يبدأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، رحلة آسيوية محفوفة بالمخاطر تمتد لأسبوع كامل، في ظل ترقب دولي للقاء محتمل مع نظيره الصيني شي جين بينج في كوريا الجنوبية، قد يحسم مصير الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم أو يدفع بها نحو مزيد من التصعيد الخطير.
رهان عالي المخاطر على الطاولة الصينية
وصف ستيف بانون، كبير استراتيجيي البيت الأبيض السابق، هذه الرحلة بأنها "واحدة من أخطر الرحلات التي يقوم بها رئيس أمريكي"، مؤكدًا أن "الحزب الشيوعي الصيني أعلن حربًا اقتصادية مفتوحة ضد أمريكا، وهذا ما يسمونه رمية النرد الحديدية"، وفقًا لصحيفة بوليتيكو الأمريكية. إلا أن الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن البيت الأبيض أعلن موعد اللقاء يوم الخميس، فيما لم تؤكد بكين مشاركتها بعد، ما يضع علامات استفهام كبيرة حول مآل المفاوضات.
يحتاج ترامب إلى تراجع صيني عن الإجراءات التصعيدية الأخيرة، خاصة القيود الشاملة على المنتجات التي تحتوي على معادن نادرة صينية، والتي تُعد حيوية لصناعة كل شيء من الهواتف الذكية إلى أجهزة استشعار الطائرات المقاتلة.
في المقابل، يواجه الرئيس الأمريكي ضغوطًا هائلة من الجمهوريين في الولايات الزراعية، حيث يطالب مزارعو فول الصويا الغاضبون من خسارة صادراتهم بفتح الأسواق الصينية مجددًا، بينما تشكو الشركات الأمريكية، وخاصة تجار التجزئة المعتمدين على الواردات الصينية، من ارتفاع الأسعار قبيل موسم الأعياد.
ويتوقع خبراء الصين أن يخفف ترامب وشي التوترات بما يكفي للقاء في كوريا الجنوبية، خصوصًا مع اجتماع وزير الخزانة سكوت بيسنت وممثل التجارة الأمريكية جيميسون جرير مع نائب رئيس الوزراء الصيني هي ليفنج في ماليزيا نهاية الأسبوع. لكن ديريك سيزورز، الباحث في معهد أمريكان إنتربرايز، يرى أن أقصى ما يمكن تحقيقه هو "وقوف ترامب وشي معًا على المسرح قائلين إننا لا نواجه أي مشاكل لفترة من الوقت".
استراتيجية العزل والصفقات البديلة
أوضحت كيت كالوتكيفيتش، المستشارة التجارية البارزة التي عملت مع ترامب في ولايته الأولى، أن الاستراتيجية الأمريكية تهدف أساسًا إلى "عزل الصين"، مشيرة إلى أن "من المرجح أن نشهد إعلان صفقات أخرى قبل لقاء ترامب وشي، تحديدًا لإظهار أن الولايات المتحدة لديها خيارات بديلة".
ويسعى ترامب لتأمين صفقات تجارية جديدة من اقتصادات آسيوية رئيسية، بعضها يعاني من صراعات كبيرة، في إحياء لاستراتيجية سابقة لسحب الاقتصادات الإقليمية من مدار الصين عبر ترتيبات تجارية بديلة.
لكن ليزا توبين، التي شغلت منصب مديرة مجلس الأمن القومي لشؤون الصين خلال إدارة ترامب الأولى وبداية إدارة بايدن، حذّرت من أن "أسوأ سيناريو للولايات المتحدة هو أن يقدم ترامب تنازلات كبيرة" يائسًا لإقناع الصين باستئناف شراء فول الصويا وتخفيف قيود المعادن النادرة، كإزالة ضوابط التصدير على الرقائق ومعدات تصنيع أشباه الموصلات، أو التراجع عن قيود الاستثمار الهادفة لوقف تدفق التقنيات المتقدمة.
حلفاء مترددون وصفقات معلّقة
لا تقتصر التحديات على الصين، إذ يواجه ترامب مفاوضات معقدة مع حليفتيه كوريا الجنوبية واليابان، إذ إن سيول ما زالت تفاوض على صفقتها التجارية، وتعترض على فكرة تسليم 350 مليار دولار من الأموال الحكومية للاستثمار في مشاريع تختارها واشنطن إلى حد كبير، محذّرة من أن هذا الهيكل سيدفعها نحو أزمة مالية.
وتطالب سيول بإعفاءات لصناعة السيارات التي تواجه تعريفة جمركية بنسبة 25%، بينما تحظى شركات السيارات الأوروبية واليابانية بأسعار أقل، حسبما أفادت تامي أوفربي، الشريكة في شركة دي جي إيه غروب المتخصصة في كوريا الجنوبية.
أما في طوكيو، فقد تراجعت رئيسة الوزراء ساناي تاكايتشي عن تحذيرها الشهر الماضي بإعادة النظر في الصفقة إذا رأتها غير عادلة، لكنها تخاطر بانهيار التحالف الهش الذي أنهته يوم الاثنين إذا قدمت تنازلات يمكن لخصومها السياسيين وصفها بالمضرة اقتصاديًا.
ويواجه ترامب ضغوطًا محتملة إذا طالبت تاكايتشي بتفاصيل حول كيفية الوفاء بالتزام سلفها، رئيس الوزراء السابق شيجيرو إيشيبا، باستثمارات بقيمة 550 مليار دولار في مشاريع أمريكية.
نزاع حدودي وآمال سلام معلّقة
في جنوب شرق آسيا، تحاول ماليزيا المضيفة لإحدى القمتين اللتين سيحضرهما ترامب تنظيم حفل سلام يترأسه الرئيس الأمريكي بين كمبوديا وتايلاند، في ظل أن البلدين لم يحلّا نزاعهما الحدودي المستعر الذي تصاعد إلى قتال عنيف في يوليو، فيما زاد دور بكين في تزويد بنوم بنه بالأسلحة المستخدمة في ذلك الصراع من حدة التوترات، وفقًا لـبوليتيكو.
علّق ترامب حضوره لاجتماع آسيان على إشرافه على توقيع سلام احتفالي بين البلدين، لكن مساعيه توقفت رغم رسائل لرئيسي وزراء البلدين.
وبينما احتضنت كمبوديا تدخل ترامب ورشّحته لنوبل للسلام، رفضت تايلاند التدخل الخارجي إلى حد كبير، ووضعت شروطًا يجب على كمبوديا الموافقة عليها قبل سحب قواتها. وقال وزير الدفاع التايلاندي ناثابون ناركفانيت إن "احتمالات التوصل لاتفاق 50-50" قبل اجتماع آسيان.