كشف صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية عن مساعي رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو لتعديل قانون لجنة التحقيق الرسمية في أحداث 7 أكتوبر، ليُحذف منه البند الذي يمنح اللجنة صلاحية إصدار توصيات شخصية ضد مسؤولين محددين بعد انتهاء عملها.
ووفقًا لمصادر مقربة من نتنياهو، يهدف التعديل إلى أن تقتصر صلاحيات اللجنة على تقديم توصيات مؤسساتية بشأن أجهزة الدولة فقط، دون تحميل الأفراد مسؤولية مباشرة.
ضغوط قضائية
يأتي هذا التحرك في توقيت حرج، إذ ألزمت المحكمة العليا الحكومة بإعلان موقفها من تشكيل لجنة التحقيق قبل منتصف نوفمبر، ما دفع نتنياهو إلى تكثيف مشاوراته خلال الأيام الأخيرة بشأن إنشاء لجنة تحقيق في هجوم السابع من أكتوبر.
ويرى مراقبون إسرائيليون أن سعي نتنياهو لإلغاء البند الخاص بالتوصيات الشخصية "يعكس رغبته في تفادي لجنة قد تُحمله المسؤولية عن الإخفاقات التي سبقت هجوم السابع من أكتوبر".
خطة شاملة لإعادة هيكلة اللجنة
لا تقتصر مساعي نتنياهو على حذف التوصيات الشخصية فحسب، بل تمتد أيضًا إلى تغيير آلية تعيين أعضاء اللجنة، وفق ما كشفته "يديعوت أحرونوت"، إذ يسعى لمنع رئيس المحكمة العليا إسحاق عميت من اختيار أعضاءها منفردًا، ويريد بدلاً من ذلك منح الحكومة صلاحيات أوسع في هذا الشأن.
كما تتضمن التعديلات المقترحة إنشاء آلية جديدة تمكّن الحكومة من تعيين جزء من الأعضاء، فيما يتم تعيين آخرين بالتنسيق مع المعارضة أو الجهاز القضائي، لكن دون منح رئيس المحكمة العليا حق النقض.
ثلاثة مسارات بديلة
بحسب المصادر السياسية المطلعة، يفحص نتنياهو ثلاثة مسارات لإنشاء اللجنة، أولها تعديل القانون القائم، وثانيها سن قانون خاص يعده النائب أرئيل كالنر من حزب الليكود (لكن هذا المسار مجمَّد حاليًا)، وثالثها تشكيل لجنة فحص حكومية تملك صلاحيات لجنة تحقيق رسمية.
وتشير المصادر ذاتها إلى أن نتنياهو "يفضّل المسار الأول لأنه يمنحه شرعية عامة أكبر ويساعده على اجتياز اختبار المحكمة العليا"، لكنه يدرك أن هذه الخطوات قد تواجه معارضة قضائية وجماهيرية شديدة، وربما رفضًا من أحزاب المعارضة التي قد تُمنح دورًا جزئيًا في اختيار أعضاء اللجنة.
رأي مهني مؤيد وسط الجدل
في سياق الجدل الدائر، أوضح المحامي الإسرائيلي دوري كلجسبلاد، الخبير في قضايا لجان التحقيق، أنه يدعم مهنيًا إلغاء التوصيات الشخصية، معتبرًا أن هذه التوصيات "تحرف اهتمام الرأي العام عن جوهر الإخفاقات المؤسسية"، كما أنها تطيل عمل اللجنة وتضعف من شرعيتها العامة لأنها لا تملك قوة إلزام قانونية.
نفي رسمي ورفض معارض حاد
نفى مكتب نتنياهو بشدة ما ورد في تقرير "يديعوت أحرونوت" قائلًا: "هذه أخبار كاذبة تضاف إلى سلسلة من الأكاذيب والمناورات.. رئيس الحكومة لا يبحث حذف بند التوصيات الشخصية، بل يفحص تشكيل لجنة تحقيق خاصة ومتوازنة تملك صلاحيات موسعة، ويتم اختيار أعضائها بتوافق واسع".
في المقابل، ردَّ حزب "معسكر الدولة"، الذي يقوده وزير الدفاع الأسبق بيني جانتس، بحدة قائلًا: "محاولتك يا نتنياهو واضحة ولن تنجح.. لن تُقام لجنة صورية مفصلة على مقاسك للتهرب من المسؤولية.. يجب إنشاء لجنة تحقيق رسمية، وستُقام عاجلاً أم آجلاً، معك أو من دونك".
فيما صرّح رئيس حزب "إسرائيل بيتنا" أفيجدور ليبرمان: "يجب إقامة لجنة تحقيق رسمية وشاملة تحقق مع الجميع دون استثناء، لمعرفة الإخفاقات واستخلاص العبر حتى لا يتكرر هجوم السابع من أكتوبر.. محاولات الالتفاف على القوانين لن تنجح.. من يتحمّل المسؤولية سيدفع الثمن".
كما انتقد نواب آخرون هذه المساعي بشدة، إذ قال النائب فلاديمير بلياك من حزب "هناك مستقبل" إن "نتنياهو يهرب من لجنة التحقيق لأنه يعلم أنه وحكومته مسؤولون عن أكبر هجوم في تاريخ إسرائيل".
بينما أضافت النائبة نعما لازيمي من حزب "الديمقراطيين": "هو الرأس وهو المسؤول، ولهذا يحاول إقرار الجنون التشريعي الراهن.. على الرغم من كل محاولاته، ستُقام لجنة تحقيق رسمية مستقلة".
عائلات الضحايا ترفض "دفن الحقيقة"
أصدر "مجلس أكتوبر"، الذي يمثل عائلات الجنود القتلى في هجوم السابع من أكتوبر، بيانًا شديد اللهجة جاء فيه: "بدلاً من إقامة لجنة تحقيق رسمية بعد مرور عامين على الكارثة لضمان عدم تكرارها، يواصل رئيس الحكومة محاولات التعتيم والتلاعب.. يريد أن يعيّن المحققين بنفسه ويحدد لهم مسبقًا ما يجب أن يكتبوه في تقريرهم.. هذه حرب على مستقبل إسرائيل. لن نسمح بدفن الحقيقة وسنواصل النضال حتى إقامة لجنة تحقيق رسمية كما ينص القانون".