تسكن فكرة "الجزء الثاني" خيال كثير من صناع السينما، كحلم لتمديد النجاح واستثمار الشعبية، لكنها أحيانًا تتحول إلى مغامرة غير مضمونة النتائج، فبين طموح تكرار التجربة وسقف التوقعات الذي يرتفع مع كل نجاح، يجد الصناع أنفسهم أمام معادلة دقيقة: هل سيحافظ العمل الجديد على بريق الجزء الأول أم يخذلهم الجمهور؟
رغبة الصناعة في إعادة إنتاج ما أحبّه المشاهد تتجدد دائمًا، لكن ما بين الإغراء الفني والمغامرة التجارية تتفاوت النهايات، فبعض الأعمال استطاعت أن تحافظ على وهجها في الأجزاء اللاحقة، بينما أخرى سقطت في فخ المقارنة ففقدت قوتها وتأثيرها.
"هيبتا 2"
فيلم "هيبتا: المناظرة الأخيرة" يأتي كجزء ثانٍ لفيلم "هيبتا" الشهير، مستكملًا الإطار النفسي والعاطفي ذاته الذي لامس قلوب الجمهور في نسخته الأولى، لكنه يفتح الباب أمام قصص جديدة وشخصيات مختلفة تواجه تحديات عاطفية معاصرة.
العمل الذي بدأ عرضه مؤخرًا في دور السينما من إخراج هادي الباجوري، وتأليف محمد صادق الذي كتب الرواية الأصلية، بمشاركة في السيناريو من محمد جلال ونورهان أبو بكر. ويضم نخبة من النجوم بينهم منة شلبي وكريم فهمي ومحمد ممدوح وجيهان الشماشرجي وسلمى أبوضيف وكريم قاسم ومايان السيد وحسن مالك، مع ظهور خاص للفنان هشام ماجد في لقطة مفاجئة تزيد من تشويق الأحداث.
"السلم والثعبان 2"
من الأفلام المنتظرة أيضًا فيلم "السلم والثعبان 2"، المقرر طرحه يوم 11 نوفمبر المقبل، في محاولة لاستعادة روح العمل الرومانسي الأول الذي شكّل علامة بارزة في بدايات الألفية.
الفيلم من بطولة عمرو يوسف وأسماء جلال وظافر العابدين وماجد المصري وسوسن بدر وفدوى عابد وآية سليم، وسيناريو وحوار أحمد حسني، وإخراج طارق العريان، وإنتاج موسى عيسى، ويأمل صناع العمل أن يحمل الجزء الجديد مفاجآت درامية تواكب التحولات الاجتماعية الحالية، مع الحفاظ على خصوصية التجربة الأولى.
"الحريفة".. تجربة نادرة
من الظواهر اللافتة في السينما المصرية مؤخرًا نجاح فيلم "الحريفة" بجزأيه الأول والثاني خلال عام واحد.
الجزء الأول، الذي عُرض في بدايات عام 2024، حقق إيرادات اقتربت من 74 مليون جنيه خلال 17 أسبوعًا، بينما تخطى الجزء الثاني حاجز 127 مليون جنيه في 11 أسبوعًا فقط، ليدخل قائمة أعلى الأفلام تحقيقًا للإيرادات في تاريخ السينما المصرية.
الفيلم من بطولة نور النبوي وأحمد غزي وكزبرة ونور إيهاب ودونا إمام ونورين أبوسعدة وخالد الذهبي وسليم الترك، وتأليف إياد صالح، وإخراج كريم سعد.
تجربة "الحريفة" أثبتت أن الجمهور مستعد لمتابعة الأجزاء المتتالية شرط أن تلمسهم حين تكون القصة جذابة.
"أولاد حريم كريم"
بعد غياب 18 عامًا عن عرض الجزء الأول، قدَّم صناع فيلم "حريم كريم" جزءًا ثانيًا بعنوان "أولاد حريم كريم"، إلا أن النتيجة لم تكن على قدر التوقعات رغم الحماس الكبير الذي صاحب الإعلان عنه.
الفيلم من بطولة مصطفى قمر وداليا البحيري وبسمة وعلا غانم وخالد سرحان، وضم أيضًا نجوم الجيل الجديد تيام مصطفى قمر ورنا رئيس وهنا داود ويوسف عمر وكريم كريم، ومن تأليف زينب عزيز وإخراج علي إدريس.
تدور أحداثه حول قصة حب تجمع بين كريم حسين، الذي يجسده تيام قمر، وآيلا التي تقدمها رنا رئيس، وحين يتقدم للزواج منها يكتشف والدها مصطفى قمر أن العريس هو ابن زميلته السابقة وحبيبته القديمة مها.
المخرج علي إدريس: الأجزاء ليست مضمونة النجاح والجمهور متغير
في حديثه لـ"القاهرة الإخبارية"، كشف المخرج علي إدريس، صاحب فكرة تقديم الجزء الثاني من فيلم "أولاد حريم كريم" مع زوجته الكاتبة زينب عزيز، كواليس التجربة قائلًا: «لم يكن مضمونًا أن ينجح الجزء الثاني لمجرد أن الأول حقق نجاحًا كبيرًا، فالجمهور ليس ثابتًا، وقد يقبل التجربة أو يرفضها.. قررنا خوض المغامرة لأن هناك رغبة من فريق العمل، بما فيهم الفنان الراحل طلعت زكريا، الذي وافق على المشاركة قبل رحيله".
وأضاف: "الفيلم كان من المفترض تقديمه عام 2020، لكن الظروف حالت دون ذلك، كما أن هناك فرقًا زمنيًا كبيرًا بين الجزأين، فالأول عُرض عام 2005، والجمهور تغيّر كثيرًا خلال 18 عامًا، ما أثر بطبيعة الحال على استقبال العمل".
تابع إدريس: "الجزء الأول نجح جماهيريًا سواء في السينما أو على الشاشات الفضائية، أما الجزء الثاني فلم يُعرض بعد على التلفزيون، وربما يتغيّر تقييم الجمهور لاحقًا، أرى أن قوة أي فيلم تكمن في استمراريته مع الأجيال، كما نرى في الأفلام القديمة التي لا تزال تُعرض حتى اليوم".
وأشار أيضًا إلى أن "هناك عوامل كثيرة تتحكم في نجاح أي عمل، منها توقيت العرض، وطبيعة المنافسة في دور السينما، وتقبل الجمهور لفكرة استكمال الحكاية".
طارق الشناوي: النجاح لا يُستنسخ
من جهته، علّق الناقد الفني طارق الشناوي على الظاهرة، موضحًا أن نجاح الجزء الأول لا يعني أبدًا إمكانية تكرار التجربة بنفس المستوى.
وقال في حديثه لـ"القاهرة الإخبارية": "الحالة الدرامية لأي عمل يجب أن تنتهي داخل الجزء الأول منذ لحظة الكتابة، لكن ما يحدث في العادة هو أن صناع الفيلم بعد النجاح الكبير يتخيلون أن بوسعهم استنساخ التجربة".
وأضاف: "أحيانًا أيضًا يعود الممثل بعد سنوات ليعيد تجربة سابقة عندما يشعر أنه فقد بعضًا من بريقه، فيظن أن العودة إلى العمل الذي حقق له الشعبية قد تنقذه من التراجع، لكن هذا نادرًا ما ينجح".
وتابع الشناوي: "المفارقة أن نجاح الجزء الأول يكون أحيانًا سبب فشل الجزء الثاني، لأن الجمهور يضع توقعات مرتفعة جدًا، فإذا لم يلمس نفس القوة أو التأثير يصاب بخيبة أمل".
ورغم ذلك، أكد أنه لا يعارض فكرة التجربة في حد ذاتها: "من حق أي صانع عمل أن يغامر، لكن عليه أن يتحمل النتائج، فكم من أفلام لم يكن عليها أي رهان، لكنها حققت نجاحًا مذهلًا مثل (الجزيرة 2) للمخرج شريف عرفة، الذي لم يكن في خطته تقديم جزء ثانٍ ومع ذلك تفوق نجاحه على الأول".
واستشهد الشناوي بأمثلة على فشل التجارب المتكررة قائلًا: "الجزء السادس من مسلسل ليالي الحلمية مثلًا لم يحقق الصدى المتوقع رغم نجاح الأجزاء السابقة، وهذا يؤكد أن النجاح لا يمكن ضمانه أبدًا".