على وقع استمرار الحرب على غزة، يترقب العالم ردَّ حماس على خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لوقف إطلاق النار في القطاع وعودة المحتجزين، فيما توقع خبراء سياسيون موافقة الحركة على هذه الخطة ولكن بعد إضافة تعديلات وضمانات لإجبار الاحتلال الإسرائيلي على تنفيذها وعدم استئناف الحرب مرة أخرى.
دوافع موافقة حماس
وصرح رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني الدكتور صلاح عبدالعاطي، خلال حديثه مع موقع "القاهرة الإخبارية" أن دوافع حماس في قبول خطة ترامب تتمثل في إمكانية فتح أفق لإيقاف الإبادة الجماعية في غزة، وضمان تدفق المساعدات الإنسانية بكميات كافية وإعادة الإعمار والانسحاب الإسرائيلي من القطاع حتى وإن كان تدريجيًا، مشيرًا إلى أنها مطالب الحركة بالأساس فضلًا عن الإفراج عن أسرى فلسطينيين.
وحذَّر "عبدالعاطي" من أنه في الوقت ذاته، تعد الخطة مليئة بالألغام وتضع نصوصًا تفرض وصايا جديدة عن الشعب الفلسطيني عبر مجلس انتدابي يرأسه ترامب ويديره رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، وكلاهما داعم لإسرائيل، عدا أن نصوص المبادرة تقوم على أن أصل المشكلة في التطرف والإرهاب وليس في وجود الاحتلال الإسرائيلي وعدوانه وإبادته وكذلك تعطي الخطة مجالًا لحلول مجتزئة.
خطة مُرَّة
ويرى الباحث في الشؤون الإسرائيلية الدكتور أحمد فؤاد أنور، العديد من الاختلافات بين النسخة التي قدمها المبعوث الخاص للشرق الأوسط ستيف ويتكوف للقادة ووزراء الخارجية العرب والمسلمين في الولايات المتحدة على هامش اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة وتلك التي أعلنها ترامب بعد لقائه برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وذكر أنور: "أعتقد أنه من الطبيعي أن يتم طلب توضيحات وتفسيرات وضمانات وربما تعديلات بخصوص الانسحاب خاصة في المرحلة الثالثة، إذ لا يوجد جدول زمني واكتفت تعبيرات مطاطة مثل ألا تتعرض إسرائيل للخطر من قطاع غزة وهذا تعبير مطاط"، وفقًا لما قاله لموقع "القاهرة الإخبارية".
الرأي نفسه تبناه أستاذ العلوم السياسية الدكتور أيمن الرقب، الذي أطلق على خطة ترامب اسم الخطة المُرَّة على حماس والتي نُصِبت بإحكام، إذ سبق طرح هذه الخطة في لقاء المجموعة العربية والإسلامية ومناقشة قضايا أبعد من ذلك، وكان بيان القادة العرب واضحًا إذ تحدثوا مع ترامب عن مسارات تدفع إلى قيام دولة فلسطينية ورفض ضم الضفة الغربية ومنع وجود الاحتلال في غزة ومنع تهجير السكان ووقف الاعتداءات في القدس المحتلة.
ورقة ناقصة
نوه الرقب -خلال حديثه مع موقع "القاهرة الإخبارية" بأن كل هذا لم يتم مناقشته مع نتنياهو، ولم يُطرَح حتى في الورقة التي قدمها ترامب، فالورقة غير مكتملة وبها بند واحد فقط واضح وهو إطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين في غزة بجدول زمني محدد وهو 72 ساعة من الاتفاق، في حين أن باقي الجداول غير واضحة.
وتابع: "لم تذكر الورقة متى ينسحب الاحتلال من غزة، وهل سيبقى في مناطق منها أم سينسحب كليًا، خاصة أن هناك تصريحًا واضحًا من الإسرائيليين بأنهم سيبقون في مناطق كثيرة بالقطاع بعضها بعمق 500 متر وأخرى 1000 متر و1500 متر مثلما نقلت عنهم صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، أي أنهم سيطروا على ثلث مساحة غزة، وهي ليست سيطرة فقط بل احتلال كامل".
وقال عبدالعاطي إن خطة ترامب تتجاوز المرجعيات الدولية وتساوم الفلسطينيين على الحق في تقرير المصير عدا أنها تكرس أصلًا بين الضفة الغربية وقطاع غزة وتمنع أفق حل الدولتين، متابعًا: "حتى وإن ذكرت أن هناك مفاوضات لذلك، فنحن جربنا طريقة المفاوضات الأمريكية الإسرائيلية".
حجج وعقبات
أشار "أنور" إلى ضرورة تفسير الأسلحة الهجومية المزمع نزعها، إذ إن غزة أرض محتلة وبالتالي مشروع وجود أسلحة دفاعية، إضافة إلى طريقة إدارة منفذ رفح والانسحاب من محور فيلادلفيا.
وسلط أنور الضوء على الأسماء غير الفلسطينية المطروحة كإشراف علوي على عمل لجنة إدارة غزة، والتي وصفها بمحل لغط وتحتاج إلى كثير من المراجعة، خاصة اسم ترامب لإنه منحاز لإسرائيل وكذلك بلير الذي سبق وشارك في جرائم ضد الشعب العراقي.
رفض مستبعد
يرى عبد العاطي أن هناك تهديدات باستكمال الإبادة ودعم نتنياهو، ولذلك لا أحد يستطيع رفض مناقشة خطة يمكن من خلالها أن تتوقف حرب الإبادة الجماعية وبالتالي الجميع سيكون مع هذه الخطة، ولكن في ضوء الألغام التي احتوتها الخطة بعد تعديلاتها بالضرورة سيتطلب الأمر مناقشة بعد البنود في إطار التوضيح أو الرفض أو التعقيب أو إجراء التحفظات، وهذا حق للفلسطينيين لا يجوز المساس به، إضافة إلى حقهم في تكريس حماية المقاومة.
أما أنور فقال إنه إذا رفضت حماس بشكل نهائي هذا المقترحات ستكون كل السيناريوهات مفتوحة ومنها استكمال الاحتلال عملية "عربات جدعون 2"، وهو ما سيؤدي لخسائر في صفوف جيش الاحتلال وتقليل معدلات دخول الإغاثة ما سيزيد من الخنق الدولي وربما الحديث مجددًا عن التهجير أو الاستيطان.
ولفت الرقب إلى أن حماس ستخسر علاقات من دول كثيرة جدًا خاصة قطر وتركيا، وستحتاج إلى مكان جديد للإقامة به في حالة رفضها الخطة، علاوة على ذلك ستتحمل حماس مسؤولية تاريخية في استكمال التدمير والإبادة في غزة.
ويعتقد عبدالعاطي أن الأيام المقبلة ستكون مليئة بالمشاورات مع الفصائل، وأيضًا بين حركة حماس وتركيا والوسيطين مصر وقطر من أجل ضمان تذليل العقبات لوقف حرب الإبادة الجماعية وضمان تدفق المساعدات ومنع التهجير من خلال إبرام الخطة التي تقترب من صفقة قرن جديدة.
تفويض المجموعة العربية الإسلامية
بالنسبة لعبدالعاطي، ستستجيب حركة حماس إلى هذه المقاربة ولكن مع إضافة مجموعة من الملاحظات في سياق تحديد جداول زمنية في الانسحاب حتى لا يتكرر سيناريو لبنان.
كذلك يرى أنور أن السيناريو الأقرب هو أن يتم بحث التعديلات التي تطلبها حماس أو الضمانات أو الجدول الزمني، خاصة أن أغلبها منطقي وتطالب بها عواصم عربية.
أما الرقب فيعتقد أنه بالرغم من أن الخيارات لدى حماس صعبة للغاية إلا أن الأقرب أن توافق الحركة أو أن تفوِّض المجموعة العربية الإسلامية التي التقت مع ترامب للإشراف على التنفيذ وإكمال الخطة.
وقال الرقب: "بذلك تكون حماس ألقت الكرة خارج ملعبها، ومن ثم تطلق سراح المحتجزين وتطلب من هذه المجموعة أن تكمل هي باقي البنود، وبالتالي تكون خرجت من أزمة أن تقول نعم وتتواجه مع يحدث لاحقًا وحدها".