تعرضت نساء حوامل محتجزات في مراكز الهجرة الأمريكية لانتهاكات صحية خطيرة شملت حالات إجهاض وإهمال طبي متعمد وتقييد بالسلاسل، وفقًا لتقرير صادم أعدته مجموعة من أبرز منظمات الحقوق المدنية في الولايات المتحدة، كما أن الشهادات التي جمعتها المنظمات من أكثر من 12 امرأة تكشف عن واقع مرير داخل مراكز الاحتجاز، إذ يتم تجاهل الحالة الصحية الحرجة للحوامل رغم القوانين والتعليمات التي تحظر ذلك.
أرسل ائتلاف من المنظمات يضم اتحاد الحريات المدنية الأمريكي وفرعه في لويزيانا، والمشروع الوطني للهجرة، ومنظمة روبرت كينيدي لحقوق الإنسان، وغيرها من المؤسسات الحقوقية، تقريرًا موثقًا إلى وكالة الهجرة والجمارك الأمريكية ولجان في مجلس الشيوخ، حسبما نشرت صحيفة "ذا جارديان" البريطانية.
وأكدت الرسالة أن الوكالة تواصل احتجاز نساء حوامل حتى بعد إبلاغ الضباط مباشرة بحملهن، في خرق صريح لتعليماتها الداخلية.
معاناة صحية مروعة
وثقت المنظمات الحقوقية حالات ست نساء محتجزات في مركزين بمدينتي باسيل في ولاية لويزيانا ولومبكين في ولاية جورجيا، وكشفت الشهادات عن نمط متكرر من سوء المعاملة.
من بين هؤلاء النساء، امرأة أُطلق عليها اسم "أليسيا" فُصلت قسرًا عن طفليها عند احتجازها أبريل الماضي بمركز باسيل، لتكتشف داخل المركز، أنها حامل، لتبدأ رحلة معاناة مضاعفة بين قسوة الاحتجاز وآلام الحمل.
وتفاقمت حالتها الصحية سريعًا بسبب سوء التغذية، إذ كانت وجبات الطعام المقدمة ضئيلة وذات جودة رديئة لا تلبي احتياجاتها كامرأة حامل، ما أشعرها بجوع دائم وإنهاك جسدي، ولم يمضِ وقت طويل حتى تطورت الأمور إلى أعراض خطيرة شملت آلامًا حادة في البطن، ونزيفًا وإفرازات غير طبيعية، وتشنجات عنيفة تنذر بكارثة صحية وشيكة.
نُقلت أليسيا إلى غرفة الطوارئ في مستشفى قريب، لكن المأساة تفاقمت هناك، فبحسب ما نقلته صحيفة "ذا جارديان"، لم يشرح لها المسؤولون أو الطاقم الطبي أي شيء عن الإجراءات المتبعة، وأجروا لها فحصًا داخليًا مؤلمًا للرحم دون استئذانها أو الحصول على موافقتها، ما تسبب لها في "ألم لا يُحتمل"، كما حُقنت بدواء مجهول لم يُخبرها أحد عن طبيعته، ثم أُبلغت أنها فقدت جنينها.
المعاناة لم تنتهِ هنا، إذ احتُجزت أليسيا شهرين إضافيين في ظروف صحية متدهورة عانت خلالهما من نزيف متواصل، وتورم، وآلام رحمية لا تُطاق، وحمى شديدة، قبل أن يتم ترحيلها، يوليو الماضي، دون أي رعاية طبية مناسبة.
إجهاض في الزنازين
امرأة أخرى تُدعى "لوسيا" عاشت تجربة مماثلة بعد احتجازها في جورجيا فور حضورها لموعد مراجعة روتيني مع سلطات الهجرة، وعندما بدأت تشعر بأعراض الحمل الطبيعية من قيء وآلام في البطن، طلبت مرارًا وتكرارًا رؤية طبيب، لكن طلباتها قوبلت بالتجاهل لأسابيع عدة، وحين فُحصت أخيرًا أُخبرت بأنها حامل في شهرها الثاني.
وبعد أسبوعين فقط، استيقظت لوسيا في منتصف الليل على نزيف غزير وتقلصات مؤلمة، ليدخلها الطاقم الطبي إلى غرفة ضيقة و"تركوها تنزف بمفردها في صمت مطبق دون أن يخبرها أحد بما يحدث لجسدها"، كما ورد في التقرير الذي نشرته "ذا جارديان".
وبعد ساعات من فقدان كميات كبيرة من الدماء، نُقلت إلى مستشفى يبعد ساعة كاملة بالسيارة، لكنها نُقلت "مقيدة اليدين والساقين بالأغلال والسلاسل" كأنها مجرمة خطيرة وليست امرأة تواجه حالة طبية طارئة، وفي المستشفى، أُبلغت بأنها أجهضت، لكن المضاعفات استمرت لشهر آخر مع نزيف مستمر وآلام بطنية متكررة.
حبس انفرادي
أما "ماري"، فقد واجهت معاملة أكثر قسوة حين لم يصدق المسؤولون ادعاءها بالحمل، ما دفعهم إلى وضعها في الحبس الانفرادي لثلاثة أيام على الأقل كنوع من العقاب.
وحين طلبت الفيتامينات الضرورية للحمل، رُفض طلبها بوقاحة من إحدى الممرضات التي قالت لها: "لن تموتي إن لم تأخذيها، وعلى أي حال لن تتوفر قبل أسبوع".
كذلك أُعطيت ماري حقنة دون أي تفسير أو موافقة منها، ودون توفير مترجم يشرح لها نوع الدواء أو تأثيره على حملها، في انتهاك واضح لحقها في المعرفة والموافقة المستنيرة.
والأكثر إيلامًا، أن ماري شهدت امرأة محتجزة أخرى تُجهض في حمام وحدة السكن، في مشهد يعكس مدى تدني الرعاية الصحية وغياب الإنسانية في هذه المراكز.
هذه الحالات توضح نمطًا متكررًا من الانتهاكات يشمل التقييد بالأغلال في أثناء النقل، الحبس الانفرادي، تأخير الرعاية الطبية الحرجة، رفض توفير الفيتامينات الضرورية، الطعام غير الكافي، غياب خدمات الترجمة في المواعيد الطبية، إجراءات طبية دون موافقة، وإهمال يؤدي إلى التهابات خطيرة بعد الإجهاض.
مطالبات عاجلة بالمحاسبة
دعت المنظمات الحقوقية وكالة الهجرة والجمارك الأمريكية إلى اتخاذ إجراءات فورية تشمل إجراء مراجعة شاملة وعاجلة لتحديد هوية جميع المحتجزات الحوامل والإفراج عنهن فورًا، وتوفير آلية واضحة وسريعة تتيح لهن طلب الإفراج والحصول عليه في وقت قصير، وضمان تقديم رعاية طبية كافية وفي التوقيت المناسب، وإغلاق مراكز الاحتجاز، التي تسجل انتهاكات موثقة ومتكررة لمعايير الاحتجاز الإنساني.
ردت تريسيا ماكلوفلين، مساعدة وزير الأمن الداخلي الأمريكي، على التقرير برفض قاطع، واصفة إياه بـ"محاولة مقززة أخرى لتشويه سمعة وكالة الهجرة"، وفق ما نقلته "ذا جارديان".
وقالت ماكلوفلين، إن وجود امرأة حامل في الاحتجاز "نادر للغاية"، إذ لا تُشكل الحوامل سوى 0.133% من إجمالي المحتجزين، مشيرة إلى أن هؤلاء النساء "يخضعن لإشراف مشدد".
واعتبرت المسؤولة الأمريكية أن الادعاءات الواردة في رسالة اتحاد الحريات المدنية "مجهولة المصدر وغير مدعومة بأدلة ولا يمكن التحقق منها"، مؤكدة أن المحتجزات الحوامل "يتلقين زيارات منتظمة قبل الولادة، وخدمات صحة نفسية، ودعمًا غذائيًا، وتسهيلات تتماشى مع معايير الرعاية المجتمعية".