أثار الانهيار المفاجئ للقضية التي اتُهم فيها البريطانيان كريستوفر كاش وكريستوفر بيري، بالتجسس لصالح الصين، عاصفة سياسية وإعلامية في بريطانيا، بعدما قررت هيئة الادعاء الملكية إسقاط الدعوى رغم وجود شهادات حكومية وصفتها الصحف بأنها "تفصيلية ومثيرة".
سبق ونشرت الحكومة البريطانية، مساء أمس الأربعاء، ثلاث إفادات من نائب مستشار الأمن القومي، ماثيو كولينز، لتوضيح أسباب القضية، لكن تلك الوثائق لم تنهِ الجدل بل فاقمت الأزمة.
"بي بي سي": أسئلة بلا إجابات
رأت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، أن الوثائق الحكومية التي نشرت "أكثر شمولًا من أي وقت مضى"، لكنها فتحت الباب أمام سلسلة جديدة من التساؤلات بدلًا من حسم القضية، إذ أشار إلى أن شهادات كولينز تضمنت إشارات واضحة إلى "التهديد النشط"، الذي تمثله الصين على أمن بريطانيا، وتحدثت عن أنشطة تجسس واختراق إلكتروني نفذتها جهات مرتبطة بالدولة الصينية.
ورغم ذلك، تساءلت "بي بي سي" عن سبب رفض هيئة الادعاء المضي قدمًا في القضية رغم تلك الأدلة، وتساءلت عما إذا كانت الصياغة الدبلوماسية المستخدمة في البيانات الحكومية، مثل وصف الصين بـ"التحدي" بدل "العدو" هي ما أضعف موقف الادعاء أمام القضاء.
كما لفت التقرير إلى أن الانقسام السياسي بين حكومة المحافظين السابقة وحكومة العمال الحالية زاد الغموض، إذ تضمن البيان الأخير المقدم للمحكمة، أغسطس 2025، فقرة من البيان الانتخابي لحزب العمال تدعو إلى "التعاون والتنافس والتحدي عند الضرورة" في العلاقة مع بكين، ما أثار شكوك المعارضة حول احتمال تأثير السياسة على مسار العدالة.
"سكاي نيوز": الغموض سيد الموقف
أما شبكة "سكاي نيوز" فركزت على ما وصفته بـ"الفجوة الغامضة" بين الحكومة وهيئة الادعاء. ونقلت الشبكة عن رئيس الادعاء العام ستيفن باركنسون قوله في اجتماع مغلق مع النواب، إنه كان يمتلك "95% من الأدلة اللازمة" لتقديم القضية للمحكمة، لكن الحكومة رفضت تزويده بالـ5% الحاسمة، والمطلوبة لتصنيف الصين رسميًا كـ"تهديد للأمن القومي".
وسألت القناة: "إذا كانت الصين متهمة باختراق مؤسسات بريطانية واستهداف مسؤولين، فلماذا لم تصفها الحكومة بالتهديد الصريح؟".
وتطرقت "سكاي" إلى رأي رئيس الاستخبارات الخارجية السابق، ريتشارد ديرلوف، الذي قال إن "الأدلة كانت كافية للمضي في القضية"، مضيفًا أن الادعاء كان يمكنه استدعاء مسؤولين استخباراتيين كبار لتأكيد خطورة التهديد الصيني.
القناة خلصت إلى أن ما حدث "يعكس تعقيد العلاقة البريطانية الصينية، إذ تتداخل المخاوف الأمنية مع المصالح الاقتصادية"، مشيرة إلى أن الحكومة الحالية "تسعى لعلاقات تجارية مستقرة مع بكين"، لكنها تواجه الآن ضغطًا سياسيًا لتشديد موقفها.
"جارديان": دبلوماسية ضعيفة
أما صحيفة الجارديان فقدمت تحليلًا لغويًا وسياسيًا عميقًا للوثائق الثلاث، معتبرة أن اللغة المستخدمة في وصف الصين هي مفتاح فهم انهيار القضية.
وأوضحت أن البيان الأول الذي أُعد في عهد رئيس الوزراء السابق ريشي سوناك، وصف الصين بأنها "تحدٍ للنظام الدولي"، دون الإشارة إليها كـ"عدو"، بينما تضمن البيان الثالث لهجة أكثر ليونة، نقلت حرفيًا من سياسة حزب العمال الخارجية تجاه الصين.
وقالت "الجارديان" إن هذا التحول "قدم للمحامين ذريعة قانونية للتشكيك في صلاحية استخدام قانون الأسرار الرسمية"، الذي يشترط وجود "عدو فعلي"، مضيفة أن ضعف التوصيف القانوني للصين جعل الاستمرار في الملاحقة "غير قابل للدفاع قضائيًا".
وفي حين حمّل المحافظون حكومة العمال مسؤولية تليين الموقف، رأت مصادر حكومية أن السبب الحقيقي ثغرات تشريعية وبطء تحديث قوانين الأمن القومي، التي تعود لعقود ماضية.