بينما يستعد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، للقاء نظيره الصيني شي جين بينج، لمناقشة التوترات التجارية المتصاعدة، تكشف صحيفة نيويورك تايمز، أن الزعيم الصيني يُخطط لاستغلال هذا اللقاء لتحقيق هدف إستراتيجي أكبر، هو إضعاف الدعم الأمريكي لتايوان.
ورغم إصرار ترامب على التركيز حصريًا على القضايا التجارية، يرى المحللون أن الصين تتبع إستراتيجية محسوبة تبدأ بوقف الحرب التجارية، ثم الانتقال تدريجيًا لمناقشة القضايا الجيوسياسية الكبرى، وعلى رأسها تايوان.
ويقول ديفيد ساكس، الباحث في مجلس العلاقات الخارجية بنيويورك، الذي شارك في إعداد تقييم حول دور تايوان في المفاوضات، إن "الصينيين يرون تسلسلًا معينًا، إذ يريدون نوعًا من بدء تخفيف التصعيد التجاري، ثم فتح ملفات القضايا الجيوسياسية الأكبر، وتايوان محور ذلك".
كما تسعى بكين للحصول على تصريح واضح من ترامب بأن الولايات المتحدة لا تدعم استقلال تايوان، وهو ما سبق أن أكدته إدارات أمريكية سابقة، لكن تأكيده من الرئيس الحالي سيمنح الصين أرضية قوية لمفاوضات مستقبلية.
ويشير "ساكس" إلى أن حصول بكين على تصريح من ترامب بأن واشنطن "تعارض" استقلال تايوان سيُمثل مكسبًا أكبر، خاصة بعد أن أزالت وزارة الخارجية في وقت سابق من العام الجاري، عبارة "نحن لا ندعم استقلال تايوان" من صفحة إلكترونية عن الجزيرة، ما أثار احتجاجات صينية شديدة.
مؤشرات التراجع الأمريكي
منذ تولي ترامب منصبه، يناير الماضي، قلصت إدارته بعض التعاملات مع تايوان، التي تعترض عليها بكين بشدة، ما يُغذي التوقعات الصينية بتحول السياسة الأمريكية لصالحها، إذ رفضت واشنطن السماح للرئيس التايواني لاي تشينج تي، بزيارة عابرة لنيويورك، كما خفضت مستوى المحادثات بين المسؤولين الدفاعيين التايوانيين والأمريكيين ونقلتها من واشنطن إلى ألاسكا، وفقًا لما كشفته صحيفة فايننشال تايمز.
تعتقد أماندا شياو، المديرة المسؤولة عن الشؤون الصينية في مجموعة يوراسيا، أن "الصين ترى إمكانية لضعف الالتزامات الأمريكية تجاه تايوان بمرور الوقت، بسبب التحول في ميزان القوى الذي تعتقد أنه يصب بشكل متزايد لصالحها".
انتقادات ترامب لتايوان
تصريحات ترامب المتكررة التي ينتقد فيها تايوان لإنفاقها القليل على جيشها وهيمنتها على إنتاج أشباه الموصلات تمنح بكين فرصة للمناورة، فبينما تعهدت تايوان بإنفاق أكثر من 3% من ناتجها الاقتصادي على الدفاع بحلول العام المقبل، يطالب ترامب ومسؤولوه برفع هذه النسبة إلى 5% أو حتى 10%.
وعلى الرغم من تأرجح الرئيس الأمريكي بين التشكيك في قدرة تايوان على الصمود أمام التهديدات الصينية والتباهي بالقوة العسكرية الأمريكية الطاغية، التي قال عنها الأسبوع الماضي، إنها "الأقوى في العالم بفارق كبير"، فإن هذه التصريحات المتضاربة تخلق حالة من عدم اليقين.
كما يشير روري دانيلز، المدير الإداري لمعهد السياسات في جمعية آسيا، إلى أن "شي جين بينج يحتاج بشكل حاسم إلى أن يتأكد من أن ترامب يفهم الموقف الصيني تجاه تايوان، وأن يطمئن إلى أن الرئيس الأمريكي لن يتخذ أي خطوات مفاجئة بشأن الجزيرة".
ويحسب ترامب أن تبني لغة مماثلة لما استخدمه الرئيس الأسبق بيل كلينتون، عام 1998، حول عدم دعم استقلال تايوان سيجعل بكين أكثر تعاونًا في المفاوضات التجارية، خاصة فيما يتعلق بالضوابط الجديدة على صادرات المعادن النادرة.
طمأنة دبلوماسية
في مواجهة هذه المخاوف، استبعد وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، احتمال تقديم ترامب تنازلات بشأن تايوان مقابل "معاملة تفضيلية" من الصين في القضايا التجارية، مؤكدًا للصحفيين السبت الماضي، خلال وجوده في الشرق الأوسط أن "لا أحد يفكر في ذلك".
من جهته، قلل وزير خارجية تايوان لين تشيا لونج، من المخاوف بشأن ما قد يقوله ترامب عند لقائه مع شي، مؤكدًا للمشرعين التايوانيين الأسبوع الماضي، أن "تايبيه في تواصل وثيق مع الجانب الأمريكي، وتفاعلاتهم مع الصين لن تضر بتايوان".
وتختتم الصحيفة بالإشارة إلى أن اللقاء المرتقب في كوريا الجنوبية يأتي كخطوة تمهيدية لقمة كاملة بين الزعيمين، إذ أعلن ترامب نيته السفر إلى الصين، مطلع العام المقبل، واستضافة شي في الولايات المتحدة، ما يعني أن معركة النفوذ حول تايوان قد تظل محتدمة على طاولات المفاوضات لأشهر مقبلة.