جاء خطاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمام الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة في 23 سبتمبر 2025، ليشمل العديد من الرسائل، سواء للداخل الأمريكي وتسويقه لشعاره الانتخابي "أمريكا أولًا"؛ ليغازل به تياره الانتخابي أو للخارج باعتبار أن الولايات المتحدة قادرة على قيادة النظام العالمي نحو الازدهار والاستقرار، وتزامن ذلك الخطاب مع تحولات مفصلية أهمها تنامي التحديات الداخلية التي تواجه الولايات المتحدة الأمريكية في ظل حالة من الانقسام بين العديد من التيارات حول العديد من القضايا مثل الهجرة والمناخ والعلاقة بين السود والبيض، والأزمات الاقتصادية، فضلًا عن التحديات الخارجية التي ترتبط برغبة القوى الدولية الصاعدة في مقدمتها الصين وروسيا والهند، لتأسيس نظام دولي متعدد الأقطاب بدلًا من الأحادية القطبية والهيمنة الأمريكية.
رسائل متنوعة
حمل خطاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة العديد من الرسائل للداخل والخارج معًا، وهو ما يمكن الإشارة إلى أهمها على النحو التالي:
(*) خطورة الهجرة غير الشرعية: على الرغم من أن الولايات المتحدة الأمريكية قامت في بناء نهضتها ومسيرتها العلمية والثقافية على أكتاف المهاجرين إليها من شتى بقاع الأرض باعتبار أنها كانت أرض الأحلام، تفاخر خطاب الرئيس الأمريكي ترامب بأنه نجح في التصدي لما وصفه بالغزو الهائل للمهاجرين غير الشرعيين، والذين وصل عددهم خلال السنوات الأربع لإدارة الرئيس بايدن 25 مليونًا، بحيث أصبحت نسبة تدفقهم إلى داخل الولايات المتحدة الأمريكية وخلال أربعة أشهر متتالية صفرًا. كما انتقد الرئيس ترامب موقف الأمم المتحدة من قضية الهجرة غير الشرعية تجاه الولايات المتحدة الأمريكية وتقديمها للمساعدات الإنسانية والنفدية لهؤلاء المهاجرين. وأشار ترامب إلى أنه في عام 2024 خصصت الأمم المتحدة 372 مليون دولار كمساعدات نقدية لدعم ما يقدر بنحو 624 ألف مهاجر يسافرون إلى الولايات المتحدة.
(*) أهمية زيادة الإنفاق الدفاعي لحلف الناتو: يعتبر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن زيادة الإنفاق الدفاعي للدول الأعضاء في إطار حلف الناتو يشكل أمرًا ضروريًا للحفاظ على الأمن العالمي والأمن الأوروبي الذي يجب أن تشارك دول القارة الأوروبية في تحمل نفقاته، لذلك أشاد في خطابه بنتائج قمة الحلف التي عُقِدت في يونيو 2025 وترجمتها لمطلبه الرئيسي في زيادة الإنفاق الدفاعي للدول الأعضاء ليصبح 2% من الناتج المحلي لكل دوله، وهو الأمر الذي سيسهم في تعزيز مكانة الحلف والحفاظ على دوره لمواجهة التهديدات المتنامية.
(*) تعزيز الاستقرار بإنهاء سبعة حروب: زعم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في خطابه أنه تمكن من إنهاء سبعة حروب قيل إنها مستحيلة الحل وفقًا لتعبيره وأزهقت أرواح عشرات الآلاف من البشر. وذكر تلك الحروب وهي الحرب بين كمبوديا وتايلاند، وبين كوسوفو وصربيا، وبين الكونغو ورواندا وبين أرمينيا وأذربيجان، وبين باكستان والهند، وبين إسرائيل وإيران، وبين مصر وإثيوبيا، ويبدو أن الرئيس الأمريكي يبالغ في قدرته على إنهاء ووقف الحروب فلم تندلع حرب بين مصر وإثيوبيا حتى يوقفها. ولم يكن له دور مؤثر في وقف المناوشات بين باكستان والهند كما أشارت العديد من التحليلات في هذا الصدد. وإذا كان ترامب ردد خلال حملته الانتخابية بأن كل الحروب ستتوقف بمجرد انتخابه، وفى مقدمتها الحرب الروسية الأوكرانية، إلا أن تلك الوساطة لم تنجح حتى الآن في وقفها أو وقف العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان وسوريا واليمن بل أنه استخدم حق النقض (الفيتو) لوقف الحرب الإسرائيلية على غزة أو إدانة الانتهاكات الإسرائيلية في غزة المخالفة لكل المواثيق والأعراف الدولية.
(*) وقف تطوير الأسلحة النووية: دعا الرئيس ترامب إلى الحد من تهديد الأسلحة الخطيرة، والانضمام إلى الولايات المتحدة في إنهاء تطوير الأسلحة البيولوجية نهائيًا، معتبرًا أن الأسلحة البيولوجية مريعة، والأسلحة النووية أكثر من ذلك، مطالبًا بوقف تطوير الأسلحة النووية، وأشار إلى أنه يمد يد القيادة والصداقة الأمريكية لأي دولة في الجمعية العامة لأمم المتحدة لصياغة عالم أكثر أمنًا وازدهارًا لمواجهة تهديدات الأسلحة الأكثر قوة وتدميرًا والتي تمتلك الولايات المتحدة الكثير منها، كما أشار في كلمته إلى ضرورة وقف البرنامج النووي الإيراني ومنع إيران من امتلاك السلاح النووي.
(*) مأزق الحرب الروسية الأوكرانية: اعتبر الرئيس الأمريكي ترامب أن الحرب الروسية الأوكرانية ما كانت لتقع لو كان رئيسًا عند اندلاعها، والتي مر عليها ما يقرب من ثلاثة أعوام ونصف العام يسقط خلالها من خمسة إلى سبعة آلاف جندي أسبوعيًا من الجانبين، واستخدمت المُسيَّرات والصواريخ. وأضاف أنه اعتقد أنها ستكون من ضمن الحروب التي سيكون من السهل وقفها نظرًا لعلاقته الجيدة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إلا أن ذلك لم يتحقق، مشيرًا إلى إمكانية اللجوء إلى العقوبات والرسوم الجمركية على الصادرات الروسية، إلا أن النقطة الجديرة بالاهتمام في هذا السياق ما ردده ترامب في خطابه من تمويل الصين والهند وعدد من الدول الأوروبية لحرب روسيا ضد أوكرانيا من خلال شراء النفط الروسي، متعجبًا من أن الدول الأوروبية تمول حربًا ضد نفسها.
(*) خرافة الطاقة المتجددة: أشاد الرئيس ترامب بمجال الطاقة الذي تزدهر فيه الولايات المتحدة الأمريكية بشكل غير مسبوق، ومشيرًا إلى التخلص من مصادر الطاقة التي تسمى زورًا المتجددة، ويقصد بها طاقة الرياح فهي غير فعالة ومكلفة للغاية ويجب إعادة بنائها باستمرار لأنها تبدأ في التعرض للصدأ والتعفن على حد تعبيره، وليست قوية بما يكفي لتشغيل المحطات اللازمة لبناء بلد عظيم، ومعظم تلك المحطات مبني في الصين، التي تستخدم عددًا قليلًا جدًا من مزارع الرياح لديها، فهي تعتمد على استخدام الفحم والغاز مازحًا بأنهم بالتأكيد يحبون بيع طواحين الهواء. لذلك يعتقد ترامب بأن الهجرة والتكلفة الباهظة لما يسمى الطاقة المتجددة الخضراء تدمران جزءًا كبيرًا من العالم الحر وجزءًا كبيرًا من الكوكب.
مجمل القول: تلخص تلك الجملة التي وردت في ثنايا خطاب ترامب إدراكه للواقع الأمريكي قائلًا: "على الساحة العالمية أصبحت أمريكا تحظى باحترام لم يسبق له مثيل، إذا فكرت في ما كان عليه الحال قبل عامين أو ثلاثة أعوام أو أربعة أعوام أو عام واحد كنا أضحوكة في جميع أنحاء العالم"، وهو الإدراك الذي يحتاج لمعرفة حدود ذلك الاحترام على الساحة العالمية، وما إذا كانت السياسات الأمريكية تعبر عن قيادة العالم أم عن المصالح الأمريكية حتى وإن تعارضت مع مصالح الدول الأخرى. وهو ما يعني أن تخلي الولايات المتحدة عن مسؤوليتها الدولية في احترام المواثيق والعهود الدولية وحرية التجارة وحقوق الشعوب في تقرير مصيرها بأن النظام الأحادي القطبية في طريقه إلى الأفول، وأن ثمة نظام دولي جديد لا يزال قيد التشكيل ربما يسهم في إعادة الاستقرار والتنمية المتوازنة لكل أقاليم العالم، وينهى الحروب التي أخفق ترامب في إطفائها.