الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

التحولات التقنية في صناعة السلاح بمنطقة الشرق الأوسط خلال 2026

  • مشاركة :
post-title
تطور صناعة السلاح - تعبيرية

القاهرة الإخبارية - د.رضوى محمد

في ظل التغيرات التكنولوجية والجيوسياسية التي يشهدها العالم في الفترات الأخيرة، تتجه منطقة الشرق الأوسط كغيرها من مناطق العالم إلى التحديث التكنولوجي الكبير في صناعة السلاح، فتوطين صناعة متقدمة من الأسلحة في الشرق الأوسط يُعتبر هدفًا استراتيجيًا للعديد من الدول، بشكل يُحقق القيمة المضافة للاقتصادات، فضلاً عن تعزيز القدرة على الردع.

تأسيسًا على ما سبق يتطرق هذا التحليل إلى التعرف على التحديثات التقنية في صناعة السلاح بمنطقة الشرق الأوسط، وتأثيراتها المختلفة على دول المنطقة.

مؤشرات دالة

التطرق إلى صناعة السلاح في منطقة الشرق الأوسط يتطلب التعرف على مجموعة من المؤشرات التوضيحية التي تتمثل في الآتي:

(-) حجم صناعة السلاح: صناعة السلاح في منطقة الشرق الأوسط تنقسم إلى عمليات استيراد، وتصنيع محلي داخل الدول، وفي الوقت الحالي تتفوق معدلات الاستيراد على معدلات التصنيع، إذ إن صناعة السلاح تتطلب توطينًا تكنولوجيًا كبيرًا داخل الدولة.

ولكن يتضح من الشكل (1) أن هناك دول خفضت من معدلات استيراداتها خلال الفترة 2020 إلى 2024، بالمقارنة بالفترة 2015 إلى 2019، ومن هذه الدول المملكة العربية السعودية، التي انخفض معدل استيرادها من 11% إلى 6.8%، وفي الإمارات انخفض من 3.3% إلى 2.6%، كما انخفض في تركيا من 1.7% إلى 1.1%.

وعلى الجانب الآخر هناك دول اتجهت إلى زيادة معدلات استيراد السلاح، ففي قطر ارتفع من 3% إلى 6.8%، وفي الكويت ارتفع من 0.5% إلى 2.9%، وفي البحرين ارتفعت من 0.1% إلى 1.1%.

وبقراءة هذه الأرقام يتضح أن بعض دول الشرق الأوسط أصبح بها توجه كبير نحو توطين صناعة السلاح، بشكل يعمل على تحقيق الاكتفاء الذاتي من الأسلحة، ويرفع من الكفاءة الاقتصادية.

الشكل (1) يوضح معدلات استيراد السلاح في دول منطقة الشرق الأوسط -المصدر: معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام

(-) شركات السلاح التقنية: تتركز شركات التكنولوجيا الكبرى المُصنِّعة للأسلحة في الشرق الأوسط في تركيا (خمس شركات) وإسرائيل (ثلاثة شركات) والإمارات (شركة واحدة)، ففي هذه الدول مجتمعة 9 شركات إقليمية صنَّفها معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام ضمن أكبر 100 شركة مُنتجة للأسلحة، إذ حققت إيرادات بنحو 31 مليار دولار أمريكي في عام 2024.

وتُعد مجموعة "إيدج" في الإمارات العربية المتحدة نموذجًا تكنولوجيًا كبيرًا في الصناعات الدفاعية في المنطقة، فهي إحدى المجموعات البارزة في مجال التكنولوجيا الرائدة عالميًا في مجال التكنولوجيا المتقدمة والدفاع، إذ إنها مُكرسة لتقديم ابتكارات ومنتجات وخدمات رائدة إلى السوق بسرعة وكفاءة أكبر، وتبني التقنيات المتقدمة مثل القدرات ذاتية التشغيل، الأنظمة السيبرانية الفيزيائية، أنظمة الدفع المتقدمة، الروبوتات، والمواد الذكية.

وقد بلغت إيرادات هذه المجموعة من مبيعات الأسلحة 4.7 مليار دولار في عام 2024، وسيرتفع هذا الرقم بشكل كبير في عام 2026، بعد إعلان المجموعة عن أكبر تصدير دفاعي على الإطلاق مع إندونيسيا بقيمة 7 مليارات دولار.

تحولات قادمة

 في إطار التوجهات الحالية لدول منطقة الشرق الأوسط، يُمكن توضيح مجموعة من التحولات في صناعة السلاح، ومن هذه التحولات ما يلي:

(-) دمج التقنيات الناشئة: إن الذكاء الاصطناعي والتقنيات الحديثة المرتبطة به سيتم توظيفها في صناعة السلاح في منطقة الشرق الأوسط بشكل كبير، ففي عام 2024 وقعت عدد من دول مجلس التعاون الخليجي اتفاقيات مشتركة؛ لتحقيق طفرة في تصنيع الذخائر، فقد وقعت شركة برزان القابضة القطرية والصناعات العسكرية العربية السعودية (SAMI) أول اتفاقية على الإطلاق في الصناعات الدفاعية الخليجية، تلتها صفقة مماثلة بين برزان القابضة وتكتل EDGE الإماراتي في عام 2025، لدمج الذكاء الاصطناعي في صناعة السلاح.

وقد أطلقت المملكة العربية السعودية مركبة دورية كهربائية محلية الصنع مزودة بتقنيات متقدمة للطائرات بدون طيار تعمل بالذكاء الاصطناعي، وبالإضافة إلى ذلك ستكون المشاركة المُحتملة للملكة العربية السعودية في البرنامج العالمي للقتال الجوي (GCAP) الذي انضمت إليه المملكة المتحدة واليابان وإيطاليا؛ لتطوير طائرة مقاتلة من الجيل السادس، خطوة مهمة للملكة العربية السعودية في دمج التقنيات المتقدمة في صناعة السلاح، مع تعزيز الإنتاج المحلي والتجميع وتطوير المعرفة.

ومن ناحية أخرى، تطور إيران أنظمة الأسلحة ذاتية التشغيل، خاصة برامج الطائرات المسيرة. ومن هنا يتضح أن سباقات التسلح المدعومة بالذكاء الاصطناعي في المنطقة تنتشر بشكل كبير، وهو الأمر الذي يُشير إلى أن المنطقة في عام 2026 ربما ستشهد توطينًا واسعًا للمركبات غير المأهولة والروبوتات القتالية، التي أصبحت جزءًا أساسيًا من التكتيكات الحديثة، إذ أنها قادرة على تنفيذ مهام قتالية واستطلاعية بشكل مستقل أو شبه مستقل.

(-) تعزيز التصنيع المحلي المُتقدم: تتجه الدولة المصرية إلى تحقيق ذلك الهدف بشكل كبير، وكان معرض "إيديكس 2025" أكبر دليل على ذلك، فقد عرضت مصر مجموعة من أنظمة الأسلحة المُطورة حديثًا والمُصنعة محليًا، في إطار سعي الحكومة لتوسيع قاعدتها الصناعية العسكرية.

فمن بين الأنظمة الرئيسية التي تم عرضها، نظام "ردع 300" وهو قاذف صواريخ مُوجَّه مُجنزر متعدد العيارات، قادر على ضرب أهداف يصل مداها إلى 300 كيلو متر، ويُمكنه العمل بسرعات تصل إلى حوالي 40 كم/ساعة، بالإضافة إلى منصة دفع رباعي خفيفة لأول مرة بمدفع مضاد للطائرات ثنائي السبطانة عيار 23 ملم، مما يسمح باستخدامه ضد الأهداف الجوية والبرية، حيث يتميز المدفع بمعدل إطلاق نار عالٍ يصل إلى 1600 طلقة في الدقيقة.

بالإضافة إلى ذلك تطور الدولة المصرية قدرتها على إنتاج الفولاذ المدرع، في إطار توجهها نحو توطين المكونات الرئيسية المستخدمة في الدبابات والمركبات القتالية، فقد تم عرض نموذجًا لمدفع الهاوتزر k9 A1 EGY عيار 155 ملم، وهو أكثر الأنظمة الدفاعية تطورًا في العالم، هذا فضلاً عن تحديث قاذف الصواريخ رعد 200 بنظام تحكم هيدروليكي جديد وآليات استهداف مُحسَّنة، وهو الأمر الذي يوضح أن هذا المعرض أشار إلى أن مصر تتجه إلى توطين التقنيات التكنولوجية المتطورة في صناعة السلاح.

وعلى الجانب الآخر، تحتل دولة المغرب موقع الريادة في شمال إفريقيا والشرق الأوسط في تصنيع طائرات الدرونز المتطورة بالشراكة مع إسرائيل، مما جعلها تبرز كثاني أكبر قوة في مجال الطائرات بدون طيار، إذ تستحوذ على 233 طائرة مسيرة، ويسعى المغرب إلى تصنيع طائرات المراقبة والقتال المسيرة محليًا، وإنشاء مصنع لصيانة الطائرات العسكرية، وهو ما سيجعله مركزًا لصناعة الأسلحة في منطقة الشرق الأوسط، خاصة السلاح التقني المتطور.

(-) إدخال أسلحة تقنية: تسعى العديد من دول منطقة الشرق الأوسط إلى إدخال الأسلحة ذات التكنولوجيا المتقدمة، ومن هذه الأسلحة غواصات من طراز TYPE 039A، التي تتميز بنظام دفع مستقل عن الهواء (AIP)، وقدرتها على التخفي وفعالية عملياتها تحت سطح البحر، بالإضافة إلى تسليحها المتطور الذي يشمل صواريخ للهجوم بعيد المدى، وقدرات استخبارية، ومراقبة استراتيجية متقدمة.

هذا فضلاً عن خطط تطوير المقاتلات الشبحية من الجيل الخامس "قآن"، إذ تُعد هذه المقاتلة نموذجًا كبيرًا للتقنيات المتقدمة في الصناعات الدفاعية، حيث أنها مُصممة لأداء مهام متعددة تشمل الضربات الدقيقة والحرب الإلكترونية، مع تجهيزات تشمل رادار صفيف نشط (AESA)، إلكترونيات طيران متطورة، ودعم الذكاء الاصطناعي لتعزيز القدرات التشغيلية، وفي الربع الثاني من عام 2026 سيتم إنتاج 6 نماذج أولية منها.

وفي المغرب يوجد استراتيجية شاملة تتضمن إعادة هيكلة منظومة الدفاع، وتطوير الصناعات العسكرية المحلية، واقتناء أنظمة أسلحة متطورة، حيث يستحوذ المغرب على 222 دبابة من طراز M1A1 SA و162 دبابة من طراز M1A2 SEP v3، مما يجعله من أكبر مستخدمي دبابات أبرامز الأمريكية في المنطقة، فهذه الأسلحة مُجهزة بأنظمة دروع متطورة ونظام ربط بيانات الذخيرة، يسمح ببرمجة القذائف الذكية قبل إطلاقها مثل M1147.

كما أدخلت أنظمة دروع تكتيكية حديثة، منها 50 مركبة M-ATV أمريكية، و200 مركبة Cobra II تركية، وتعتبر إسرائيل شريكًا استراتيجيًا مع المغرب في تطوير منظومة الأسلحة، إذ يتم التفاوض مع شركة "إلبيت سيستمز" للحصول على حزمة أسلحة متطورة لناقلات الجنود المدرعة التي حصل عليها حديثًا، كجزء من التوسيع الأمني مع إسرائيل.

 تأثيرات محتملة

يترتب على توطين صناعة السلاح المتقدمة في منطقة الشرق الأوسط مجموعة من التأثيرات التي تتمثل في النقاط التالية:

تعزيز النمو الاقتصادي: ترتبط صناعة السلاح والتقنيات الحديثة المتعلقة بها بالعديد من عوامل النمو داخل الدول، ومنها توليد الإنفاق المحلي المباشر، تعزيز نقل التكنولوجيا، تطوير القوى العاملة الماهرة، وإنشاء قاعدة صناعية محلية مستدامة، تعمل على تحقيق الاكتفاء الذاتي وتصدير الأسلحة للدول الأخرى.

في عام 2024 أعلنت أكبر 100 شركة دفاع عالمية عن إيرادات إجمالية بلغت 631.9 مليار دولار أمريكي من مبيعات الأسلحة، وهو الأمر الذي يجعل هذه الصناعة مرتبطة بشكل كبير بالانتعاش الاقتصادي داخل الدول، وهو ما يُبرر اتجاه دول منطقة الشرق الأوسط إلى توطين التصنيع المحلي من الأسلحة، وبالتالي بحلول عام 2026 سيتعزز دور صناعة الأسلحة كركيزة اقتصادية أساسية.

توطين التكنولوجيا: تتشابك التكنولوجيا مع صناعة الأسلحة بشكل كبير، إذ أن تطوير أسلحة جديدة يتطلب معرفة تكنولوجية عميقة، فهذه الصناعة في الوقت الحالي أصبحت تحتاج إلى تكنولوجيا الليزر، وبرامج نمذجة ثلاثية الأبعاد والتصميم المساعد بالحاسوب (CAD)، هذا فضلاً عن الإلكترونيات اللازمة لصناعة الأسلحة الحديثة، بما في ذلك الرادار والأنظمة الإلكترونية للتحكم والاستشعار والاتصالات، وبالإضافة إلى ذلك هناك تقنيات الطباعة ثلاثية الأبعاد والتصنيع باستخدام الحاسوب (CNC).

ونتيجة لهذه الاحتياجات التكنولوجية الكبيرة في صناعة الأسلحة، تتجه دول منطقة الشرق الأوسط في الوقت الحالي نحو عقد شراكات واتفاقيات مع دول متقدمة في هذه الصناعة، ففي أغسطس 2025 وقعت مصر وتركيا اتفاقًا للتصنيع المشترك للطائرات المسيرة ذات الإقلاع والهبوط العمودي من طراز"VTOL-UI"، وهو الأمر الذي سيترتب عليه نقل التكنولوجيا إلى الدولة التي يُصنع فيها السلاح، مما ينعكس على العديد من القطاعات الاقتصادية، وليس القطاع الدفاعي فقط.

زيادة التأثير الجيوسياسي: تُعد صناعة الأسلحة أداة حيوية في السياسة الخارجية، إذ أنها تُستخدم لبناء الشراكات والتحالفات الاستراتيجية، مما يُعزز حضور الدول في الوسط العالمي، فالدول المتقدمة أصبحت تعتمد بشكل كبير على توطين صناعة السلاح واستخدام التقنيات التكنولوجية بها؛ لاستمرار سيطرتها على الاقتصاد العالمي، ومع اتجاه دول منطقة الشرق الأوسط نحو هذا الهدف، سيزداد التأثير الجيوسياسي لها، ومن ثم يصبح الاقتصاد العالمي متعدد الأقطاب.

في المُحصلة، يُمكن القول إن منطقة الشرق الأوسط تشهد تحولًا واضحًا في صناعة السلاح نحو تطبيق التقنيات المتقدمة، وهو الأمر الذي سينشط في عام 2026، فالمنطقة أصبحت تضم عددًا من الفواعل الأساسية في هذه الصناعة، مما سيكون له العديد من الآثار الإيجابية، فالوفورات المُتحققة من الاتفاقيات والشراكات المختلفة بين دول المنطقة وبعضها البعض، سيترتب عليها طفرة كبيرة في صناعة السلاح، وتوطين التكنولوجيا المتقدمة المرتبطة بها، مما سينعكس على باقي قطاعات الاقتصاد داخل الدول، ومن ثم يرتفع النمو الاقتصادي داخل منطقة الشرق الأوسط.