102 عام على مولد أسطورة الإنتاج وأحد صنّاع السينما المصرية والعربية، رمسيس نجيب، الذي ترك بصمة واضحة في مجال الإنتاج؛ ليقدم لذاكرة السينما إرثًا سينمائيًا تحفظه مكتبة السينما العربية، ومحفور في ذاكرة المشاهد المصري والعربي.
اكتسب رمسيس نجيب، المولود في 8 يونيو عام 1921، شخصيته القوية من والدته التي تولت مهمة تربيته بمفردها، بعد وفاة والده في عمر مبكر، حيث كانت تتمتع بالشدة، وساهم دخوله الكشافة في سن مبكرة في اعتماده على نفسه، ليصل إلى منصب رئيس الكشافة المصرية، بحسب ما قاله نجله أمير رمسيس في لقاء تليفزيوني.
بدأ "كومبارس"
دخل رمسيس بوابة الفن والسينما بالصدفة ككومبارس، إذ كان يقف مع 4 شباب يغني خلف الفنانة عزيزة أمير في فيلم "الورشة"، ليقول نجله أمير عن هذه الواقعة في لقاء سابق له: "منذ وقوف والدي أمام الكاميرا، عشق السينما لدرجة أنه لم يذهب لوظيفته وتغيب عن عمله حتى فصل منه، وفتحت عزيزة أمير له الباب، إذ تعتبر كلمة السر في نجاحه بعد أن آمنت بموهبته وشجعته ودعمته، ليصبح مدير إنتاج أفلامها، والمسؤول عن أموالها، لدرجة أنه عندما كان يحتاج زوجها محمود ذو الفقار أموالًا منها تقول له أذهب لرمسيس نجيب".
حفظ "نجيب" الجمِيل لعزيزة أمير وقام بتسمية نجله أمير على اسم والدها؛ اعترافًا منه بدورها في حياته.
علامة بارزة
عمل "رمسيس" كمدير إنتاج استديو النحاس، هذا المكان الذي يُعد علامة بارزة في حياة صنّاع السينما، ويحمل أحد بلاتوهات الاستديو اسمه حتى هذه اللحظة، وتعرّف من خلاله على المؤثرين في هذه الصناعة، إذ تعلّم من الفنان أنور وجدي فنون الدعاية، برغم أنه لم ينتج له أعمالًا بشكل مباشر، فقدم معه أفلامًا بصفته مديرًا لاستديو النحاس، مثل "ريا وسكينة" و"خطف زوجتي" و"أربع بنات وضابط" وغيرها.
أسس شركة تحمل اسمه، وقدم من خلالها نحو 114 فيلمًا، تنوعت فيها أدواره ما بين مساعد منتج ومنتج رئيسي، ليكون عدد الأعمال التي أنتجها 68 فيلمًا، وتميزت شخصيته في البلاتوه بالشدة وفرض الشخصية، فكانت الكلمة الأولى والأخيرة له، ويُشارك بنفسه في كل كبيرة وصغيرة، بداية من اختيار الفنانين وأماكن التصوير والموسيقى التصويرية والمونتاج، وذلك بحسب ما وصفه نجله أمير الذي تعاون معه في 7 أفلام.
الإخراج
لم تتوقف موهبة رمسيس نجيب عند الإنتاج، ولكنه دخل مجال الإخراج، ليقدم للسينما 3 أفلام من إخراجه وهي "هدى" و"بهية" و"غرام الأسياد"، وتشترك الأفلام الثلاثة أنها بطولة زوجته السابقة الفنانة لبنى عبد العزيز التي اكتشفها وقدمها للفن، كما عمل كمساعد مخرج في فيلمين هما "ابن البلد" إنتاج ١٩٤٢، و"غرام الشيوخ" إنتاج ١٩٤٦.
كشف نجله عن سبب تخلي والده عن مهنة الإخراج وعدم استمراره فيها ليقول: "كان والدي يقدم 8 أفلام في العام الواحد؛ لذا كان من الصعب التركيز في الإنتاج والإخراج أيضًا؛ لأنه مسؤولية كبيرة، خاصة مع اهتمامه بتقديم أفلام تعيش في الذاكرة".
تميز رمسيس نجيب بأن ذهنه كان متقدًا، رغم نومه المتقطع، فكان يستيقظ طوال الليل، باحثًا عن القصة التي ينتجها، فقدم غالبية قصص إحسان عبد القدوس وروايات لنجيب محفوظ، ورغم النجاحات الكبيرة التي حققتها في أفلامه، ولكن يبقى فيلم "هذا أحبه وهذا أريده" مع الفنان هاني شاكر من الأعمال التي كُتب لها الفشل ولم تنجح جماهيريًا، بحسب تأكيد نجله.
صانع النجوم
لم يأت لقب صانع النجوم الذي تميز به رمسيس نجيب من فراغ، لكنه كان نابعًا من بحثه الدائم عن الوجوه الجديدة في أعماله، فاكتشف عددًا كبيرًا من النجوم وقدّمهم للشاشة، مثل الفنانة نادية لطفي التي عرض عليها التمثيل بعد أن شاهدها في إحدى الحفلات، كما اكتشف أيضًا الفنانة ليلى طاهر وزيزي البدراوي ومحمود ياسين ونجلاء فتحي ومحمود عبد العزيز وسعاد حسني، التي وقع معها عقد احتكار لمدة 3 سنوات ورفع أجرها لـ 5 آلاف جنيه، وكان يُمثل رقمًا ضخمًا وقتها، كما وقّع عقد احتكار مع الفنانة نجوى إبراهيم.
كما شارك كبار النجوم العديد من الأعمال التي لا تزال من علامات السينما المصرية، إذ تعاون مع فاتن حمامة، شادية، فريد شوقي، أحمد رمزي، رشدي أباظة، تحية كاريوكا، وغيرهم.
اعتذار عمر الشريف
لا يعرف الكثيرون سبب تراجع الفنان العالمي عمر الشريف عن تقديم فيلم "طارق ابن زياد"، بعد توقيعه التعاقد مع رمسيس نجيب؛ ليقول نجله عن ذلك في لقاء له: "تعاقد عمر الشريف مع والدي على فيلم "طارق بن زياد" ولكن بعد تقديمه فيلم "لورانس العرب" وتحقيقه شهرة كبيرة، منعه مدير أعماله من تقديم أي أفلام عربية مرة أخرى، فأرسل "عمر" جواب اعتذار عن تصوير الفيلم، في حين أن كل الممثلين كانوا يثقون في والدي ويعملون معه بدون عقد".
أعاد فاتن حمامة من لبنان
أعطى رمسيس نجيب الفرصة للفنان محمود ياسين في بداياته من خلال فيلم "نحن لا نزرع الشوك" مع شادية، ثم قدمه في فيلم "الخيط الرفيع" لإحسان عبد القدوس؛ ليسرد نجله عن كيف ساهم والده في إعادة فاتن حمامة من لبنان لتقديم الفيلم الأخير ليقول: "فاتن كانت رافضة أن تعود من لبنان ووالدي أقنعها بالعودة، وقالت له إذ لم أجدك تنتظرني أسفل الطائرة في المطار سأغادر مصر فورًا، وبالفعل انتظرها بالمطار، ليمثل "الخيط الرفيع" تغيير جلد لها وبداية عودتها للسينما المصرية، بعد أن كانت تركز على العمل في لبنان".
الرقابة
تعرضت بعض أفلام "رمسيس" للمنع، ومنها فيلم "أختي" للفنان محمود ياسين، ومنع عرضه حتى الآن على التليفزيون، معللًا نجله السبب: "الفيلم كان غير مقبول لما يحتويه من مشاهد لا تصلح للعرض التليفزيوني للجمهور في الأرياف".
كما أوقفت الرقابة عرض فيلم "نحن لا نزرع الشوك" في دور العرض السينمائية؛ بسبب جملة حوارية قالتها شادية وهي "هقطع لسانك من لغلوغه"، فتم حذف هذه الجملة واستأنف عرضه.
رحيل
اختتم رمسيس نجيب مشواره الفني بفيلم "وادي الذكريات" مع الفنانة شادية، والذي صوّر في سوريا لمدة 6 أشهر، وبعد مرور ما يزيد على 4 عقود من الزمن في رحلته بالإنتاج، ودّع "رمسيس" الحياة في مثل هذا اليوم، الرابع من فبراير 1977؛ ليترك إرثًا سينمائيًا يُخلد اسمه.