على الرغم من مركزية قضية الحرب على غزة في فعاليات القمة العربية ببغداد، فإن قضايا دولة اليمن، فرضت حضورها بقوة على كلمات بعض المتحدثين.
وبقراءة وتحليل كلمات الحضور من القادة العرب ورؤساء الوفود، وجدنا اهتمامًا ملحوظًا بالواقع اليمني وتحدياته، ما دفعنا لطرح سؤال: ما حدود اهتمام القمة 34 في بغداد بالداخل اليمني وانعكاساته الأمنية والإقليمية؟
مطالب يمنية:
حمل رشاد العليمي، رئيس مجلس القيادة الرئاسي في اليمن، وممثل الدولة في قمة بغداد، حزمة من الرسائل والمطالب، هي:
(*) دعم الشعب اليمني في مواجهة المشروع الحوثي المهدد للسلم والأمن الدوليين: فقد قال "العليمي" في كلمته أمام القادة العرب، إن "الشعب اليمني عازم على إنهاء المعاناة، وإسقاط المشروع الحوثي وأجندته العابرة للحدود، وأن جماعة الحوثي، لم تدع جرمًا إلا واقترفته، من استهداف الموانئ، والمطارات، وتفجير المنازل، والمساجد، وزراعة الألغام، وتجنيد الأطفال، وتجريف الهوية الوطنية، وأن مشروع هذه الجماعة ليس مشروع سلام أو مجرد خطر مؤقت، وإنما تهديد دائم للسلم والأمن الدوليين".
(*) تنفيذ قرارات الجامعة العربية في شأن الحوثيين: فقد طالبت الحكومة الشرعية من قمة بغداد، التنفيذ الصارم لقرار مجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين بتصنيف الميليشيات الحوثية منظمة إرهابية أجنبية.
(*) إغاثة دول النزاعات وتأمين أمن الملاحة في البحر الأحمر: وطالبت القمة العربية بإطلاق المبادرات الجماعية لإغاثة الشعوب المنكوبة بالحروب والنزاعات، ودعم فرص تعافيها الاقتصادي، وإعادة بناء مؤسساتها المدمرة باعتباره السبيل الأمثل لمكافحة الإرهاب، إلى جانب اتخاذ موقف عربي جماعي يضمن أمن الملاحة في البحر الأحمر، وإنهاء حكم الميليشيات في اليمن لأنها أصبحت تشكل تهديدًا عابرًا للحدود.
القضايا اليمنية في كلمات القادة العرب:
عدد من القضايا اليمنية تطرق لها بعض القادة العرب ورؤساء الوفود في كلماتهم، سواء كانت مدرجة على جدول أعمال القمة أو غير مدرجة، هي كالتالي:
(&) وحدة اليمن واستقرار مؤسساته: استحوذت قضية الصراع بين المكونات العسكرية والقبلية في اليمن على اهتمام بعض الزعماء والقادة العرب، فقد أكد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، أهمية استعادة اليمن توازنه واستقراره عبر تسوية شاملة تنهي الأزمة الإنسانية من جهة وتحفظ وحدة اليمن ومؤسساته الشرعية من الجهة الأخرى. يذكر أن دولة اليمن لم تشهد استقرارًا منذ عام 2011، ولم يطرأ أي تغيّر على خارطة السيطرة الميدانية حتى تاريخه.
(&) ضمان حرية الملاحة في البحر الأحمر: جاءت قضية حماية وحرية الملاحة في البحر الأحمر، ثاني القضايا التي تم إثارتها خلال فعاليات القمة العربية الـ34، فقد أكد الرئيس المصري، خلال كلمته، ضرورة عودة حركة الملاحة في مضيق باب المندب والبحر الأحمر إلى طبيعتها.
وأكد عادل الجبير، وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية، رئيس وفد المملكة العربية السعودية، في كلمة بلاده، أن أمن الممرات البحرية، وسلامتها، وحرية الملاحة فيها تعد مطلبًا دوليًا لتعلقها بمصالح العالم أجمع، مشيرًا في كلمته إلى مواصلة السعودية جهودها في تحقيق الأمن والاستقرار، ودعم العملية السياسية في اليمن.
يذكر أن جماعة أنصار الله الحوثية، قامت في 19 نوفمبر 2023 باستهداف السفن المرتبطة بإسرائيل في البحر الأحمر وبحر العرب ومضيق باب المندب وخليج عدن، بالصواريخ والطائرات المسيّرة، ردًا على قيام إسرائيل بحربها على غزة عقب عملية "طوفان الأقصى" في أكتوبر 2023. وأعلن الحوثيون أنهم استهدفوا نحو 170 سفينة خلال الفترة الممتدة من نوفمبر 2023 حتى أغسطس 2024، من بينها سفن تابعة لـ"45 شركة منتهكة قرار حظر وصول السفن إلى موانئ فلسطين المحتلة".
(&) الوصول لتسوية بين الأطراف اليمنية وفقًا للمبادرة الخليجية: مثّلت ضرورة الوصول لتسوية سياسية بين الأطراف اليمنية، ثالث القضايا المهمة التي كانت حاضرة في القمة العربية في بغداد، وعامرة بمرجعياتها السابقة، التي تم التأكيد عليها وفقًا للمبادرة الخليجية التي وقعتها وارتضت بها جميع الأطراف اليمنية عدا جماعة أنصار الله الحوثية بوساطة سعودية في العام 2012، ومخرجات الحوار الوطني اليمني، وقرار مجلس الأمن رقم 2216. وأكدت الجامعة العربية أنه لا سبيل لتحقيق هذه التسوية السياسية إلا من خلال هذه المرجعيات.
في النهاية، يمكن القول إنه بالتوازي مع ما شملته بعض كلمات القادة العرب ورؤساء الوفود، حرص البيان الختامي للقمة على شموله القضايا اليمنية الراهنة، حيث أكد البيان الدعم الثابت لمجلس القيادة برئاسة رشاد العليمي، ومساندة الجامعة العربية للجهود الحكومية الرامية إلى تحقيق المصالحة الوطنية بين المكونات اليمنية المختلفة، هذا بالإضافة إلى تأييد الجامعة العربية للمساعي الأممية والإقليمية التي تسعى لحل سياسي للأزمة اليمنية وفقًا لمرجعيات المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية، ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل، وقرار مجلس الأمن رقم 2216.
وعلى الرغم من إشارة البند (34) من البيان الختامي إلى الدور الذي قامت به سلطنة عمان في التواصل لاتفاق سلام بين الحوثيين والولايات المتحدة الأمريكية، والذي ينعكس أثره على تسهيل حركة الملاحة البحرية في البحر الأحمر، فإن البيان الختامي، في المجمل ووفقا لبعض المتابعين، خرج خاليًا من أي قرارات بشأن اليمن سوى التأكيد على ما وصلت إليه وتم طرحه في قمم عربية فائتة. فلم يتطرق البيان إلى الخسائر التي أُلحقت بموانئ ومرافق الدولة اليمنية جراء أفعال الحوثيين، كذلك لم يتحدث عن مشروع تسوية مستقبلية واضحة في اليمن.