كشفت صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية، عن جهود أوروبية تقودها المملكة المتحدة وفرنسا لإقناع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بالموافقة على مبادئ خطة ما بعد الحرب في غزة، على أمل أن يتمكن الرئيس الأمريكي بعد ذلك من الضغط على إسرائيل لإنهاء حربها المستمرة منذ ما يقرب من عامين، على القطاع الفلسطيني المدمر. وجاء ذلك عشية الاجتماع الدولي الذي عُقد اليوم في نيويورك بشأن خطة "اليوم التالى فى غزة".
كان ترامب أعلن في فبراير الماضي، عن خطته الخاصة لغزة ما بعد الحرب، قائلًا إنه يجب إخلاء القطاع من الفلسطينيين، وتحويله إلى "ريفييرا الشرق الأوسط".
المقترحات الأوروبية
وحسب الصحيفة في تقريرها المنشور أمس الثلاثاء ، تتضمن المقترحات الأوروبية، التي تدعمها ألمانيا وإيطاليا وتستند إلى 8 مبادئ، نشر قوة استقرار دولية بتفويض من الأمم المتحدة في غزة، وعدم منح حماس أي حكم في أي حكم مستقبلي للقطاع، ونزع سلاح مقاتليها، وإرسال كبار قادتها إلى المنفى.
وحتى الآن، لم يبد ترامب رغبة تذكر في استخدام نفوذ الولايات المتحدة على إسرائيل لإجبارها على إنهاء حربها على غزة. بل كرر تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بأن حماس هي المسؤولة عن عدم التوصل إلى وقف إطلاق النار.
وانضمت إدارة ترامب - التي أصبحت ترفض بشكل متزايد احتمال التوصل إلى اتفاق سلام في الأسابيع الأخيرة - إلى إسرائيل في انتقاد قرار المملكة المتحدة وفرنسا وقوى غربية أخرى، بالاعتراف رسميًا بدولة فلسطينية، ما يسلّط الضوء على الخلافات المتزايدة بشأن غزة بين واشنطن وأوروبا.
لكن دبلوماسيين أوروبيين قالوا إن المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا تأمل في استخدام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك لإقناع إدارة ترامب بإمكانية التوصل إلى إجماع بشأن رؤية ما بعد الحرب للقطاع.
قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، أمس الأول الاثنين، إن فرنسا "مستعدة للمساهمة في مهمة دولية لتحقيق الاستقرار".
وكما اجتمع ترامب، أمس الثلاثاء، مع قادة دول عربية وإسلامية، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، لبحث سبل إنهاء الحرب في غزة.
وأعلن ترامب خلال الاجتماع، أنه سيناقش إمكانية وضع حد للحرب في قطاع غزة، مضيفًا: "ربما ننهيها الآن". وأكد ترامب أن الأولوية في الوقت الراهن هي إطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين، مشيرًا إلى وجود 20 محتجزًا و38 جثمانًا ما زالوا لدى حماس، وقال: "نقوم بكل ما في وسعنا لإعادتهم إلى ذويهم".
وجاء عقد الاجتماع بهدف إجراء محادثات متعددة الأطراف حول سبل إنهاء الحرب الدموية في غزة، والتوصل إلى وقف دائم ومستدام لإطلاق النار، وإطلاق سراح جميع الأسرى والمحتجزين، واتخاذ خطوات حاسمة في مواجهة الأزمة الإنسانية المتفاقمة التي يعاني منها المدنيون في قطاع غزة.
واختتم ترامب بالقول إنه يولي تقديرًا كبيرا للقادة العرب والمسلمين، مؤكدًا أن الهدف المشترك هو وضع حد نهائي للحرب في غزة.
واليوم الأربعاء، عقدت المملكة المتحدة وفرنسا اجتماعًا بشأن "اليوم التالي ودعم الاستقرار في غزة"، لما بعد الحرب، مع الولايات المتحدة والحلفاء العرب، بمقر منظمة الأمم المتحدة بمدينة نيويورك.
الخطة العربية
وشارك رئيس الوزراء المصري الدكتور مصطفى مدبولي، في اجتماع "اليوم التالي ودعم الاستقرار في غزة" اليوم، وقال إن نجاح أفكار التعامل مع "اليوم التالي" في قطاع غزة، وانتهاء جولات العنف، يتوقف على عدم التعامل مع القطاع بمعزل عن مسببات وجذور الصراع، وعدم اقتصار ذلك على المقترب الأمني، حيث تم وضع إطار واضح لذلك بالخطة العربية الإسلامية لإعادة الإعمار، وكذلك بمؤتمر حل الدولتين الذي ترأسته فرنسا والسعودية، ولذا فهناك ضرورة لأن ترتبط أية أفكار في هذا الصدد بمسار وآليات واضحة لتجسيد الدولة الفلسطينية، وأن يتم التعاطي مع غزة باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية، وكذلك بتكريس ضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار، وإطلاق سراح المحتجزين على أن يكون ذلك في إطار صفقة تبادل مع الأسرى/ المحتجزين الفلسطينيين، فضلًا عن أهمية أن تخضع الضفة الغربية وغزة لمنظومة حكم واحدة تتمثل في السلطة الفلسطينية.
وشدد رئيس الوزراء المصري على أهمية أن يكون لأجهزة الدولة الفلسطينية الحق الحصري في امتلاك السلاح، وأضاف قائلًا: "ندعم وجود ضمانات أمنية للجانبين الفلسطيني والاسرائيلي على حد سواء، وأن يتم ذلك من خلال دعم دولي، ينسحب ما تقدم بطبيعة الحال على عدم وجود دور لحماس، أو أي فصيل فلسطيني آخر في حكم قطاع غزة، بل إن تقوم جميع الفصائل المسلحة بتسليم سلاحها للسلطة الشرعية وهي السلطة الفلسطينية".
وأكد "مدبولي" على أهمية التوصل لتوافق سياسي على ما تقدم، بما في ذلك من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل، وبضمان من أعضاء مجلس الأمن الدائمين، وعدم البدء في مسارات أمنية أو عسكرية دون ضمان الإطار السياسي لإقامة الدولة في سياق جدول زمني وآليات واضحة، وإلا اصطدمت جميع الترتيبات بعراقيل تنفيذية على الأرض تطيل من أمد الصراع، وتورط مزيدًا من الأطراف فيه، إضافة إلى أهمية المشاركة الفعالة لقوات أمريكية على الأرض حتى يتسنى ضمان التزام إسرائيل بما يتم الاتفاق عليه.
واختتم رئيس الوزراء كلمته قائلًا: "لقد بدأت مصر في إجراءات لتدريب قوات الأمن الفلسطينية، ونحن على استعداد للتوسع في ذلك بدعم من المجتمع الدولي. من ناحية أخرى، فإن مصر على استعداد لدعم أية جهود لإنشاء بعثة دولية لدعم عودة السلطة الفلسطينية لقطاع غزة، وبناء الدولة الفلسطينية، ونرى ضرورة لإمكانية تحقيق ذلك والعمل على التوصل لإطار سياسي توافق عليه إسرائيل والولايات المتحدة قبل الدخول في مناقشة تفاصيل ومهام البعثة، وهي التفاصيل التي ستتشكل بطبيعة الحال وفقًا لما سيتم الاتفاق عليه سياسيًا".
خطة بلير
وذكرت "فاينانشال تايمز"، في تقريرها أمس، أن المقترحات التي تشبه هدفًا عربيًا سابقًا، يرى الأوروبيون أنها تشكّل بديلًا للخطة التي يروّج لها رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، التي تدعو إلى إنشاء وصاية دولية لحكم غزة بعد الحرب، وفقًا لأشخاص مطلعين على الأمر.
كان بلير، الذي يعمل بصفة شخصية، حضر اجتماعًا في البيت الأبيض الشهر الماضي لمناقشة خطط ما بعد الحرب في غزة، إلى جانب جاريد كوشنر، صهر ترامب ومستشاره في شؤون الشرق الأوسط خلال فترة ولاية الرئيس الأولى، لكن المسؤولين الأوروبيين والعرب يخشون من أن يؤدي اقتراح بلير إلى تهميش الفلسطينيين، ويعتمد بشكل كبير على مخاوف إسرائيل بحيث لا يتم قبوله في المنطقة.
قال دبلوماسي أوروبي إن الجهود المبذولة في نيويورك تهدف إلى إيجاد "توافق بين خطة بلير-كوشنر والخطة العربية" ودعم حل الدولتين للأزمة، مضيفًا: "يقر الجميع الآن بأنه للتوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب، يجب التوصل إلى اتفاق لليوم التالي. هناك بالتأكيد إلحاح أكبر في نيويورك هذا الأسبوع".
بموجب مجموعة المبادئ الأوروبية، سيتم إدارة شؤون القطاع لفترة مؤقتة من قِبل لجنة فلسطينية، معتمدة من السلطة الفلسطينية التي تدير أجزاء محدودة من الضفة الغربية المحتلة. ومع ذلك، يمكن أن تشمل هذه اللجنة أيضا "مكونا" دوليا، وفقا للدبلوماسي.
كما يدعو المقترح الأوروبي إلى إصلاح السلطة الفلسطينية وتمكينها، معتقدين أن أي ترتيب لما بعد الحرب يجب أن يشمل كيانات فلسطينية لضمان شرعيته.
عقبة نتنياهو
ومع ذلك، حذّرت "فاينانشال تايمز" من أن جهود الأوروبيين تواجه تحديات هائلة، مشيرة إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بدعم من ترامب، أمر بشن هجوم جديد على مدينة غزة، على الرغم من مقاومة من داخل مؤسسته الأمنية.
قالت الصحيفة إن نتنياهو، الذي يقود أكثر الحكومات يمينية متطرفة في تاريخ إسرائيل، استبعد مرارًا وتكرارًا العمل مع السلطة الفلسطينية، ويرفض حل الدولتين، كما طالب الوزراء المتطرفون في حكومته اليمينية، بضم الضفة الغربية المحتلة بعد قرار الدول الغربية الاعتراف بدولة فلسطينية.