الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

عامان من الإبادة.. العدوان يسلب 700 ألف طفل فلسطيني حق التعليم

  • مشاركة :
post-title
طفلان فلسطينيان أمام مدرسة مهدمة جراء العدوان الإسرائيلي في غزة أرشيفية

القاهرة الإخبارية - سامح جريس

بعد عامين من العدوان على قطاع غزة، حيث تحولت المدارس إلى ركام والكتب إلى رماد، ينمو جيل كامل من الأطفال الفلسطينيين محرومًا من أبسط حقوقه، وهو التعليم، فبعد مرور عامين على اندلاع الحرب، حُرم 700 ألف طالب وطالبة من حقهم الأساسي في التعليم للعام الدراسي 2024/2025 إبان العدوان الإسرائيلي على غزة 2023-2025، وباتت أحلامهم بمستقبل أفضل معلقة بين الأنقاض، وفقًا لما أشار إليه مركز المعلومات الوطني الفلسطيني.

المدارس خارج الخدمة

تكشفت الأرقام عن حجم الكارثة التي حلت بالقطاع التعليمي في غزة، إذ تشير تقارير منظمة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" إلى أن 9 من كل 10 مدارس تعرضت للتدمير الكلي أو الجزئي؛ مما يعني أن المدرسة كمكان آمن للتعلم لم تعد موجودة بالنسبة لمئات الآلاف من الأطفال.

هذا الدمار الممنهج للبنية التحتية التعليمية لم يترك سوى نسبة ضئيلة من المباني المدرسية صالحة للاستخدام، وحتى هذه القلة تحولت في معظمها إلى مراكز إيواء للنازحين الذين فقدوا منازلهم.

في محاولة لمواجهة هذا الانهيار، افتتحت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" 130 مركزًا تعليميًا مؤقتًا، لكن هذه المراكز لا تستوعب سوى حوالي 50 ألف طفل فقط، أي ما يمثل أقل من 8% من إجمالي الطلاب المحرومين من التعليم.

هذه الفجوة الهائلة بين الاحتياج والمتاح تعني أن الغالبية العظمى من الأطفال لا تجد أي مكان للتعلم، حتى لو كان مؤقتًا أو بإمكانيات محدودة.

الخسائر البشرية

لم تكتفِ آلة الدمار الإسرائيلية بتدمير المباني، بل حصدت أرواح من كانوا يبنون العقول، إذ يكشف الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني أن 466 شهيدًا وشهيدة من المعلمين والإداريين سقطوا في فلسطين، منهم 463 استشهدوا خلال الغارات على قطاع غزة وحده.

هذه الخسارة الفادحة في الكوادر التعليمية تعني فقدان سنوات من الخبرة والمعرفة التراكمية، وتضاعف من صعوبة إعادة بناء المنظومة التعليمية حتى بعد توقف الحرب.

الثمن الأغلى دفعه الأطفال أنفسهم، إذ تشير بيانات المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة إلى أن 20 ألف طفل استشهدوا، وصل منهم إلى المستشفيات 19 ألفًا و424 طفلًا.

وفي إحصائية مروعة، بلغ عدد الأطفال الأيتام الذين فقدوا والديهم أو أحدهما 56 ألفًا و320 طفلًا، وهؤلاء الأيتام الذين نجوا من الموت يواجهون معاناة نفسية واجتماعية مضاعفة، تقلل بشكل كبير من فرص عودتهم إلى الحياة الطبيعية والتعليم النظامي.

فجوة تعليمية لا تُعوض

لم يكن الانقطاع عن التعليم في غزة حدثًا طارئًا لبضعة أشهر، بل تحول إلى واقع مستمر لعامين متتاليين، إذ إنه بعد أن حُرم 620 ألف طالب من التعليم في العام الدراسي 2023/2024، ارتفع العدد إلى 700 ألف في العام التالي 2024/2025، ما يعني أن جيلًا كاملًا فقد عامين متواصلين من التعليم الأساسي في مرحلة حرجة من تطوره المعرفي والعقلي.

هذه الفجوة التعليمية لا تتعلق فقط بعدم حفظ المناهج الدراسية أو التأخر عن المقررات الدراسية، بل تمتد إلى أبعد من ذلك بكثير، إذ إن الأطفال في سن المدرسة يمرون بمراحل نمو عقلي واجتماعي حاسمة، حيث يطورون قدراتهم على التفكير النقدي، وحل المشكلات، والتفاعل الاجتماعي، وبناء المهارات الحياتية الأساسية.

أي انقطاع طويل عن التعليم في هذه المرحلة يترك آثارًا دائمة على القدرات المعرفية والاجتماعية، يصعب، إن لم يكن مستحيلًا، تعويضها حتى بعد العودة إلى المدرسة.

الصدمات النفسية

تشير تقارير منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسف" إلى أنه بجانب الحرمان التعليمي، يعاني أطفال غزة من صدمات نفسية عميقة ومعقدة، إذ إن رؤية الدمار اليومي، وفقدان الأحباء والأقارب والأصدقاء، والنزوح المتكرر من مكان إلى آخر، وانعدام الشعور بالأمان، كلها عوامل تجعل العودة إلى التعلم الطبيعي أمرًا شبه مستحيل حتى لو توفرت المدارس والمعلمون.

كما أن الكوابيس المستمرة، القلق المزمن، فقدان القدرة على التركيز، والانسحاب من التفاعل الاجتماعي أصبحت أعراضًا شائعة بين الأطفال الناجين.

وتشير المنظمة الأممية إلى أن المدرسة التي كانت توفر الروتين اليومي، والاستقرار النفسي، والشعور بالأمان والطمأنينة، لم تعد موجودة، ما يزيد من عمق الأزمة النفسية ويجعل عملية التعافي أكثر تعقيدًا وصعوبة، حيث لا يوجد مكان آمن يلجأ إليه الأطفال للهروب من واقعهم المؤلم.

محاولات إنقاذ

في ظل الدمار الشامل والواقع المرير، برزت محاولات لإبقاء شعلة التعليم مضاءة مهما كانت خافتة. يشير الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني إلى أن أكثر من 298 ألف طالب وطالبة التحقوا بالمدارس الافتراضية، في محاولة للاستفادة من التكنولوجيا لسد الفجوة التعليمية.

هذا الخيار يصطدم بواقع مرير لا يقل قسوة عن واقع تدمير المدارس: انقطاع مستمر ومتكرر للكهرباء، ضعف شديد في خدمات الإنترنت عندما تكون متاحة أصلًا، وعدم توفر الأجهزة الإلكترونية مثل الهواتف الذكية لدى الغالبية الساحقة من الأسر التي فقدت كل ممتلكاتها.

أما المراكز التعليمية المؤقتة التي افتتحتها الأونروا والتي تستوعب 50 ألف طفل فقط، فهي تفتقر إلى أبسط مقومات التعليم الفعال، إذ لا يوجد مناهج موحدة أو منظمة، لا أدوات تعليمية كافية، لا كتب مدرسية، ولا حتى القدرة على التقييم المنهجي أو المتابعة الأكاديمية للطلاب.

كما أن المراكز التعليمية التي تُقام تحت الخيام أو في الأماكن المفتوحة تعاني من ظروف بيئية قاسية، سواء من حرارة الصيف الشديدة أو برودة الشتاء القارسة، مما يجعل التعلم الفعلي شبه مستحيل.

مستقبل مسروق

تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن إعادة بناء المنظومة التعليمية بكاملها تتطلب سنوات طويلة من الجهد والتمويل والتخطيط، كما أنه مع تدمير 90% من المدارس واستشهاد 463 معلمًا ومعلمة، فإن البنية التحتية والبشرية للتعليم انهارت بشكل شبه كامل، ولا يمكن إعادة بنائها بين ليلة وضحاها.

بالإضافة إلى تدمير البنية التحتية للتعليم، فإن الأطفال الذين فقدوا عامين أو أكثر من التعليم الأساسي يواجهون احتمالية كبيرة وواقعية بعدم العودة إلى الدراسة نهائيًا، وهذه الفجوة المعرفية التي تراكمت لديهم تجعل من الصعب عليهم اللحاق بأقرانهم أو الاندماج مجددًا في النظام التعليمي النظامي.

في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية الكارثية، تحتاج الأسر لأبنائها للعمل والمساهمة في توفير لقمة العيش، مما يدفع بالكثيرين إلى سوق العمل بدلًا من العودة إلى المدرسة.

في حين أن الفتيات على وجه الخصوص يواجهن خطرًا مضاعفًا للتسرب الدائم من التعليم، كما أن الضغوط الاجتماعية التقليدية، إضافة إلى الضغوط الاقتصادية المتزايدة، وفقدان الأمان، كلها عوامل تدفع العائلات إلى إبقاء الفتيات في المنزل وعدم إعادتهن إلى التعليم حتى لو أصبح متاحًا، هذا الحرمان الجماعي من التعليم يعني حرمانًا تلقائيًا وحتميًا من الفرص المستقبلية.