تسبب تسريب المكالمات التي جرت بين المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف وكبار المسؤولين بالكرملين، في حالة من الجدل الواسع وما تبع ذلك من تكهنات حول الجهة المسؤولة عن التسريب، ودوافع الأطراف المحتملة، وتأثيراته على مسار المفاوضات المتعلقة بالحرب في أوكرانيا.
تساؤلات حول روبيو
تُثار العديد من التساؤلات حول المسؤول عن نشر تسريب تفاصيل مكالمات المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف مع يوري أوشاكوف، كبير مساعدي الكرملين للسياسة الخارجية، ومحادثة منفصلة بين أوشاكوف وكيريل دميترييف، ممثل بوتين في محادثات السلام.
وأشعلت خطة السلام المكونة من 28 نقطة حربًا خفية بين وزارة الخارجية الأمريكية والبيت الأبيض. ودافع وزير الخارجية ماركو روبيو، عن الخطة، مدعيًا أنها إيجابية لمحادثات السلام. ومع ذلك، أفادت مصادر لصحيفة "ذا تليجراف"، بأن وزارته تُركت في جهل تام.
بينما كان ويتكوف في الشرق الأوسط لوضع اللمسات الأخيرة على اتفاق لإنهاء الحرب في غزة، تُرك روبيو -من أشد منتقدي الكرملين- مسؤولًا عن ملف أوكرانيا.
وزُعم أن وزير الخارجية، الذي وصف بوتين ذات مرة بأنه "رجل عصابات"، قال لأعضاء مجلس الشيوخ إن الخطة المكونة من 28 نقطة هي قائمة أمنيات روسية، إلى أن البيت الأبيض والخارجية الأمريكية نفيا هذا الأمر تمامًا.
ولكن يبدو أن البساط قد سُحب من تحت قدميه عندما استأنف ويتكوف مهمة إنهاء الحرب في أوكرانيا. وتراجع روبيو عن انتقاده للخطة، مدعيًا أن من صاغتها الولايات المتحدة.
في حين لا يوجد ما يشير إلى أن روبيو هو من يقف وراء التسريبات، إلا أن العديد من المسؤولين المقربين منه يتمتعون بمعلومات مماثلة، ويشاركونه إيمانه بسلام أكثر عدلًا في أوكرانيا.
تكهنات بشأن لافروف
على الجانب الآخر، في حين يبدو أن اتفاق السلام المطروح على الطاولة يميل في الأغلب لصالح موسكو، فإنه يسعى إلى أمر حاسم وهو تقديم ضمانات أمنية قوية لأوكرانيا تشبه المادة الخامسة من ميثاق حلف شمال الأطلسي -التي تنص على أن الهجوم على دولة عضو هو هجوم على الجميع- لمنع الحرب في المستقبل.
ووفقًا لـ"ذا تليجراف" تكهّن البعض بأن وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، المعروف بكرهه العلني لدميترييف -ممثل بوتين في المحادثات- ربما يكون وراء التسريب.
ونقلت "ذا جارديان" البريطانية، عن دانيال هوفمان، الرئيس السابق لمكتب وكالة المخابرات المركزية في موسكو قوله: "من الصعب التكهن، ربما هي محاولة من الجانب الروسي لتشويه سمعة ويتكوف".
وتابعت الصحيفة البريطانية أن أجهزة الاستخبارات الروسية سجل حافل في اعتراض المكالمات السياسية الحساسة ونشرها، لكن لا يوجد دافع واضح وراء كشف موسكو عن أوشاكوف، أحد أبرز مساعدي فلاديمير بوتين، وويتكوف، أكثر المحاورين ودًّا لروسيا في إدارة ترامب.
دور أوكراني
وفقًا لـ"ذا جارديان"، قد تكون أوكرانيا هي المستفيد الأكبر من نشر المكالمة علنًا، إذ تشعر كييف بقلق بالغ من دور ويتكوف في المفاوضات، وستكون حريصة على تقويض منصبه، إضافة إلى الكشف عن المدى الصادم للتعاون بين الكرملين ومستشار البيت الأبيض.
لكنها في الوقت نفسه، تخشى على علاقتها الوثيقة مع البيت الأبيض من خطر التعرض لهزات من وراء العمل منفردة، الأمر الذي سيؤدي إلى خلاف كارثي مع الأمريكيين حال اكتشافه، بالإضافة إلى عدم امتلاكها التقنية التي تؤهلها إلى ذلك.
وتنشر الاستخبارات العسكرية الأوكرانية بانتظام مقتطفات صوتية مما تزعم أنها تُسمع من جنود روس، كما حققت أجهزة الاستخبارات في كييف نجاحًا باهرًا في استهداف الجنرالات الروس، الذين استخدموا هواتفهم المحمولة للتواصل في ساحة المعركة، بدلًا من أجهزة الراديو المشفرة.
تدخل أمريكي
وفقًا لـ"ذا جارديان"، قال مسؤول استخباراتي سابق رفيع المستوى، إنه في حين أن أي عدد من الوكالات كان بإمكانها اعتراض المكالمة، فإن المصدر الأكثر ترجيحًا شخص ما داخل النظام الأمريكي.
وهناك العديد من الأشخاص داخل وكالات الاستخبارات الأمريكية غير راضين عن الإدارة الحالية وسياساتها تجاه أوكرانيا وروسيا، لكن تسريب تسجيل المكالمة سيكون خطوة صعبة وخطيرة للغاية لأي موظف ساخط.
كيف حدث التسريب؟
عادة، يستخدم الدبلوماسيون رفيعو المستوى خطوطًا مشفرة يصعب على أي شخص يحاول التنصت على مناقشات سرية اختراقها.
ولكن في عدد من المناسبات، اتُهم ويتكوف بأخذ هاتفه المحمول الشخصي إلى موسكو، ما يعني أنه ربما يستخدمه أيضًا في أعماله اليومية. تمتلك معظم الدول التكنولوجيا اللازمة لاعتراض المكالمات على الهواتف الجاهزة.
الخيار الأرجح هو أن مَن سرّب هذه النصوص كان يحاول عرقلة جهود ترامب، في الوقت الذي كانت تكتسب فيه زخمًا، نتيجة لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية.