الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

رحلة السلام.. البابا ليو يحيِي ذكرى مجمع نيقية ويصلي بمرفأ بيروت

  • مشاركة :
post-title
البابا ليو الرابع عشر والرئيس التركي رجب طيب أردوغان

القاهرة الإخبارية - سامح جريس

بدأ البابا ليو الرابع عشر، أول بابا أمريكي للفاتيكان في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية، رحلته الخارجية الأولى منذ انتخابه في مايو الماضي بزيارة تمتد ستة أيام لتركيا ولبنان، حاملًا رسالة سلام في منطقة تعصف بها الصراعات، واختار البابا، البالغ من العمر 70 عامًا، والذي قضى عقودًا في بيرو قبل أن يصبح مسؤولًا في الفاتيكان عام 2023، أن يبدأ جولاته الرسمية بدولة ذات أغلبية مسلمة لأسباب دينية عميقة، وفقًا لما أوردته شبكة فاتيكان نيوز.

كشفت تقارير وكالة رويترز أن اختيار تركيا كأول وجهة خارجية للبابا ليو لم يكن صدفة سياسية، بل جاء للاحتفال بالذكرى الـ1700 لمجمع نيقية، ذلك الحدث التاريخي الفارق الذي انعقد عام 325 ميلادية في مدينة إزنيق التركية الحالية، إذ في ذلك المجمع، صاغ قادة الكنيسة الأوائل "قانون الإيمان النيقاوي" الذي لا يزال يُتلى حتى اليوم في معظم الكنائس المسيحية حول العالم، سواء الكاثوليكية أو الأرثوذكسية.

وأشار الكاردينال مايكل فيتزجيرالد، القيادي السابق في مكتب الفاتيكان للحوار بين الأديان، في تصريحات لشبكة سي إن إن، إلى أن عددًا من الباباوات السابقين زاروا تركيا في بداية فترة حبريتهم، بما في ذلك فرنسيس وبنديكت السادس عشر ويوحنا بولس الثاني، مشيرًا إلى أن هذه الزيارة تأتي لأهداف دينية تتعلق بتعزيز الوحدة المسيحية ولقاء البطريرك الأرثوذكسي.

وانتقل البابا، مساء الخميس، إلى إسطنبول للقاء البطريرك برثلماوس، الزعيم الروحي لـ260 مليون مسيحي أرثوذكسي في العالم، حيث يقع مقره الرئيسي في المدينة التركية.

جسور بين الكنيستين

تكتسب الزيارة أهمية خاصة في سياق محاولات رأب الصدع بين الكنيستين الشرقية والغربية اللتين انفصلتا عام 1054 فيما عُرف بـ"الانشقاق الكبير"، إذ سافر البابا ليو والبطريرك برثلماوس معًا، يوم الجمعة، إلى مدينة إزنيق، على بعد 140 كيلومترًا جنوب شرق إسطنبول، للمشاركة في احتفالية مشتركة بذكرى المجمع التاريخي.

ونقلت سي إن إن عن المستشار اللاهوتي للبطريرك، القس جون كريسافجيس، قوله إن الحضور المشترك لقائدين روحيين عالميين يجعل شهادة المسيحية أكثر مصداقية وتأثيرًا.

وقبل الزيارة، دعا البابا ليو في رسالة نشرها، بحسب موقع فاتيكان نيوز، الكنائس إلى ترك الخلافات اللاهوتية القديمة والسعي نحو المصالحة عبر الحوار.

مستقبل على المحك

في أول خطاب له خارج إيطاليا، حذَّر البابا ليو من تصاعد الصراعات العالمية أمام القادة السياسيين الأتراك، وذكرت وكالة رويترز أن الحبر الأعظم قال إن العالم يشهد صراعات متزايدة تغذيها إستراتيجيات القوة الاقتصادية والعسكرية، مُحذِّرًا من أن "حربًا عالمية ثالثة تُشن على أجزاء من العالم" وأن "مستقبل البشرية على المحك".

وأضاف البابا، في لقائه مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أن "الطموحات والخيارات التي تدوس على العدالة والسلام" تزعزع استقرار العالم.

من جهته، رحَّب أردوغان بموقف البابا من القضية الفلسطينية، مُعرِبًا عن أمله في أن تكون الزيارة مفيدة للبشرية، وفقًا لرويترز.

وكان البابا قد أوضح للصحفيين على متن الطائرة البابوية أنه يريد استخدام رحلته الأولى للدعوة إلى السلام وحث الناس من خلفيات مختلفة على العيش معًا في وئام.

الحوار بين الأديان

تتضمن الزيارة بُعدًا مهمًا للحوار بين الأديان، إذ سيزور البابا ليو للمرة الأولى كحبر أعظم مسجدًا، وهو "المسجد الأزرق" الشهير في إسطنبول، بحسب سي إن إن.

لكنه لن يزور آيا صوفيا، كما سيلتقي برئاسة الشؤون الدينية التركية في أنقرة والحاخام الأكبر لتركيا.

الجراح المفتوحة في لبنان

تنتقل رحلة البابا، اعتبارًا من غدٍ الأحد، إلى لبنان، إذ من المتوقع أن يكون السلام محورًا رئيسيًا للزيارة، وفي هذا الصدد ذكرت وكالة رويترز أن لبنان، الذي يضم أكبر نسبة من المسيحيين في الشرق الأوسط، يُعاني من تداعيات الصراع في غزة والأزمة الاقتصادية التي استمرت لسنوات، بالإضافة إلى استضافته لمليون لاجئ سوري وفلسطيني.

وأشارت الوكالة إلى أن القادة اللبنانيين يخشون من تصعيد إسرائيلي كبير للضربات في الأشهر المقبلة، ويأملون أن تجلب الزيارة البابوية اهتمامًا عالميًا بالبلاد، خاصةً بعد مقتل إسرائيل لكبير المسؤولين العسكريين في حزب الله في ضربة جوية على ضاحية بيروت الجنوبية رغم الهدنة التي توسطت فيها الولايات المتحدة.

وأكد المتحدث باسم الفاتيكان، ماتيو بروني، أن الاحتياطات الأمنية اللازمة يتم اتخاذها لضمان سلامة البابا في لبنان.

الصلاة على أنقاض الانفجار

سيصلي البابا ليو في صمت يوم 2 ديسمبر في موقع انفجار مرفأ بيروت المدمر عام 2020، الذي أودى بحياة 218 شخصًا وأصاب أكثر من 7000 آخرين، بحسب سي إن إن.

كما سيلتقي البابا بالقادة السياسيين والشباب، ويشارك في تجمع بين الأديان، ويحتفل بقداس على كورنيش بيروت.

وسيزور ديرًا للقديس مارون، شفيع الكنيسة المارونية في القرن الرابع، للصلاة على قبر القديس شربل، أحد أشهر القديسين اللبنانيين، والذي يحظى بتبجيل من جميع الطوائف.

لقاءات مع قادة الطوائف

يتكون لبنان من نسيج غني من المجموعات الدينية المختلفة، إذ يضم 12 طائفة مسيحية، وسيعقد البابا لقاءً خاصًا مع بعض قادتها، بحسب سي إن إن، كما سيلتقي بشكل منفصل مع القادة المسلمين والدروز.

وتعد الطائفة المارونية أكبر المجموعات المسيحية في لبنان، وهي كنيسة شرقية تعترف بسلطة البابا وتنتمي للكنيسة الكاثوليكية لكن لها تقاليدها الخاصة، بما في ذلك السماح للرجال المتزوجين بأن يصبحوا كهنة، و جرى العرف على أن يكون الرئيس اللبناني مسيحي ماروني.

ونقل موقع الفاتيكان، عن القس ميشال عبود، رئيس كاريتاس لبنان، الذراع الخيري للكنيسة الكاثوليكية في البلاد، قوله إن زيارة البابا تعني أن "الشعب سيعرف أنه رغم كل الظروف الصعبة التي مر بها، لا يجب أن يشعر بالتخلي عنه".

رحلة مشحونة بالرمزية

يأتي سفر البابا ليو خلال عطلة عيد الشكر الأمريكي، وهو وقت يحتفي بالامتنان والتضامن والسلام، وفق سي إن إن. وتكتسب هذه الموضوعات صدى عالميًا أوسع في زيارة إلى دولتين ذواتي أغلبية مسلمة لكنهما موطن لمجتمعات مسيحية عريقة.

ويشار إلى أن البابا سيلقي جميع خطاباته بالإنجليزية والفرنسية، وليس بالإيطالية، في تحول ثقافي بابوي مع أول حبر أعظم أمريكي المولد يتحدث عدة لغات بطلاقة.

وأشارت رويترز إلى أن البابا ليو ينفذ الوعود التي قطعها سلفه فرنسيس بزيارة كلتا الدولتين، حيث كان فرنسيس قد خطط لزيارة لبنان عام 2022 وتركيا في 2025 لإحياء ذكرى كنسية مهمة، لكن كلتا الرحلتين أُرجئتا لأسباب صحية.

واعتاد فرنسيس، الذي ترأس الكنيسة العالمية لمدة 12 عامًا، استخدام الزيارات البابوية لمحاولة مساعدة الدول التي مزقتها الحروب مثل جنوب السودان وجمهورية إفريقيا الوسطى، كما زار تركيا والأراضي المقدسة في وقت مبكر من حبريته.

وستشمل أنشطة البابا في لبنان، بحسب سي إن إن، زيارة مستشفى نفسي كبير تديره راهبات كاثوليكيات، هو مستشفى "دي لا كروا" في جبل الديب، كما سيزرع شجرة أرز في القصر الرئاسي ببيروت.