الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

أوهام السلام الأمريكي في أوكرانيا.. خيبة أمل ترامب تزيد بوتين قوة

  • مشاركة :
post-title
تتعثر مساعي السلام مع تضارب الرؤى بين واشنطن وموسكو وكييف

القاهرة الإخبارية - عبدالله علي عسكر

تواصل الإدارة الأمريكية مساعيها لاقتراح مسار سلام في أوكرانيا رغم تعثر الجهود وتضارب الرؤى بين واشنطن وموسكو وكييف. وحسب تقرير لمجلة "فورين أفيرز" الأمريكية، فإن المقاربات الأمريكية تبدو كأنها محاولات لإحياء أمل هش، بينما تستمر الحرب في استنزاف الطرفين وتهز توازنات القوة في القارة الأوروبية.

رؤية ترامب

في أغسطس، شعر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بخيبة أمل عندما فشل اجتماع ألاسكا مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في تحقيق أي تقدم باتجاه إنهاء الحرب في أوكرانيا، وأقر ترامب قائلا: "لم نصل إلى هناك"، إذ بدا بوتين فتورًا واضحًا تجاه التنازل عن مطالبه القصوى، مما جعل أي اتفاق سلام يبدو بعيدًا. ومع ذلك، لم يثن الفشل المتوقع لمبادرة ألاسكا الرئيس الأمريكي عن محاولة جديدة.

وفي نوفمبر، أرسلت خطة سلام من 28 نقطة، أفادت تقارير إعلامية بأنها صيغت من قبل مسؤولين روس وأمريكيين، وأثارت غضبًا في كييف وبين الحلفاء الأوروبيين لأوكرانيا، لأنها عكست إلى حد كبير المواقف الروسية المتعلقة بالأراضي ومستقبل الدولة الأوكرانية.

وخلال مفاوضات شاقة مع الولايات المتحدة، نجح الجانب الأوكراني في تعديل الكثير من البنود ذات النزعة المؤيدة لروسيا، ليصل الطرفان إلى مسودة جديدة لم تحظ حتى الآن بموافقة بوتين.

فكرة يحكمها الوهم

ومع كثرة المقترحات وتعدد جولات التفاوض، لا يزال ترامب متمسكًا بمطاردة فكرة يحكمها الوهم؛ إذ يبدو أنه غير مستعد للاعتراف بأن نظيره الروسي لا ينوي إنهاء الحرب دون ضمان استسلام أوكرانيا الكامل.

ويواصل ترامب الاعتقاد بأن تقديم الحوافز المناسبة أو التهديد بعقوبات جديدة يمكن أن يدفع بوتين إلى التخلي عن أهدافه البعيدة مقابل تسوية تبقي أوكرانيا دولة مبتورة، لكنها مستقلة شكليًا وقادرة على الدفاع عن نفسها.

غير أن نفاد صبر ترامب حال دون بناء عملية احترافية متماسكة لتحقيق هذا الهدف، وقد غلب على نهجه طابع الارتجال وإقصاء الخبرات الإقليمية، مما جعله سطحيًا وعرضة للأخطاء السريعة. وكانت خطة النقاط الـ28 مثالًا صارخًا على ذلك، إذ أُعدت دون أي تشاور مع الحلفاء الأوروبيين، وسُلّمت على عجل للجانب الأوكراني، واحتوت تناقضات وأخطاء واضحة اضطر ترامب إلى التراجع عنها فورًا، في خطوة قوّضت مصداقية الجهد بأكمله.

تسريب محادثات

وسلّط تسريب محادثات مبعوث ترامب، ستيف ويتكوف، الضوء على ثغرات كبيرة في تقدير المسؤولين المكلفين بحماية المصالح الوطنية الأمريكية، وذلك أثناء تقديمه للروس إرشادات حول كيفية مخاطبة الرئيس الأمريكي.

وعلى الرغم من أن ترامب يسعى بصدق إلى إنهاء الحرب، فإنه لم يستوعب بعد كيف يتقاطع هذا الهدف مع الاستراتيجية الكبرى للولايات المتحدة. فمحاولة تحقيق السلام بأي ثمن، حتى لو تطلّبت تقديم تنازلات جوهرية لروسيا، قد تعزز موقف خصم استراتيجي وتمنحه فرصة انتزاع مكسب سياسي من وضع اعتُبر لفترة طويلة هزيمة مؤكدة له.

شروط موسكو

منذ بداية الحرب، أكد بوتين مرارًا أن روسيا ترغب في السلام، لكن هذا السلام مشروط بتسليم أوكرانيا مطالب موسكو. وتكشف مسودات المحادثات التي جرت بين الطرفين في بيلاروسيا وإسطنبول عامي 2022 و2025، وما تبعها من تصريحات روسية، عن ملامح هذه الشروط.

تشمل أبرز المطالب الروسية:

فرض حياد دائم على أوكرانيا يمنع انضمامها إلى الناتو أو استضافة أي قوات أجنبية.

فرض قيود صارمة على الجيش الأوكراني تشمل تحديد عدده وأنواع أسلحته.

ضمانات أمنية تتيح لروسيا الاعتراض على أي خطوة تراها تهديدًا مستقبليًا.

اعتراف غربي بسيطرة روسيا على مناطق دونباس وخيرسون وزابوريزهيا، رغم أن أجزاء منها ما تزال تحت سيطرة أوكرانيا، إضافة إلى الاعتراف بضم القرم.

انسحاب أوكرانيا من كامل إقليم دونيتسك، ورفع العقوبات عن موسكو، والتخلي عن أي مسار لمحاسبة روسيا وقادتها على الحرب.

تعديلات في القوانين الأوكرانية تعيد صياغة الهوية الوطنية بما يراعي الرؤية الروسية.

المكاسب والمخاطر

يرى ترامب أن إنهاء الحرب التي أودت بحياة مئات الآلاف هدف منطقي، وقد حققت شراكته الدبلوماسية مع موسكو بعض النتائج، منها خفض حدة التهديدات النووية. غير أن اندفاع الولايات المتحدة نحو السلام يرسل إشارة ضعف في مسار تفاوضي يقوم جوهره على الصلابة.

ورغم رغبة أوكرانيا في إنهاء الحرب، فإنها لا تظهر استعدادًا للتنازل عن أراض تخضع لسيطرتها. وتشير استطلاعات الرأي، ومنها استطلاع لمعهد كييف الدولي لعلم الاجتماع، إلى معارضة واسعة لأي تنازل إقليمي. فالولايات المتحدة لا تجني شيئًا من دفع أوكرانيا للاستسلام، والسماح لروسيا المتحفزة لتغيير قواعد النظام الدولي بتحقيق نصر كبير سيكون ضربة لمصالح واشنطن.