الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

أسباب ضاغطة.. ما مستقبل الحوثيين بعد تآكل القادة وتحولات الإقليم؟

  • مشاركة :
post-title
جماعة أنصار الله (الحوثيين) في اليمن

القاهرة الإخبارية - محمد حافظ

تشهد جماعة الحوثيين في اليمن واحدة من أكثر اللحظات حساسية منذ بروزها كقوة مسلحة وسياسية خلال العقد الماضي. ففي نوفمبر 2025، تجمعت مجموعة من التحولات المتلاحقة: تأكيد بريطانيا دعمها لآلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش للحد من تهريب السلاح، وقرار مجلس الأمن بتمديد العقوبات الدولية على الحوثيين عامًا إضافيًا، إلى جانب التطورات الداخلية التي كشفت عن تصدعات غير مسبوقة في بنية الجماعة الأمنية والتنظيمية.

وقد جاء هذا كله بالتوازي مع تغيرات إقليمية واسعة، أبرزها توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في غزة (اتفاق شرم الشيخ)، وما تبعه من تراجع الهجمات الحوثية في البحر الأحمر وإسرائيل. كما أدت العقوبات الدولية على إيران، وانشغال حزب الله بتبعات الحرب الإسرائيلية إلى تقليص موارد الدعم العسكري والفني للجماعة، ما جعل وضعها أكثر هشاشة.

على الصعيد الداخلي، تكاثرت مؤشرات الاحتقان الشعبي في مناطق سيطرة الجماعة، وبرزت انقسامات في صفوفها نتيجة استهداف كبار قادتها من قبل إسرائيل، بالتوازي مع تصاعد الحملة الإلكترونية والشعبية المناهضة لها داخل اليمن. دفعت هذه التفاعلات مُجتمعة إلى إعادة تقييم المشهد اليمني ومستقبل الحوثيين في ظل توازنات جديدة، بعضها يحدّ من نفوذهم وبعضها يعيد إنتاجه بأشكال مختلفة.

بُناءً على ما تقدم، يسعى التحليل للإجابة عن سؤال: ما مستقبل الحوثيين بعد تآكل القادة وتحولات الإقليم؟

تأثير التحولات الإقليمية والدولية على موقع الحوثيين

(*) وقف الحرب في غزة وتراجع أوراق الضغط الحوثية: شكّلت الحرب الإسرائيلية على غزة منذ أكتوبر 2023 نقطة ارتكاز إستراتيجية استثمرها الحوثيون لتوسيع حضورهم الإقليمي من خلال استهداف الملاحة في البحر الأحمر وباب المندب. ومع توقيع اتفاق شرم الشيخ في نوفمبر 2025 ووقف العمليات العسكرية، فقدت الجماعة المبرر الأبرز الذي تستند إليه لشرعنة عملياتها البحرية، ما جعل الهجمات تتراجع فعليًا، وتراجعت معها قدرتها على التأثير الإستراتيجي في الإقليم. كما أكسَبَ توقُف الهجمات المتبادلة بين الحوثيين وإسرائيل على سواحل الحديدة ومحيط صنعاء الجماعة فترة تهدئة قسرية، لكنها في الوقت ذاته حدّت من قدرتها على الإبقاء على الصورة التي حاولت ترسيخها كجزء من محور المقاومة.

(*) تقليص الدعم الإيراني وتراجع دور حزب الله: أضعفت العقوبات الدولية الجديدة على إيران، والتي طالت شبكات الحرس الثوري، قنوات الدعم العسكري للحوثيين، لا سيما في التمويل والتقنيات المرتبطة بالصواريخ والطائرات المسيَّرة، كما أدى الانهيار الواسع لقدرات حزب الله العسكرية بعد الضربات الإسرائيلية إلى تقليص دوره كجهة داعمة في التدريب والتطوير التسليحي. هذا التراجع لا يعني انقطاع الدعم، لكنه يعكس تضاؤل قدرة طهران على الاستثمار في الساحة اليمنية مقارنة بالسنوات الماضية، وهو ما قد ينعكس على الأداء القتالي للجماعة وعلى تماسك قيادتها الميدانية.

(*) تمديد العقوبات وتوسع العزلة الدولية: يأتي قرار مجلس الأمن بتمديد العقوبات لعام جديد في لحظة بالغة الحساسية بالنسبة للحوثيين. إذ لم يعد المجتمع الدولي يتعامل معهم كقوة تملك حرية الحركة، بل كجهة تمثل تهديدًا مباشرًا لأمن الملاحة الدولية. هذا التشدد الدولي يفتح الباب أمام إعادة فتح ملف تصنيف الجماعة كمنظمة إرهابية، ويعيد خلط أوراق المشهد السياسي اليمني، خصوصًا أن القوى الدولية باتت أكثر قناعة بأن الجماعة لم تعد قادرة على لعب دور سياسي مستقر في ظل هشاشتها المتزايدة.

تصدعات داخلية وتآكل بنيوي في الجماعة

(*) خسائر قيادية غير مسبوقة: مثّل استهداف إسرائيل لعدد من كبار قادة الحوثيين في صنعاء في أغسطس 2025 نقطة تحول خطيرة في بنية القيادة، فقد أعلنت الجماعة مقتل أحمد الرهوي رئيس "حكومة الإنقاذ"، ومحمد عبد الكريم العماري رئيس هيئة الأركان، وهاشم شرف الدين وزير الإعلام، وحسن الصعدي وزير الشؤون الاجتماعية، إضافة إلى قتلى آخرين من مسؤولي الوزارات، وإصابات في صفوف قيادات الصف الأول. هذا الاستهداف كشف اختراقًا أمنيًا عميقًا داخل دوائر الحوثيين، وأظهر أن الإجراءات الأمنية التقليدية (إيقاف الهواتف، التنقل السري، تغيير مواقع الاجتماعات) لم تعد قادرة على حماية قيادة الجماعة.

(*) بروز الانشقاقات العسكرية: شكّل إعلان العميد صلاح الصلاحي، قائد اللواء العاشر "صماد"، انشقاقه في أكتوبر 2025 مؤشرًا مهمًا على بداية تآكل الهياكل العسكرية. فاللواء يُعد أحد أذرع الجماعة القتالية الرئيسية، وانشقاق قائده إلى قوات الحكومة يمثل تراجعًا إستراتيجيًا لا يتعلق بالأبعاد العسكرية فقط، بل يعكس أيضًا انقسامات في القناعة السياسية داخل الحركة.

(*) احتقان شعبي متزايد: تزايدت الشكاوى في صنعاء وذمار وعمران من سياسات الجماعة المتعلقة بالضرائب، ونهب الممتلكات، والتحكم الأمني المشدد في الأحياء، وغياب الرواتب، واستحواذ قيادات السلالة على المناصب والخدمات، وفرض الجبايات الموسمية. هذا الغضب، دفع الجماعة للقيام بحملات اعتقال واسعة في نوفمبر في صنعاء وذمار لإسكات الأصوات المنتقدة. كما كشفت حملة إلكترونية قادتها منصة "واعي" عن وجود رغبة شعبية متصاعدة لفضح انتهاكات الحوثيين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتم بالفعل إغلاق عشرات الحسابات التابعة للجماعة.

(*) تآكل القدرة الاقتصادية والعسكرية: خسرت الجماعة جزءًا من مصادر تمويلها بسبب القيود على الموانئ، ووقف الهجمات في البحر الأحمر، وتشديد الرقابة الدولية. كما أدى الضغط الدولي إلى حصار خطوط الإمداد الفني والتسليحي، ما جعل الجماعة تعتمد بصورة أكبر على الجبايات الداخلية، الأمر الذي زاد من الاحتقان الشعبي.

سيناريوهات محتملة

تُظهر التطورات الأخيرة أن الجماعة تواجه لحظة حرجة قد تعيد صياغة مستقبلها السياسي والعسكري. فبين الضغط الدولي وتقليص الدعم الإيراني، وتراجع دور حزب الله، والانشقاقات الداخلية، والغضب الشعبي، تبدو حركة الحوثيين أمام ثلاثة مسارات رئيسية:

(*) الاستمرار كسلطة أمر واقع: وهو سيناريو مرجح على المدى القريب، إذ ما زالت الجماعة تحتفظ بسيطرة فعلية على الشمال، وتستفيد من هشاشة الدولة اليمنية وتعدد القوى المسلحة المنافسة.

(*) الدخول في تسوية سياسية: قد تدفع التطورات الإقليمية الجارية نحو إعادة إحياء مسار التفاوض، ومنح الجماعة وضعًا سياسيًا مقابل تنازلات أمنية وتفكيك جزء من قدراتها النوعية.

(*) الانهيار التدريجي: وهو سيناريو مشروط بتكثيف الضغوط الدولية، وتزايد الانشقاقات، وارتفاع مستوى الغضب الشعبي، مع استمرار فقدان الجماعة مواردها الأمنية والعسكرية.

في المحصلة، يبدو أن مستقبل الحوثيين لم يعد مرتبطًا بقوتهم الذاتية بقدر ارتباطه بشبكة التحولات الإقليمية والدولية التي تضيّق هامش مناورتهم. ومع استمرار التآكل الداخلي، قد تجد الجماعة نفسها مضطرة للعودة إلى طاولة المفاوضات، أو مواجهة احتمال تراجع وجودها كقوة مهيمنة في شمال اليمن خلال السنوات القادمة.