الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

تراجع أوروبي.. "أصول روسيا" تكشف شكوكا متزايدة في انتصار أوكرانيا

  • مشاركة :
post-title
قادة أوروبا خلال لقاء ترامب

القاهرة الإخبارية - مازن إسلام

في ظل تواصل الهجمات الروسية تستعد أوكرانيا لشتاء آخر من الحرب، وتجد أوروبا نفسها في مأزق سياسي وإستراتيجي فقد بات الاتحاد الأوروبي عاجزًا عن اتخاذ قرار يبدو في ظاهره بسيطًا وهو استخدام 140 مليار يورو من الأصول الروسية المجمدة لدعم كييف.

ورغم أن التبريرات الرسمية تركز على الحذر القانوني والمخاطر المالية، فإن واقعًا أكثر حساسية بدأ يظهر بين السطور وهو أن بعض قادة أوروبا لم يعودوا مقتنعين بأن أوكرانيا قادرة على الانتصار.

ورغم استمرار الخطابات الداعمة لسيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها، فإن السلوك الإستراتيجي داخل الاتحاد يعكس تحولًا واضحًا، إذ تتجنب دول رئيسية اتخاذ خطوات عالية المخاطر، مثل تحرير الأصول الروسية، وهو ما بات ينظر إليه كاختبار لثقة بروكسل في قدرة كييف على الصمود على المدى الطويل.

خلافات عميقة

تحتفظ بلجيكا بالجزء الأكبر من الأصول، تُقدر بنحو 210 مليارات يورو، لدى مؤسسة "يوروكلير"، وتدرس دول الاتحاد منح هذه الأموال لكييف على شكل قرض لا يُسدَّد إلا إذا دفعت موسكو تعويضات بعد الحرب، لكن بروكسل تشترط ضمانات قانونية جماعية لمواجهة أي دعاوى روسية محتملة، كما تخشى من تأثير القرار على سمعة أوروبا المالية، خصوصًا في نظر دول مثل الصين والهند.

بالتوازي، أعلن رئيس الوزراء السلوفاكي روبرت فيكو، وقف المساعدات العسكرية لأوكرانيا، مؤكدًا أن هدف بلاده "ليس هزيمة روسيا بل إنهاء الحرب سريعًا". 

أما رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، فذهب أبعد عندما قال إن "أوكرانيا لا يمكنها الانتصار عسكريًا".

ورغم أنهما من أكثر القادة قربًا من موسكو، فإن مواقفهما تعبر عن تيار متنامٍ داخل الاتحاد يتبنى قراءة واقعية أكثر منهجية للحرب.

وحتى الدول الداعمة لأوكرانيا مثل فرنسا وألمانيا بدأت تميل إلى مقاربات دبلوماسية، مع طرح مصطلحات من قبيل "توقعات واقعية". 

وفي حين تضغط بولندا ودول البلطيق لتحريك الأصول الروسية فورًا، فإن دولًا مثل إيطاليا وألمانيا وفرنسا تطلب ضمانات إضافية، أو أن تستخدم الأموال حصريًا لشراء أسلحة أوروبية.

الرهان الجيوسياسي

لا تُعد هذه الأصول مجرد قضية مالية، بل رهانًا سياسيًا كبيرًا، فالتحرك لاستخدامها يعني المراهنة على انتصار أوكرانيا، أما التأجيل فيمنح الاتحاد هامش مناورة إذا مالت الكفة لصالح روسيا أو انتهت الحرب بحالة "تجميد" جديدة للنزاع.

وعام 2022، كان دعم أوكرانيا يُقدم باعتباره التزامًا أخلاقيًا. أما اليوم، ومع تزايد الإرهاق الأوروبي من الحرب، فقد بدأ هذا الالتزام يتحول إلى عبء جيوسياسي.

وتزداد الشكوك الأوروبية مع التطورات الميدانية، فمدينة باكروفسك الإستراتيجية تتعرض لضغط روسي متواصل، وتحقق القوات الروسية تقدمًا في هوليايبول في الجنوب، بينما تستنزف البنية التحتية للطاقة الأوكرانية بهجمات المسيّرات.

هذه التطورات تجعل بعض العواصم الأوروبية تتساءل هل يمكن المخاطرة بتعبئة مئات المليارات، بينما مسار الحرب لا يزال غامضًا؟، وهل ستفقد أوروبا ورقة ضغط مهمة إذا استخدمت الأصول الآن دون ضمانات؟

ماذا بعد؟

ويرى مراقبون أن الاتحاد لا يتخلى عن أوكرانيا، لكنه يعيد حساب المخاطر. فالأصول مجمدة لأسباب إستراتيجية؛ وتحريرها مشروط بتحسن الوضع العسكري الأوكراني، أو بقدرة الغرب على انتزاع تنازلات من موسكو في مرحلة لاحقة.

وإذا أحرزت كييف تقدمًا، يمكن تحرير الأموال بسهولة أكبر. أما إذا تقدمت روسيا، فسيرى الاتحاد أنه تجنب مغامرة مالية فاشلة. ومن المتوقع اتخاذ القرار النهائي، ديسمبر المقبل، لكن حتى لو تمت الموافقة، فمن المرجح صرف الأموال على دفعات مرتبطة بتطورات المعركة والاعتبارات السياسية.

وفي كل الأحوال، لا يبدو أن مستقبل أوكرانيا سيتحسن دون تخفيض حدة المواجهة بين روسيا والغرب، وهي مواجهة باتت تحكم كل مسارات الحرب.

ورغم أن أي تسوية مستقبلية لن تكون مثالية، فقد أصبحت المعضلة الآن في أوروبا وأوكرانيا معًا هي اختيار "أقل الخيارات سوءًا" في حرب لم تعد تحمل احتمالات لنهاية مريحة لأي طرف.