أكد رئيس الوزراء اللبناني الأسبق فؤاد السنيورة، أن تحميل جهة واحدة مسؤولية الأزمة التي يعيشها لبنان اليوم أمر غير واقعي، موضحًا أن ما وصل إليه البلد هو نتيجة مجموعة من العوامل المتداخلة، من بينها سعي "حزب الله" إلى بسط سلطته على البلاد.
وخلال لقاء مع الإعلامي سمير عمر، في برنامج "الجلسة سرية"، على "القاهرة الإخبارية"، شبَّه "السنيورة" لبنان بـ"فيلا يسيطر حزب الله على أسوارها وحدودها، ويدير النظام القائم فيها، بينما تسكن داخلها أحزاب وفئات مختلفة"، مضيفًا أن الحزب "ينسّق مع هذه القوى ويوزّع المكاسب والمصالح بينها، لكن الجميع يقرّ بسلطته التي حلّت محلّ سلطة النظام السوري في الماضي".
وأشار السنيورة إلى أن وجود الحزب المسلح كان مبررًا حتى عام 2000 في إطار مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، معتبرًا أنه "حتى في تلك الفترة، لم أكن مقتنعًا بتلك التبريرات، لكن الظروف حينها فرضت واقعًا معينًا".
مرجعية إيرانية وسقوط الذرائع
لفت السنيورة إلى أن اتفاق الطائف عام 1989 نص صراحة على إنهاء كل القوى المسلحة خارج إطار الدولة، لكن بعد الانسحاب الإسرائيلي عام 2000، "احتكر حزب الله العمل المقاوم وألغى أي محاولات أخرى، وأصبحت مرجعيته واضحة، إيرانية بالكامل، وهذا ليس اتهامًا مني، بل أمر أعلنه (الأمين العام السابق لحزب الله) حسن نصر الله بنفسه في أكثر من مناسبة.. وهكذا، بات النفوذ الإيراني هو الذي يفرض وجوده وسلطته على لبنان".
وعن سبب استمرار السلاح بعد الانسحاب الإسرائيلي، أوضح السنيورة أنه "بعد الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب عام 2000، سقطت الذرائع التي كانت تبرر استمرار سلاح حزب الله في هذا الموقع، عندها جرى اختراع أسباب جديدة، أبرزها حجة مزارع شبعا، بحجة أن الاحتلال لا يزال قائمًا".
وقدَّم السنيورة رؤيته لحسم المسألة عام 2006، التي كانت تنص على إدراج مزارع شبعا ضمن القرار 425 وليس القرار 242 لمجلس الأمن، بحيث تخضع الأراضي لإشراف الأمم المتحدة إلى حين البتّ بملكيتها عبر عملية الترسيم، غير أن هذه المقاربة واجهت معارضة من إسرائيل، والولايات المتحدة، وإيران، وحزب الله، وسوريا. وقال إن الأمريكيين "أدركوا -كالعادة متأخرين- أن هذه القضية كان يجب أن تُحل منذ البداية لسحب الذرائع التي استند إليها حزب الله".
سلاح لم يعد يردع أو يحمي
أكد السنيورة أن "من غير الممكن لأي دولة أن تستقيم أو تنهض في ظل ازدواجية السلطة"، مضيفًا: "كما يُقال (ريسين بالمركب بيغرق) وهذا تمامًا ما يعانيه لبنان اليوم".
واستذكر السنيورة أن حرب 2006 انتهت دون أن تحقق إسرائيل انتصارًا عسكريًا بفضل الصمود والموقف الوطني الموحد، لكنه انتقد ضياع الفرصة، مشيرًا إلى أن "حزب الله" مضى في بناء ترسانة صاروخية ضخمة دون أن يطرح سؤالين أساسيين: كم من هذه الصواريخ يمكن أن تصل فعلًا إلى إسرائيل؟ وماذا سيكون رد فعل إسرائيل على لبنان في حال استخدامها؟
وختم تقييمه للسلاح قائلًا: "هل السلاح الذي يحتفظ به حزب الله قادر فعلًا على ردع إسرائيل؟ هل يحمي لبنان أو حتى عناصر الحزب؟ واضح أن هذا السلاح لم يعد يردع، ولا يحمي الحزب، ولا يحمي لبنان".
أربعة شروط لحصر السلاح
أشار السنيورة إلى أن قرار حصر السلاح بيد الدولة صحيح وسليم، لكنه يحتاج إلى أربعة عناصر أساسية لتنفيذه، تبدأ بـوحدة الحكم والسلطة في لبنان، بموقف موحد من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، ثم "الحزم" أي التمسك الجاد بالقرار.
وأضاف، الحكمة في التعامل بعقلانية مع جمهور "حزب الله" والسعي إلى إقناعهم بالحوار اليومي، لأن "لا خيار أمام الجميع إلا العودة إلى الدولة وبشروطها"، ثم الحنكة في التطبيق لتفادي الأفخاخ التي تعرقل التنفيذ.
واعترف السنيورة بوجود وجهة نظر تقول إن سلاح "حزب الله" كان سببًا في بقاء الحزب آمنًا، لكنه أضاف: "علينا أن نعي أن الأمر لم يعد يتعلق فقط بمصير حزب الله، بل بمصير بلد كامل.. اليوم، المخاطرة لم تعد تخص الحزب وحده، بل تطول كل لبنان".
تسوية الدوحة وشبكة المطار
فيما يتعلق بحادثة تفكيك شبكة الاتصالات الخاصة بـ"حزب الله" في مطار بيروت عام 2008، أوضح السنيورة أن القرار واجه تحديات كبيرة وضغوطًا سياسية داخل الحكومة، مشيرًا إلى أن الحزب كان "همّه الأساسي إسقاط الحكومة وإجهاض فكرة المحكمة الدولية الخاصة باغتيال رفيق الحريري".
وأشار إلى أن هذه الضغوط دفعت الحكومة للجوء لاحقًا إلى تسوية الدوحة في 2008، التي قال إنها أدت إلى نتائج تتعارض مع النظام الديمقراطي البرلماني والدستور اللبناني واتفاق الطائف، إذ "تحولت السيطرة من الأغلبية إلى الأقلية بحيث أصبح لا أحد يحاسب أحدًا".