تواجه السلطة الفلسطينية تحديًا وجوديًا في ظل محاولات إسرائيلية وأمريكية؛ لإقصائها عن المشهد السياسي، ولا سيما في قطاع غزة، وسط تحركات عربية بقيادة مصرية لإجهاض هذه المساعي وإعادة السلطة إلى دورها المركزي كـممثّل شرعي للشعب الفلسطيني.
إصلاح السلطة
يرى الدكتور أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية، في حديثه لموقع "القاهرة الإخبارية"، أن السلطة الفلسطينية "ابتعدت كثيرًا عن المشهد الإقليمي، ما جعل الأمور أكثر تعقيدًا"، مؤكدًا أن إصلاحها "بات مطلبًا دوليًا ملحًا".
وأوضح "الرقب" أن "غياب المؤسسات المنتخبة وحل المجلس التشريعي، جعل مقاليد الحكم تتركز في يد الرئيس محمود عباس، الذي ينقل الصلاحيات تدريجيًا إلى نائبه حسين الشيخ"، ما يستدعي، بحسب قوله، "إجراء انتخابات شاملة وعودة الهياكل الطبيعية للسلطة".
الكيان الشرعي
أما الدكتور أحمد فؤاد أنور، الباحث في الشؤون الإسرائيلية، فيرى أن منظمة التحرير الفلسطينية تظل "الكيان الشرعي الوحيد للتعبير عن الشعب الفلسطيني"، لكنها بحاجة إلى إصلاحات داخلية وضم جميع الفصائل تحت مظلتها، مؤكدًا أن "إجراء انتخابات خلال عام واحد أصبح ضرورة سياسية".
ويدعّم هذا الطرح الوزير الفلسطيني السابق سفيان أبو زايدة، الذي شدّد على أن بقاء السلطة الفلسطينية على الخارطة السياسية "مرهون بتمسكها بدورها كممثل شرعي عبر منظمة التحرير الفلسطينية".
الموقف المصري الثابت
يقول أبو زايدة إن حكومة بنيامين نتنياهو وإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تسعيان إلى "إقصاء السلطة من غزة" بحجة عدم استعدادها لتحمل المسؤولية قبل تنفيذ الإصلاحات.
وأشار إلى أن الرئيس عباس أقرّ بهذه الحاجة و"أرسل رسالة إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يتعهد فيها بإجراء الإصلاحات والانتخابات".
لكن في المقابل، يبرز الموقف المصري الثابت الذي يرفض أي تغييب للسلطة، إذ "أصرّ الرئيس عبد الفتاح السيسي على حضور الرئيس عباس قمة شرم الشيخ رغم الاعتراض الأمريكي والإسرائيلي"، مؤكدًا أن القاهرة والأردن ما زالتا تصران على أن "القوات التي ستدخل غزة يجب أن تكون تابعة للسلطة الفلسطينية".
يؤكد "الرقب" أن اجتماع الفصائل الفلسطينية في القاهرة شدّد على "أهمية وجود السلطة الفلسطينية كمرجعية للجنة التكنوقراط"، غير أن حركة فتح غابت عن الاجتماع، ما يعكس استمرار الانقسام الداخلي.
ويرى أن الإسراع في تشكيل اللجنة التكنوقراطية وبدء حضور السلطة في المشهد السياسي يمثلان "مقدمة ضرورية لاستعادة الوحدة الفلسطينية".
الانتخابات طريق الإصلاح
من جانبه، دعا الدكتور أحمد فؤاد أنور إلى "وقف الهجمات الإعلامية المتبادلة بين الفصائل" وبدء مرحلة جديدة من التفاهم الوطني.
وأضاف أن "السلطة مطالبة بتقديم نموذج ناجح في الضفة الغربية المحتلة من خلال انتزاع مكاسب ملموسة من الاحتلال، مثل الإفراج عن الأسرى السياسيين مروان البرغوثي وأحمد سعدات عبر المفاوضات والضغط الدولي"، معتبرًا أن ذلك "سيقنع الشارع الفلسطيني بأن البديل متاح".
حماس جزء من المعادلة
ورأى "أنور" أنه "لا يمكن تهميش حركة حماس"، مؤكدًا أن قوتها العسكرية والمجتمعية تشكل "عامل توازن لا يمكن تجاهله".
وأضاف: "إن منظمة التحرير مطالبة باحتواء الجميع في هذه المرحلة الدقيقة، خصوصًا بعد الخسائر الكبيرة التي تكبدها الاحتلال الإسرائيلي في غزة، والتي أكدت أن المقاومة لا تزال عنصر ضغط فاعل".
يختتم أيمن الرقب حديثه بالتأكيد على أن السلطة الفلسطينية "هي عنوان القضية الفلسطينية"، رغم الحاجة إلى إصلاحها وإجراء انتخابات غابت لأكثر من عقدين.
أما "أنور"، فيربط نجاح أي حل سياسي بـ"الرؤية المصرية الشاملة لإعادة إعمار غزة وتعافيها دون تهجير السكان"، مشيرًا إلى أن "اعتراف 163 دولة بدولة فلسطين يعزز فرص انتزاع حقوق جديدة من الاحتلال".
في حين شدد أبو زايدة على أنه "من المستحيل تجاهل وجود السلطة في أي إدارة مستقبلية لغزة"، مؤكدًا أن "المعادلات الإقليمية المعقدة تجعل من الضروري إعادة بناء السلطة لا تجاوزها".