لم يُنفذ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تهديده بفرض رسوم جمركية إضافية بنسبة 10% على الواردات الكندية، رغم مرور أربعة أسابيع على إعلانه وقف المفاوضات التجارية مع كندا، بسبب إعلان تلفزيوني مثير للجدل بثته مقاطعة أونتاريو، خلال نهائيات بطولة البيسبول العالمية، بحسب ما كشفته صحيفة "بوليتيكو" الأمريكية.
إعلان كندي يُشعل أزمة تجارية
اندلعت الأزمة، 25 أكتوبر الماضي، عندما هاجم ترامب عبر منصة "تروث سوشيال" إعلانًا تلفزيونيًا أنفقت عليه مقاطعة أونتاريو نحو 53 مليون دولار، لبثه خلال مباريات فريق تورونتو بلو جايز في تصفيات البيسبول.
واستخدم الإعلان مقتطفات من خطاب إذاعي للرئيس الأسبق رونالد ريجان عام 1987، حول مخاطر الرسوم الجمركية، ما اعتبرته إدارة ترامب "احتيالًا" و"تحريفًا خطيرًا للحقائق".
وعلق ترامب في منشوره: "إن كندا وُضعت في موقف محرج بعد بثها إعلانًا مضللًا استخدم خطاب الرئيس الأسبق رونالد ريجان، حول الرسوم الجمركية"، مؤكدًا أن الإعلان كان يجب أن يُسحب فورًا، لكنه بُث خلال نهائيات البيسبول رغم كونه يحتوي على تحريف للحقائق.
وأعلن ترامب أنه سيزيد التعريفة الجمركية على كندا بنسبة 10% "فوق ما يدفعونه الآن" كعقوبة على هذا "العمل العدائي".
تهديد مُعلق دون تنفيذ
رغم حدة التصريحات، كشفت "بوليتيكو"، أن إدارة ترامب لم ترسل حتى الآن أي وثائق رسمية إلى مصلحة الجمارك وحماية الحدود الأمريكية لتطبيق الرسوم الإضافية، كما لم يتلقَّ المستوردون الأمريكيون أي توجيهات تنظيمية جديدة.
وأكد فلافيو فولبي، رئيس جمعية مصنعي قطع غيار السيارات الكندية، التي تسيطر على أكثر من 90% من إنتاج القطع المستقلة في كندا، أن جمعيته تتابع السجل الفيدرالي والأوامر التنفيذية بشكل دوري دون رصد أي تغييرات حتى الآن.
وأشارت الصحيفة إلى أن هذا التأخير أراح المصدرين الكنديين الذين كانوا يستعدون لأسوأ السيناريوهات، خاصة في قطاعات مثل السيارات، حيث تعبر المكونات الحدود عدة مرات قبل وصولها لشكلها النهائي.
وكانت الرسوم الإضافية تدفع إجمالي التعريفات على السلع الكندية إلى 45%، ما قد يسبب أضرارًا اقتصادية كبيرة.
ونقلت "بوليتيكو" عن مسؤول أمريكي رفيع -طلب عدم الكشف عن هويته- قوله إن الإدارة اختارت تأجيل فرض الرسوم الإضافية، مُفضلة إبقاء التهديد معلقًا كورقة ضغط مع استعداد الجانبين لمفاوضات مستقبلية، مضيفًا: "الكنديون يعرفون ما هو مطروح على الطاولة".
تدخل دبلوماسي وتهدئة مؤقتة
لعب التواصل الدبلوماسي المباشر دورًا محوريًا في تهدئة الأزمة، إذ أشار فولبي إلى أن "تدخلًا شخصيًا من رئيس الوزراء كارني في آسيا، أكتوبر الماضي، ربما ساعد في الأمور".
والتقى ترامب وكارني على هامش قمة التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ في جيونجو بكوريا الجنوبية، أواخر أكتوبر، إذ قال ترامب للصحفيين، إنه أجرى محادثة "لطيفة جدًا" مع كارني الذي "اعتذر عما فعلوه بالإعلان التجاري".
وأكد كارني لاحقًا حقيقة الاعتذار، كاشفًا أنه طلب من حاكم أونتاريو دوج فورد عدم بث الإعلان من الأساس، وتوقفت حكومة أونتاريو بالفعل عن بث الإعلان بعد فترة وجيزة من اندلاع الأزمة.
موقف متشدد رغم التهدئة
رغم التهدئة الظاهرية، واصلت الإدارة الأمريكية انتقاداتها الحادة للإعلان الكندي.
وحذّر السفير الأمريكي لدى كندا بيت هوكسترا، خلال كلمته أمام قادة الأعمال الكنديين في أوتاوا، الأربعاء الماضي، في مؤتمر التصنيع الوطني 2025: "لا تأتوا إلى أمريكا وتبدأوا في بث إعلانات سياسية ممولة حكوميًا، وتتوقعوا عدم وجود عواقب أو رد فعل من الولايات المتحدة وإدارة ترامب".
وأضاف "هوكسترا" أن المفاوضات التجارية مع كندا ستُستأنف في نهاية المطاف، لكنه حذّر من أن "الأمر لن يكون سهلًا"، دون أن يشير إلى الرسوم الإضافية بنسبة 10% وما إذا كانت لا تزال قيد التنفيذ.
وأكد مسؤول كندي لـ"بوليتيكو"، أنهم لم يتلقوا أي وثائق من الإدارة الأمريكية تتعلق بالرسوم الإضافية.
خلفية النزاع التجاري المستمر
يأتي هذا التوتر في إطار نزاع تجاري أوسع، إذ تربط الولايات المتحدة وكندا اتفاقية تجارة حرة ضمن الاتفاقية الأمريكية المكسيكية الكندية، التي تفاوض عليها ترامب خلال ولايته الأولى.
وفرض الرئيس الأمريكي في وقت سابق من العام الجاري، رسومًا جمركية على الواردات الكندية، مستشهدًا بدور كندا المزعوم في تدفق الفنتانيل إلى الولايات المتحدة، كما فرض رسومًا بنسب عالية على قطاعات مختلفة تشمل الصلب والألمنيوم والسيارات والأخشاب.
مع ذلك، أعفت الإدارة الشحنات التي تستوفي شروط الاتفاقية التجارية، وتغطي الغالبية العظمى من السلع المصدرة حاليًا من كندا إلى أمريكا.
وأبدى كارني وترامب تفاؤلًا بشأن حالة المحادثات لخفض تلك الرسوم عندما زار رئيس الوزراءـ البيت الأبيض أكتوبر الماضي، لكن مسؤولين أمريكيين اشتكوا سرًا من أن حكومة كارني تُبطئ المفاوضات وترفض تقديم تنازلات، مع انزعاج خاص من الجهود الكندية لتأمين إعفاءات من رسوم الصلب والألمنيوم.
الموقف الكندي
من جانبه؛ أعلن وزير التجارة الكندية الأمريكية دومينيك لوبلان، في تصريحات للصحفيين بمونتريال، الأسبوع الماضي، استعداده للعودة إلى طاولة المفاوضات عندما يكون ترامب مستعدًا، من أجل التوصل لاتفاق جيد للعمال الكنديين والأمريكيين على حد سواء.
وقال "لوبلان" بنبرة حازمة: "نحن مستعدون وراغبون في القيام بهذا العمل، لكننا لن نظل ننتظر وننظر إلى هواتفنا ونرفع صوت الإشعارات للتأكد من أننا لا نفوت اتصال لأن شخصًا ما أرسل لنا رسالة نصية في التاسعة والنصف ليلًا"، في إشارة واضحة إلى أسلوب ترامب في إدارة المفاوضات عبر التصريحات المفاجئة والتواصل غير التقليدي.