تشير التوقعات إلى أن جهود الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإعادة تشكيل التجارة العالمية من خلال سياسات التعريفات الجمركية العقابية تدفع الولايات المتحدة والاقتصادات الكبرى نحو تباطؤ النمو الاقتصادي، وزيادة حالة عدم اليقين، وتهدئة الاستثمار والتجارة، وذلك وفق صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية.
ولا يزال التأثير الكامل للرسوم الجمركية الأمريكية الأعلى يتشكل، لكن التأثيرات بدأ يشعر بها المستهلكون الأمريكيون، الذين بدأوا في كبح الإنفاق، كذلك في أسواق العمل بالبلدان التي دفعت الرسوم لجأت شركاتها إلى تسريح العمال أو الحد من التوظيف، بحسب منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وهي مجموعة حكومية دولية مقرها باريس، في أحدث توقعاتها.
من المتوقع أن ينمو الاقتصاد العالمي كما أشار تقرير الصحيفة أمس الثلاثاء، بنسبة 3.2% هذا العام، مقارنة بـ3.3% في عام 2024. وقالت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، إن هذا التقدير أكبر قليلًا من المتوقع سابقًا لأن شركاء أمريكا التجاريين كثّفوا التصنيع لنقل سلعهم عبر الحدود الأمريكية قبل دخول الرسوم الجمركية حيز التنفيذ.
فرض ترامب رسومًا جمركية تصل إلى 50% على واردات الصلب والألومنيوم الأجنبية، على شركاء تجاريين كانوا مقربين سابقًا، مثل الاتحاد الأوروبي وكندا والهند، إضافة إلى منافسين لدودين مثل الصين. وقد أدى معدل الرسوم الجمركية الأمريكي الفعلي الإجمالي الجديد -الذي يقدر الآن بنحو 19.5%، وهو الأعلى منذ عام 1933- إلى تباطؤ النشاط الاقتصادي والتجاري.
وقالت المنظمة الاقتصادية إنه مع استمرار تأثير الرسوم الجمركية على سلاسل التوريد وأسواق العمل وتغيير سلوك المستهلكين، فإن النمو العالمي سيتباطأ إلى 2.9% في عام 2026.
ذكر تقرير المنظمة أن "الاقتصاد العالمي كان أكثر مرونة مما كان متوقعًا في النصف الأول من عام 2025، لكن مخاطر التراجع لا تزال كبيرة مع استمرار ارتفاع الحواجز التجارية وعدم اليقين الجيوسياسي والسياسي في التأثير على النشاط في العديد من الاقتصادات".
وفقًا للتقرير، ستبدأ الولايات المتحدة بالشعور بالتأثير مع حلول العام المقبل. فقد تعزز اقتصادها بفضل الاستثمارات الضخمة في الذكاء الاصطناعي، وظل ارتفاع تكاليف الواردات متواضعًا حتى الآن، إذ تستخدم الشركات المخزونات وهوامش الربح لتجنب أو استيعاب التأثير الأولي للرسوم الجمركية.
لكن نمو الاستهلاك الخاص في الولايات المتحدة بدأ يتراجع بالفعل، وأن الزخم الاقتصادي "سيعوضه ارتفاع معدلات التعريفات الجمركية، إضافة إلى انخفاض صافي الهجرة"، وفقًا لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
من المتوقع أن يتباطأ نمو الاقتصاد الأمريكي إلى 1.8% هذا العام، من 2.8% في عام 2024، وأن يشهد مزيدًا من التباطؤ إلى 1.5% في عام 2026. ومن المتوقع أن ينمو الاقتصاد الأوروبي بوتيرة أبطأ، بنسبة 1.2% فقط هذا العام و1% في عام 2026، في ظل "تزايد الاحتكاكات التجارية وعدم اليقين الجيوسياسي"، وفقًا للمنظمة.
وفي الصين، التي تضررت بشدة من الحرب التجارية التي شنّها ترامب والتعريفات الجمركية العقابية، من المتوقع أن يتباطأ النمو إلى 4.9% هذا العام، من 5% العام الماضي، وإلى 4.4% في عام 2026.
من المتوقع أن ينخفض التضخم في معظم الاقتصادات الكبرى نتيجة تباطؤ النمو وتراجع التوظيف، لكن ينبغي على البنوك المركزية أن تظل "يقظة"، وفقًا للتقرير. كما يتعين على الحكومات المثقلة بديون متزايدة وعجز متزايد بذل المزيد من الجهود لترتيب أوضاعها المالية.
وأضاف التقرير أن الأسواق المالية تعكس بشكل متزايد حالة عدم اليقين العالمية، وهناك قلق متزايد بشأن المخاطر. وتشهد سندات الخزانة الأمريكية لأجل عشر سنوات، وهي معيار للاستقرار، الآن أقساط فائدة مرتفعة تاريخيًا.
في فرنسا، التي تعاني من عدم الاستقرار السياسي وتضخم الديون والعجز، يتسع الفارق بين عائد السندات السيادية وعائد السندات الألمانية. وارتفعت أسعار الذهب الفورية، الذي يعتبر ملاذا آمنا، بنحو 40% منذ بداية هذا العام، وبلغت أمس الثلاثاء أعلى مستوى قياسي لها فوق 3770 دولارًا للأوقية.
قال ماتياس كورمان، الأمين العام لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، في بيان: "لتعزيز آفاق النمو الاقتصادي، تعد ضمان حل دائم للتوترات التجارية أولوية أساسية. ونوصي الحكومات بالتفاعل البنّاء مع بعضها البعض لجعل ترتيبات التجارة الدولية أكثر عدالة وكفاءة".