وجه أكثر من 300 من قدامى الدبلوماسيين والأمن القومي والاستخبارات الأمريكية رسالة إلى قادة لجان الاستخبارات في الكونجرس، دعوا فيها إلى إعداد تقييم استخباراتي سري يجيب عن أسئلة جوهرية تتعلق بمكانة الولايات المتحدة بين حلفائها.
الرسالة، التي افتتحت بعبارة "نقترح بكل احترام"، لم تكن مجرد تحذير عابر، بل تعكس مخاوف متزايدة من أن واشنطن قد تفقد الثقة الدولية المتراكمة على مدى عقود، في ظل سياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، التي وصفت بأنها تضعف التحالفات وتزرع الشكوك في التزامات الولايات المتحدة، بحسب موقع "The Japan Times".
مخاوف الحلفاء
الرسالة تساءلت بشكل صريح عمّا إذا كان الحلفاء ينظرون إلى الولايات المتحدة كديمقراطية مستقرة وشريك موثوق، أم أنهم بدأوا يبحثون عن بدائل أمنية، بل وحتى إعداد خطط طوارئ لاحتمال مواجهة عسكرية ضد واشنطن نفسها إذا ما تقاربت مع روسيا على حساب "الناتو" أو أوكرانيا.
وبحسب مراقبين، فإن احتمالية استجابة الكونجرس لهذه المطالب تكاد تكون معدومة، مع سيطرة الجمهوريين على اللجان المعنية وولائهم السياسي لترامب، فضلًا عن الضغوط التي يتعرض لها مجتمع الاستخبارات الأمريكي بعد عمليات تطهير استهدفت كل من يشتبه في "عدم ولائه".
اختبار للتحالفات
وزادت التطورات الدولية الأخيرة من قلق هؤلاء الدبلوماسيين، فقد اختبرت روسيا دفاعات "الناتو" بإرسال طائرات مسيّرة إلى بولندا، ما أجبر طائرات التحالف على إسقاطها. وفي الشرق الأوسط، تجاهلت إسرائيل الموقف الأمريكي وقصفت قطر – الحليف غير العضو في "الناتو" والمضيف لأكبر قاعدة أمريكية في المنطقة – دون أن يتمكن ترامب من منع ذلك، مكتفيًا بالتصريح بأنه "غير سعيد".
أما في أوروبا الشمالية، فقد فجرت أزمة جرينلاند غضب الدنمارك، حيث اتهمت واشنطن بتنفيذ عمليات سرية لتجنيد مؤيدين لفكرة ضم الجزيرة بالقوة، ما استدعى احتجاجات دبلوماسية متكررة من كوبنهاجن.
حالة ارتياب
ولم يكتف ترامب بإرباك "الناتو"، بل شكك أيضًا في فعالية تحالفات ناشئة مثل AUKUS (الولايات المتحدة، بريطانيا، أستراليا) و"الرباعية" (الولايات المتحدة، اليابان، الهند، أستراليا)، فيما جمد التعاون الاستخباراتي مع دول "العيون الخمس" (بريطانيا، كندا، أستراليا، نيوزيلندا) بشأن روسيا، وهو ما عده الخبراء ضربة لأكثر شبكات تبادل المعلومات حساسية.
تحذيرات أكاديمية
واعتبر البروفيسور جراهام أليسون من جامعة هارفارد أن سياسة ترامب تمثل "تدميرًا لرأس مال التحالفات" الذي بني منذ الحرب العالمية الثانية ووفر استقرارًا غير مسبوق، سواء عبر ردع الحروب الكبرى أو الحد من انتشار السلاح النووي.
ويرى خبراء أن هذا النهج يضر حتى بمفهوم "الواقعية السياسية"، خصوصًا في مواجهة الصين، حيث إن تحالفات أقوى مع أوروبا وآسيا كانت ستمنح واشنطن تفوقًا اقتصاديًا وعسكريًا واضحًا على بكين.
وبالفعل، بدأت أوروبا ودول أخرى في بناء شبكات أمنية وتجارية بديلة، خشية انهيار المظلة الأمريكية. إذ وقعت بريطانيا وفرنسا وألمانيا اتفاقيات دفاعية احتياطية، والاتحاد الأوروبي يناقش تطوير سياسات نووية مستقلة تحسبًا لانكفاء واشنطن.
وقال النائب الديمقراطي جريجوري ميكس، الرئيس السابق للجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، إن ترامب "يعزل أمريكا بدلًا من قيادتها"، مؤكدًا أن معاملة الحلفاء كخصوم تقوض موقع الولايات المتحدة الدولي. وعندما سُئل عن أكثر ما يقلقه، أجاب بعد تفكير طويل: "ما يشغلني هو ما إذا كان حلفاؤنا سيثقون بنا مرة أخرى".