أعلنت عائلة ديك تشيني، نائب الرئيس الأمريكي الأسبق، وفاته عن عمر يناهز 84 عامًا، لتطوي صفحة واحد من أكثر الشخصيات السياسية إثارة للجدل في تاريخ الولايات المتحدة الحديث.
وُلد تشيني في نبراسكا عام 1941، وعلى الرغم من تسربه من جامعة ييل وتجنبه الخدمة العسكرية في حرب فيتنام، تمكن من أن يصبح عملاقًا في السياسة الجمهورية، إذ شغل خلال مسيرته مناصب رفيعة بدءًا من مساعد في البيت الأبيض تحت إدارة الرئيس ريتشارد نيكسون، ثم أصغر رئيس لموظفي البيت الأبيض في عهد جيرالد فورد، وعضوًا في الكونجرس خلال حقبة رونالد ريجان، ووزيرًا للدفاع في إدارة جورج بوش الأب، وأخيرًا نائبًا للرئيس جورج بوش الابن، بحسب شبكة "سي إن إن" الإخبارية الأمريكية.
دوره بعد 11 سبتمبر
سيُذكر تشيني بشكل خاص بدوره المحوري في صياغة السياسة الأمريكية عقب هجمات 11 سبتمبر 2001. ففي ذلك اليوم، تولى تشيني زمام الأمور بينما كان الرئيس بوش يُنقل إلى مكان آمن.
وبفضل علاقته الوثيقة بوزير الدفاع آنذاك دونالد رامسفيلد، أصبح أحد أقوى نواب الرئيس في التاريخ الأمريكي، إذ مارس تأثيرًا كبيرًا على الرئيس الأقل خبرة منه.
كتب تشيني لاحقًا أن إدارة بوش كانت "ملزمة بفعل كل ما يلزم للدفاع عن أمريكا"، وهو ما ترجم إلى إرسال القوات الأمريكية إلى أفغانستان لمحاربة طالبان ومطاردة تنظيم القاعدة.
إرث مثير للجدل
لكن مكانة تشيني في التاريخ ستظل مرتبطة أساسًا بقرار غزو العراق عام 2003، إذ كان وزيرًا للدفاع خلال حرب الخليج الأولى (1990-1991). وبعد عقد من الزمن، استند بوش وتشيني في تبريرهما للحرب إلى ادعاءات بأن الرئيس العراقي صدام حسين كان مرتبطًا بتنظيم القاعدة، وبالتالي بهجمات 11 سبتمبر، وأنه يمتلك أسلحة دمار شامل، وفقًا لوسائل إعلام أمريكية.
لكن عندما غزت القوات الأمريكية والتحالف العراق في مارس 2003، لم يكن هناك أي دليل على صحة هذه الاتهامات، والتي ثبت زيفها لاحقًا.
تداعيات كارثية على المنطقة
كانت تداعيات هذا القرار كارثية على الشرق الأوسط بأسره، فبحلول فبراير 2021 بلغ عدد القتلى على يد الجيش الأمريكي "ما لا يقل عن 800,000 شخص بسبب العنف المباشر للحرب في العراق وأفغانستان وسوريا واليمن وباكستان" منذ عام 2001، وفقًا لمعهد واتسون للشؤون الدولية والعامة في جامعة براون.
انتشر العنف كالنار في الهشيم، إذ ساهم الغزو الأمريكي للعراق في زعزعة استقرار المنطقة بأكملها، وأدى إلى ظهور جماعات إرهابية مثل تنظيم داعش.
التعذيب في جوانتانامو
أثار تشيني جدلًا واسعًا بسبب دوره المحوري في وضع سياسات معاملة السجناء فيما يُسمّى "الحرب على الإرهاب"، إذ كان القوة الدافعة وراء إنشاء سياسات الاحتجاز غير القانونية وصياغة التبريرات القانونية لها، حيث ترأس أو حضر اجتماعات عديدة نوقشت فيها عمليات وكالة الاستخبارات المركزية المحددة، بما في ذلك أساليب الاستجواب القاسية التي وصفتها منظمات حقوق الإنسان بالتعذيب.
كما كان تشيني مدافعًا صريحًا عن احتجاز المشتبه بهم في الإرهاب دون محاكمة في معتقل "جوانتانامو" بكوبا.
وتبنّى تشيني مواقف دفاعية متشددة عن السجن، إذ قال إن البديل الوحيد لإنشاء "جوانتانامو" كان قتل المشتبه بهم في الإرهاب، وإن السجناء الـ240 المتبقين في "جوانتانامو" هم "الأسوأ من الأسوأ".
كما دافع بقوة عن عدم إغلاق مركز الاحتجاز، مؤكداً أنه لا يضر بصورة أمريكا في الخارج، وأن السجلّ هناك "جيد بشكل عام".
بل ذهب في مذكّراته إلى وصف معتقل جوانتانامو بأنه منشأة "إنسانية" تقدّم "مستوى رعاية أعلى من العديد من السجون في الدول الأوروبية".
وحتى بعد خروجه من المنصب، واصل تشيني الدفاع الصريح عن استخدام أساليب التعذيب ضد المعتقلين بعد هجمات 11 سبتمبر.
علاقة متوترة مع دونالد ترامب
شهدت علاقة ديك تشيني بالرئيس دونالد ترامب تحولاً من الدعم إلى العداء الشديد، ففي البداية، أيّد تشيني ترامب كمرشح جمهوري في انتخابات 2016 الرئاسية، كما دعم قرار ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني في مايو 2018.
لكن الخلاف بدأ يظهر في مارس 2019 عندما وجّه تشيني انتقادات حادة لسياسة إدارة ترامب الخارجية خلال حدث في معهد أمريكان إنتربرايز، معرباً عن قلقه من أن نهج ترامب يشبه سياسة باراك أوباما أكثر من رونالد ريجان.
تحوّل الخلاف إلى قطيعة كاملة بعد هجوم 6 يناير 2021 على الكونجرس، خاصة بعد أن أصبحت ابنته ليز تشيني من أبرز منتقدي ترامب الجمهوريين.
في أغسطس 2022، ظهر تشيني في إعلان لحملة ابنته الانتخابية قائلاً: "في تاريخ أمتنا الممتد لـ246 عاماً، لم يكن هناك فرد يشكل تهديداً أكبر لجمهوريتنا من دونالد ترامب"، واصفاً إياه بـ"الجبان.
وأضاف تشيني: "لقد حاول سرقة الانتخابات الأخيرة مستخدماً الأكاذيب والعنف ليبقى في السلطة بعد أن رفضه الناخبون".
وفي سبتمبر 2024، أعلن تشيني أنه سيصوت للديمقراطية كامالا هاريس في الانتخابات الرئاسية، مؤكداً أنه "لا يمكن الوثوق بترامب مع السلطة مرة أخرى"، في خطوة غير مسبوقة لنائب رئيس جمهوري سابق.
ردّ ترامب على ذلك بوصف تشيني بأنه "جمهوري بالاسم فقط" وغير ذي صلة، كما هاجمه واصفاً إياه بـ"ملك الحروب اللانهائية وعديمة الجدوى".