على بُعد آلاف الأميال من خطوط المواجهة في أوكرانيا، حيث يتقدم الجيش الروسي بثبات، تواجه القوات الروسية وضعًا كارثيًا محتملًا في دولة مالي الواقعة في غرب إفريقيا مع اقتراب المسلحين الموالين لتنظيم القاعدة من العاصمة.
ووفق ما ذكر تحليل لمجلة "نيوزويك" الأمريكية، فقد صدّ مقاتلو جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" (JNIM) مرارًا وتكرارًا محاولات شنّ هجمات مضادة من قِبل القوات الحكومية وحلفائها من "فيلق إفريقيا" الروسي، وهو خليفة شركة "فاجنر" العسكرية الخاصة التي ترعاها موسكو.
وفي الأسابيع الأخيرة، حاصرت الجماعة التابعة لتنظيم القاعدة العاصمة المالية باماكو، مستهدفةً قوافل الوقود وخطوط الإمداد الحيوية.
يشير التحليل إلى أن الحكومة التي يقودها الجيش، والتي أخرجت القوات الفرنسية، ثم بدأت التعاون مع موسكو قبل ثلاث سنوات فقط، تتعرض الآن لضغوط متزايدة يخشى البعض أن تؤدي إلى انهيار كامل للدولة، "مما يمنح تنظيم القاعدة نصرًا تاريخيًا ويوجه ضربة مدمرة لمنطقة تتعامل مع العديد من التمردات المتزامنة من قبل الفصائل المتشددة، بما في ذلك مختلف الجماعات التابعة لتنظيم (داعش)".
وفي حين أن مصير سكان مالي البالغ عددهم 25 مليون نسمة، والذين يتركز معظمهم في الجنوب الذي لا يزال تحت سيطرة الحكومة إلى حد كبير، معلق في الميزان، يزعم البعض أن الوقت قد حان لروسيا لاستخدام قوتها الدبلوماسية حيث فشلت الجهود العسكرية، أو المخاطرة بنوع السيناريو الذي حدث قبل ما يقرب من عام في سوريا، حيث أطاحت الفصائل المسلحة بالحكومة المدعومة من موسكو في دمشق.
فيلق إفريقيا
قبل انقلابي عامي 2020 و2021 اللذين أوصلا الرئيس أسيمي جويتا إلى السلطة، اعتمدت مالي بشكل كبير على فرنسا، مستعمرها السابق، للمساعدة في مكافحة المتشددين الذين برزوا في خضم تمرد الطوارق عام 2012، والذي لا يزال يسيطر على أجزاء كبيرة من الشمال.
وبالفعل، حقق التدخل الفرنسي، بدعم من عدد من الدول الأوروبية والإفريقية، نجاحات مبكرة، مع استعادة المدن الرئيسية، إلا أن الإحباط والتعب من الفشل في دحر تمرد متجذر أججا السخط الشعبي، مما أدى إلى طرد البعثة عام 2022.
في الوقت نفسه، عززت حكومة جويتا علاقاتها مع روسيا؛ مما أدى إلى نشر مقاتلي "فاجنر" لدعم المجهود الحربي. وتوافق هذا التطور مع موجة من ردود الفعل الرافضة للوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل، حيث أوصلت الانقلابات قادة عسكريين إلى السلطة في بوركينا فاسو في سبتمبر 2022، وفي النيجر في يوليو 2023، مما أدى إلى تأسيس تحالف دول الساحل بين الدول الثلاث في سبتمبر 2023.
في العام نفسه، شهدت مجموعة "فاجنر" انتفاضةً مع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية. في يونيو 2023، نظّم زعيم المجموعة، يفجيني بريجوجين -الذي لطالما اعتُبر مقرّبًا من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين- مسيرةً تمرديةً نحو موسكو احتجاجًا على القيادة العسكرية الروسية، لكن لم يستمر التمرد سوى يوم واحد حتى أوقفه بريجوجين بموجب اتفاق توسطت فيه بيلاروسيا.
بعد شهرين، توفي بريجوزجن عندما تحطمت طائرته أثناء سفره في روسيا، وأُعيد تنظيم "فاجنر" بقيادة الدولة، ونُقلت معظم العمليات في القارة إلى "فيلق إفريقيا" المُنشأ حديثًا.
عدو صامد
في حين تستمر الحرب الروسية الأوكرانية، يبدو الكرملين، الذي تدعمه التطورات التدريجية والإنجازات الأخيرة على الخطوط الأمامية في الشرق، واثقًا من قدرته المستمرة على فرض قوته في الخارج، وخاصة في إفريقيا.
وبحلول شهر يوليو، قدّرت الاستخبارات البريطانية (MI6) أنه تم نشر نحو 2000 فرد من "فيلق إفريقيا" في مالي، مسلحين بأكثر من 100 قطعة من المعدات القتالية الرئيسية، بما في ذلك الدبابات القتالية الرئيسية، وأنظمة إطلاق الصواريخ المتعددة، والطائرات القاذفة التكتيكية، مما يزيد بشكل كبير من القوة النارية المتاحة للقوات الروسية في البلاد.
في الوقت نفسه، أصدرت الحكومة المالية اعترافًا نادرًا بـ"خسائر فادحة" عقب معركة استمرت يومين، وشاركت فيها القوات المالية وشركات عسكرية روسية خاصة من جهة، والانفصاليون الطوارق و"جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" من جهة أخرى. وزعمت الجماعة أنها قتلت ما يصل إلى 50 روسيًا و10 جنود ماليين في القتال.
وحسب التحليل، "ثبت أن مثل هذه الأحداث تشكل اختبارًا لشراكة روسيا مع مالي والجهود المستمرة للاستفادة من الشكوك تجاه الغرب لتأمين نفوذ أكبر في جميع أنحاء إفريقيا".
وأشار هيني نصايبة، المحلل البارز لشؤون غرب إفريقيا في مرصد بيانات مواقع الأحداث والصراعات المسلحة (ACLED)، إلى أن الجماعة "جمعت بشكل فعال بين حرب العصابات ومجموعة واسعة من التكتيكات، بما في ذلك استخدام الطائرات بدون طيار المسلحة".