بعد يومين فقط من قرار الولايات المتحدة رفع اسمه من قائمة "الإرهابيين العالميين"، حطَّ الرئيس السوري أحمد الشرع رحاله في واشنطن، بعد سنوات من العقوبات التي جعلت بلاده في عزلة طويلة، في خطوة اعتبرها مراقبون لشبكة "بي بي سي" البريطانية مؤشرًا على تحول لافت في العلاقة بين دمشق وواشنطن.
وتستعد الإدارة الأمريكية للترحيب برئيسٍ كان حتى وقت قريب من أبرز المطلوبين لديها، بينما تضع الحرب على تنظيم داعش الإرهابي في مقدمة جدول المباحثات مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
زيارة واشنطن
ووصل "الشرع" إلى العاصمة الأمريكية في زيارة رسمية، بعد يومين من إلغاء واشنطن إدراجه على قائمتها السوداء للإرهاب، وفق ما أفادت به وكالة الأنباء السورية الرسمية.
ومن المقرر أن يلتقي الشرع بترامب في البيت الأبيض غدًا الاثنين، بعد مرور 11 شهرًا على الإطاحة بالرئيس السابق بشار الأسد على يد الشرع نفسه وتحالفه.
وقبل ساعات من وصوله إلى واشنطن، أعلنت أجهزة الأمن السورية اعتقال عشرات المشتبه بانتمائهم إلى تنظيم داعش الإرهابي، ووفق المبعوث الأمريكي إلى سوريا توم باراك "يأمل الشرع توقيع اتفاق للانضمام إلى التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد داعش".
ونقلت وكالة "فرانس برس" عن مصدر دبلوماسي في دمشق أن الولايات المتحدة تخطط لإنشاء قاعدة عسكرية في العاصمة السورية "لتنسيق المساعدات الإنسانية ومراقبة التطورات بين سوريا وإسرائيل".
تنظيم داعش
وكان قرار الخارجية الأمريكية رفع اسم الشرع من القائمة السوداء متوقعًا على نطاق واسع، بعد تزايد المؤشرات على تقارب سياسي بين الطرفين، بحسب "بي بي سي".
وصرح المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية تومي بيجوت بأن حكومة الشرع استجابت للمطالب الأمريكية، والتي شملت التعاون في العثور على الأمريكيين المفقودين في سوريا والتخلص من الأسلحة الكيميائية المتبقية، مشيرًا إلى أن هذه الإجراءات جاءت "تقديرًا للتقدم الذي أحرزته القيادة السورية بعد رحيل بشار الأسد".
وأضاف المتحدث أن رفع العقوبات يهدف إلى دعم "الأمن والاستقرار الإقليميين، وتعزيز عملية سياسية شاملة يقودها السوريون ويملكونها"، وأكد أن المرحلة المقبلة ستركِّز على التعاون الثنائي في مكافحة ما تبقى من تنظيم داعش داخل الأراضي السورية.
وأفادت السلطات السورية بأنها اعتقلت71 مشتبهًا بانتمائهم إلى تنظيم داعش الإرهابي، وصادرت أسلحة ومتفجرات، وتشير التقديرات إلى أن هذا الملف سيكون في صدارة المباحثات المرتقبة بين الشرع وترامب في البيت الأبيض، وفق وسائل إعلام أمريكية.
عودة إلى الساحة
منذ توليه السلطة، يسعى الشرع إلى الظهور على الساحة الدولية بعد 13 عامًا من الحرب الأهلية وعقود من العزلة، وفي سبتمبر الماضي، ألقى كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة أعلن فيها أن سوريا "تستعيد مكانها الصحيح بين دول العالم"، داعيًا إلى رفع العقوبات المفروضة عليها.
وفي هذا السياق، صادق مجلس الأمن الدولي في وقت سابق من الأسبوع الجاري على قرار أمريكي يدعم رفع التدابير المفروضة على سوريا، بالتزامن مع استمرار واشنطن في عملية تدريجية لتخفيف العقوبات المفروضة على دمشق وقيادتها الجديدة.
ويوم الجمعة، أزالت الولايات المتحدة اسمي الشرع ووزير داخليته أنس حسن خطاب من السجل الأمريكي الخاص بالأفراد المشتبه في دعمهم للجماعات المتطرفة، ووصفت وزارة الخزانة الأمريكية القرار بأنه "اعتراف بالتقدم الذي أحرزته القيادة السورية في تفكيك بنى التطرف وإعادة الاستقرار".
تحديات داخلية
ورغم التحولات الدبلوماسية، لا تزال سوريا تواجه تحديات داخلية خطيرة، إذ شهدت الأشهر الأخيرة أعمال عنف مميتة بين مقاتلي القبائل البدوية السنية وعناصر من الدروز، ما أثار تساؤلات حول قدرة الحكومة التي تقودها هيئة تحرير الشام على بسط الأمن في بلد أنهكته الحرب لأكثر من عقد.
ويرى مراقبون، وفق "بي بي سي" أن محادثات الشرع وترامب ستكون اختبارًا حقيقيًا لقدرة دمشق على العودة إلى المجتمع الدولي، بعد رحلةٍ طويلة بين القوائم السوداء والصفحات الأولى للصحف العالمية.