيل".
ويرى روزنبلات أن الحديث المفاجئ عن الحصانة القانونية يدفع العسكريين للتساؤل عن طبيعة المهام التي قد يُطلب منهم القيام بها مستقبلًا.