ترى شبكة "سي إن إن" الأمريكية، أن الارتجال والابتكار أصبحا شعار العمل لكل من الجيشين الروسي والأوكراني، إذ يحاولان التفوق على بعضهما البعض برًا وبحرًا وجوًا.
ولفتت الشبكة إلى عدة تطورات حديثة توضح هذا التطور المستمر للتكتيكات والأسلحة، بما في ذلك قنبلة روسية جديدة تعمل بالطاقة النفاثة، واستخدام أوكرانيا للطائرات الخفيفة كـ"قنابل انتحارية" بعيدة المدى، وجيل جديد من الطائرات المُسيَّرة البحرية.
ويستغل كلا البلدين الذكاء الاصطناعي والروبوتات والأنظمة غير المأهولة بوتيرة عالية، لكن بعض الابتكارات ذات تقنية منخفضة بشكل لافت للنظر.
مع حلول الليل على أحد المطارات الأوكرانية، في وقت سابق من الشهرالجاري، جمعت مجموعة صغيرة من الرجال طائرة خفيفة بدون طيار لمهمة على عمق 2000 كيلومتر (1243 ميلًا) داخل روسيا، كان هدفها في مدينة دزيرجينسك الصناعية الروسية، على بعد نحو 230 ميلًا شرق موسكو، وكانت مربوطة بهيكلها السفلي قنبلة بدائية للغاية.
بعد ساعات من إقلاع الطائرة ذات المحرك الواحد في سماء الليل، تم الإبلاغ عن حريق كبير في مصنع للمتفجرات في "دزيرجينسك" ينتج قذائف للجيش الروسي.
أنشأ البرنامج أحد هواة الطيران الذي يحمل الاسم الرمزي "جورونيتش"، إذ يحوِّل الطائرات ذات المقعد الواحد إلى صواريخ بدائية ولكنها فعَّالة وبعيدة المدى، فبدلًا من مقعد الطيار، يوجد خزان وقود إضافي وبطاريات تشغل أنظمة الملاحة والاتصالات، وفقًا لتقرير صادر عن المنفذ الأوكراني "بابل" وأكدته "سي إن إن".
تم دمج "جورونيتش" ومجموعته الآن في الفوج الرابع عشر من قوات العمليات الخاصة الأوكرانية، الذين تحدثوا مع "سي إن إن" عن عملهم. والأربعاء الماضي، ووفقًا للجيش الأوكراني، شاركوا في هجوم على مصنع ميكانيكي في مدينة سارانسك الروسية، على بعد نحو 800 كيلومتر من الحدود الأوكرانية، حيث يتم تصنيع الصمامات والألغام.
يمثل مشروع "جورونيتش" واحدًا من عشرات التعديلات التي أجراها الجانبان مع استمرار الصراع، خاصة باستخدام الطائرات الخفيفة والطائرات المُسيَّرة.
في سبتمبر، قال رئيس أركان الجيش الأوكراني أولكسندر سيرسكي، إن الطائرات الخفيفة المزودة بمدافع رشاشة أثبتت فعاليتها في اعتراض الطائرات المُسيَّرة الروسية، وأن الجيش سيفكر في شراء المزيد.
بدأ الروس مؤخرًا في نشر طائرات صغيرة مجهزة بمدافع رشاشة في الأراضي التي تسيطر عليها في أوكرانيا لإسقاط الطائرات المُسيَّرة الأوكرانية في طريقها إلى أهداف في روسيا، وكان خطؤهم هو عرض صورها على التلفزيون.
حددت دائرة الأمن الأوكرانية مكان تمركز الطائرات، وقالت الثلاثاء الماضي، إنها "حيَّدت طائرتين صغيرتين كان الروس يضعونهما في المطارات ويستخدمونهما لإسقاط الطائرات المُسيَّرة الأوكرانية بعيدة المدى".
في الأسابيع الأخيرة، بدأت روسيا في نشر قنبلة موجهة جديدة تعمل بالطاقة النفاثة، تم تكييفها من مخزونها الضخم من القنابل القديمة "السقوط الحر"، وفقًا للاستخبارات الدفاعية الأوكرانية.
وقال نائب رئيس الاستخبارات الدفاعية فاديم سكيبتسكي، في بيان: "سيبلغ مدى القتال لمثل هذه القنابل نحو 200 كيلومتر (124 ميلًا)".
كان الروس بدأوا بالفعل في تحويل القنابل التي تعود إلى الحقبة السوفييتية إلى ذخائر انزلاقية بمدى نحو 80 كيلومترًا (50 ميلًا)، ما يسمح للطائرات بإطلاقها مع البقاء بعيدًا عن الدفاعات الجوية الأوكرانية. في يوم واحد فقط من الأسبوع الماضي، تم إطلاق ما يقرب من 300 من هذه القنابل ضد أوكرانيا. ويبلغ المتوسط اليومي ما يزيد قليلًا على 100، وفقًا لهيئة الأركان العامة الأوكرانية.
تم استخدام النسخة الجديدة الأطول مدى –التي يطلق عليها اسم UMPB-5– بالفعل في ضربات ضد خاركيف في شمال شرق أوكرانيا في الأيام الأخيرة، ونشر مدون طيران روسي الاثنين الماضي، أن السلاح "يستخدم بالفعل ضد الأوكرانيين.. والآن سيضعونه في الإنتاج وستشتد الأمور حقًا".
كان الأوكرانيون روادًا في تطوير الطائرات المُسيَّرة البحرية، والتي أثبتت فعاليتها بشكل خاص ضد أسطول روسيا في البحر الأسود. وفي هذا الأسبوع، كشفت دائرة الأمن عن أحدث جيل، وقالت إن إحداها استخدمت في هجوم على الجسر الذي يربط روسيا وشبه جزيرة القرم المحتلة في يونيو.
أضافت: "النماذج المحدثة قادرة على السفر لأكثر من 1500 كيلومتر (932 ميلًا)، ويمكنها حمل ما يصل إلى 2000 كيلوجرام (4409 أرطال) من المتفجرات، ويمكنها أيضًا حمل نظام قاذفة صواريخ متعددة".
في الأيام الأولى للصراع، كان الجيش الأوكراني أكثر مرونة بكثير من القوات الروسية من حيث تكييف التكتيكات والمعدات، ولكن بمرور الوقت قالت محللة الدفاع دارا ماسيكوت: "وحدات روسية ركبت دروعًا واقية على المركبات، وتعلمت أنماطًا جديدة من التمويه، واعتمدت تكتيكات هجوم الوحدات الصغيرة، من بين العديد من التعديلات الأخرى".
كما أنشأت وزارة الدفاع الروسية وحدة نخبة للطائرات المُسيَّرة تسمى "روبيكون"، "والتي تجرب أنواعًا مختلفة من التكتيكات التي تستخدم الآن في توجيه وحدات الطائرات المسيرة الأخرى"، حسبما كتبت ماسيكوت في مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية.
على الرغم من كل ابتكاراتها والزيادة في الإنتاج المحلي للطائرات المُسيَّرة والصواريخ، لا تزال أوكرانيا بحاجة إلى إمدادات مستمرة من الأسلحة من حلفائها، وأكد وابل الصواريخ والطائرات المُسيَّرة الروسية -التي غالبًا ما تكون عدة مئات في ليلة واحدة- مرة أخرى نقصها في الدفاعات الجوية.
تتجه روسيا نحو إنتاج أكثر من 6000 طائرة مُسيَّرة من طراز شاهد شهريًا، حسبما أبلغت الاستخبارات الدفاعية الأوكرانية شبكة "سي إن إن" في سبتمبر.
وهذا، وفق "سي إن إن"، مجرد سبب واحد لرغبة أوكرانيا في صواريخ بعيدة المدى، لنقل الحرب إلى أهداف مثل مصانع الطائرات المسيرة في عمق روسيا، لكن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يقول إنه في الوقت الحالي تقديم صواريخ كروز "توماهوك" أمر غير مطروح.
وتعلق كييف آمالها الآن على أوروبا لتعزيز قدراتها، وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الأربعاء الماضي: "كل من يساعد أوكرانيا الآن بأنظمة الدفاع الجوي والصواريخ الخاصة بها يحمي الأرواح.. وكل من يساعد أوكرانيا بقدرات بعيدة المدى سيقرب نهاية الحرب".
وقال زيلينسكي في اجتماعات مع الحلفاء الأوروبيين الأسبوع الماضي، إنه يتوقع "اتفاقًا جيدًا وجديدًا تمامًا من نواح كثيرة بشأن قدراتنا الدفاعية"، ولكن مع أن معظم خطوط إنتاج الأسلحة تقاس بالسنوات بدلًا من الأشهر، فإن الارتجال السريع له دور مهم في ساحة المعركة.