في 31 يوليو 2022، قتلت غارة أمريكية بطائرة مسيّرة زعيم تنظيم "القاعدة" الإرهابي أيمن الظواهري في دار ضيافة لطالبان بكابول، وبعد مرور عام، لم تعلن القاعدة بعد بشكل رسمي، عن خليفة للظواهري، وبحسب مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، فإن عدم إعلان "القاعدة" عن زعيمها الجديد جعل ذلك من الصعب على المجموعة الأساسية أن تطالب بقيادة الجماعات الجهادية العالمية أو حتى أن تظل لاعبًا مهمًا إقليميًا أو دوليًا.
ضربات متلاحقة واختفاء
وتابعت المجلة أن "القاعدة"، والمجموعة الأوسع من الجماعات التابعة التي تدعي قيادتها، والحركة الجهادية ككل، عانت جميعها من ضربات متكررة في السنوات الأخيرة، ما قلل من التهديد الذي تتعرض له الولايات المتحدة وحلفاؤها، وبالنسبة لتنظيم إرهابي نجح في بث الخوف في قلوب وعقول ملايين الأمريكيين بعد 11 سبتمبر 2001، وتسبب في إثارة ما يسمى بالحرب العالمية على الإرهاب، التي أعادت توجيه السياسة الخارجية للولايات المتحدة بشكل كبير على مدى عقدين من الزمن، فقد اختفى تنظيم القاعدة تمامًا من كليهما، وخلت عناوين الأخبار اليومية ومحادثات السياسة الخارجية الأوسع في واشنطن هذه الأيام من ذكر خطر التنظيم الإرهابي بشكل لافت للنظر.
تراجع التنظيم وقدراته أيديولوجيًا
ويبين عدد الهجمات الإرهابية القاتلة في الولايات المتحدة منذ 11 سبتمبر إلى تراجع التنظيم في كل من القدرات والتأثير الأيديولوجي، ووفقًا لبيانات من مؤسسة أمريكا الجديدة، قتل الإرهابيون التابعون للتنظيم 107 أمريكيين على الأراضي الأمريكية منذ 11 سبتمبر، مقارنة بـ130 قتلوا على يد إرهابيين آخرين، كان آخر هجوم جهادي كبير قبل أربع سنوات، عندما هاجم عنصر تابع للتنظيم ثلاثة بحارة في قاعدة بينساكولا الجوية البحرية بولاية فلوريدا في عام 2019، وكان هجوم بينساكولا الوحيد الذي نفذه التنظيم على الأراضي الأمريكية، منذ هجمات 11 سبتمبر 2001، فيما شملت الجماعات الإرهابية الأخرى جهاديين استلهموا أفكارهم من "القاعدة" أو فرعها السابق "داعش" الذي تحول إلى منافس، لكن لم يكن لديهم اتصال وثيق بالجماعات نفسها.
انخفاض وتيرة الهجمات
وأوضحت المجلة أن التنظيم الذي قاده الظواهري لم يوجه هجومًا على الولايات المتحدة منذ 11 سبتمبر، وبعد سلسلة من الهجمات الدموية في أوروبا، لم يشن هجومًا هناك منذ هجمات لندن عام 2005، قبل 20 عامًا تقريبًا، بينما حققت تنظيمات إرهابية أخرى نجاحًا أكبر، مثل هجوم عام 2015 على رسامي كاريكاتير مجلة شارلي إيبدو الفرنسية، لكن وتيرة عملياتهم انخفضت أيضًا في السنوات الأخيرة، بعد ما نفذ تنظيم "داعش" هجمات أكثر من تلك التابعة لتنظيم القاعدة، بما في ذلك عمليات إطلاق نار وتفجيرات انتحارية في باريس وبروكسل في عامي 2015 و 2016 على التوالي، لكن نمط التراجع في أوروبا لا يزال واضحًا.
التنظيمات الإرهابية منهكة بسبب انحسار التمويل
وأوضحت المجلة أن الجماعات والتنظيمات الإرهابية التي كانت قوية في السابق مثل القاعدة، وكذلك الجماعات المرتبطة بالقاعدة في الفلبين وسوريا ودول أخرى، عانت من خسائر قيادية عديدة وانقسامات داخلية ومشكلات أخرى تسببت في إنهاكها، ما جعل من الصعب عليهم شن هجمات خارجية بالوتيرة نفسها، وصحيح أن قياس الدعم الإجمالي للتنظيمات الإرهابية أمر صعب، لكن المقاتلين الأجانب لم يعودوا يتدفقون على أماكن مثل أفغانستان والعراق وسوريا، حيث كان تنظيما داعش والقاعدة في السابق في صعود وأصبحا الآن أضعف بكثير، لكن الصورة أفضل للتنظيمات الجهادية، في إفريقيا، إذ تظهر منظمات جهادية جديدة، وتزدهر مجموعات قوية مثل حركة الشباب في الصومال، لكن التراجع في دعم الإرهاب واضح في معظم أنحاء العالم.
اقتتال داخلي أضعف "القاعدة" و"داعش"
يعود جزء من هذا الضعف إلى الحرب الأهلية، بحسب المجلة الأمريكية، التي اندلعت في عام 2013 داخل الحركة الإرهابية العالمية بين "القاعدة" وفرعها الناشئ، "داعش" في العديد من البلدان الإسلامية، إذ شنت القاعدة وحلفاؤها حربًا مباشرة ضد تنظيم "داعش" المنافس وما يسمى بـ"أقاليم داعش"، واليوم في أفغانستان، يخوض حلفاء "القاعدة" معركة دموية مع تنظيم "داعش"، وبالإضافة إلى التأثير الملموس الذي أحدثه عدد القتلى على قدرات جميع المعنيين، فقد أدى هذا الاقتتال الداخلي أيضًا إلى إضعاف كلتا الحركتين.
عنف وإرهاب محليان
من جهة أخرى تبدو الحركة الجهادية غير موحدة، إذ تركز معظم الجماعات، من مالي إلى نيجيريا إلى أفغانستان، الآن على الحرب الأهلية المحلية أو التمرد الذي يقاتلون فيه، ويمكن لبعض الجماعات الجهادية، مثل تلك الموجودة في غرب إفريقيا، أن تشن هجومًا إرهابيًا على الغرب إذا بذلت جهدًا لكنها تركز في مكان آخر، فأساليب الإرهاب والعنف الخاصة بهم موجهة الآن نحو بلدانهم وجيرانهم، حيث يموت الآلاف، وكثير منهم مسلمون، بسبب الهجمات الإرهابية والحروب الأهلية التي تشارك فيها الجماعات الجهادية.
أقل من 200 مقاتل
كما أدت حملة مكافحة الإرهاب المستمرة ضد القاعدة والجماعات التابعة لها، وكذلك تنظيم "داعش" وأجزاء أخرى من الحركة، إلى خسائر فادحة، فقد أدت الضربات الأمريكية بطائرات بدون طيار إلى تدمير الصفوف الكبرى من قادة القاعدة والقادة المنتسبين وغيرهم من الشخصيات الجهادية، وحتى عندما يحاولون الاختباء في مناطق نائية من باكستان والصومال واليمن، واليوم لدى تنظيم القاعدة الأساسي أقل من 200 مقاتل، بحسب وكالة استخبارات الدفاع الأمريكية.
حروب داخلية
وبحسب المجلة الامريكية، أثبتت الحملة ضد تنظيم "داعش" الإرهابي أيضًا نجاحها، ففي ذروة ما يسمى بخلافة "داعش" في عامي 2014 و2015، حكم التنظيم ملايين الأشخاص وسيطر على أراضٍ في العراق وسوريا بحجم بريطانيا العظمى، لكن بحلول عام 2019، دفع التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة الخلافة تحت الأرض، ولا تزال الجماعة تشن هجمات في العراق وسوريا ولديها الآلاف من المقاتلين هناك، لكن مثل العديد من المنتسبين للقاعدة، يبدو أنها تركز على الحرب الأهلية التي تخوضها، وليس الإرهاب الدولي.
المساعدات العسكرية الأمريكية
واعتبرت المجلة أن التدريب والمساعدة الأمريكية المقدمة للجيوش الأجنبية وقوات الأمن جعلتها أكثر قدرة وأكثر استعدادًا لاستهداف الجماعات الجهادية المحلية، في حين أن هناك حملة استخبارات عالمية مستمرة في تعطيل الخلايا الجهادية في جميع أنحاء العالم، وبسبب هذه المطاردة المستمرة أصبح التواصل بين القادة الجهاديين أمرًا صعبًا وخطيرًا، ما يجعل من الصعب عليهم توجيه الجماعات والعناصر التابعة لها ، كما يزيد من لامركزية الحركة، ومع ضعف الجماعات، تواجه صعوبة في التغلب على إجراءات الفحص الصارمة للمطارات وضوابط السفر، بينما تزيد جهود مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي المكثفة من اكتشاف المؤامرات الإرهابية داخل الولايات المتحدة.