يبدو أن سعي الحكومات الأوروبية لإعادة المهاجرين غير النظاميين إلى أوطانهم شكّل انفراجة جديدة لنظام طالبان في أفغانستان، الذي يسعى لتخفيف عزلته الدولية، في وقت باتت فيه العواصم الغربية أكثر حرصًا على التعامل مع كابول.
أرسلت دول أوروبية، بينها ألمانيا وسويسرا والنمسا، وفودًا إلى أفغانستان، أو استقبلت مسؤولين من طالبان على أراضيها لتسهيل عمليات إعادة المهاجرين غير الشرعيين. وفي بريطانيا، اقترح حزب "الإصلاح" اليميني الشعبوي، الذي يتصدر استطلاعات الرأي حاليًا، الشهر الماضي، دفع أموال للحكومة الأفغانية مقابل استعادة المهاجرين.
وأشارت صحيفة "فايننشال تايمز" إلى أن هذه الخطوات تمثل تحولًا ملحوظًا في مواقف الحكومات والسياسيين الأوروبيين، الذين سعوا في السابق إلى عزل طالبان، وأدانوا الجماعة بسبب القيود المفروضة على تعليم الفتيات ومعاملة الأقليات والمعارضين السياسيين.
ويأتي هذا التحول في ظل نجاح طالبان في تعزيز علاقاتها مع روسيا والولايات المتحدة، مستفيدة من حملتها العسكرية الشرسة ضد تنظيم "داعش خراسان" الإرهابي.
صفقات الترحيل
تنقل الصحيفة البريطانية عن إبراهيم بهيص، المحلل في مجموعة الأزمات الدولية، قوله إن طالبان "تمكنت من الاستفادة من اليأس الأوروبي لإبرام صفقات الترحيل".
وأضاف أن "طالبان حريصة للغاية ومتشوقة للاندماج في النظام السياسي العالمي"، مشيرًا إلى أن الاتصالات الرسمية اللازمة لإبرام مثل هذه الصفقات تمثل "انتصارات صغيرة تدمجهم أكثر فأكثر".
فيما أكد سهيل شاهين، مبعوث طالبان إلى قطر والمتحدث باسمها لوسائل الإعلام الدولية، أن الحركة حريصة على "التوصل إلى آليات" لدعم إعادة الأفغان من أوروبا.
وقال: "نحن مستعدون للمشاركة الإيجابية كوسيلة فعّالة لحل المشكلات"، مضيفًا أن "إعادة التوطين قضية إنسانية، لذا نرحب بأي دعم اقتصادي يصاحب الترحيل".
وتكافح حركة طالبان، التي تحكم أفغانستان منذ انسحاب القوات الأمريكية وقوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) عام 2021، لمواجهة أزمات متعددة، من بينها تخفيضات كبيرة في المساعدات الخارجية، وانتشار الفقر، إضافة إلى الكوارث الطبيعية.
ووفقًا لهيئة الهجرة التابعة للأمم المتحدة، عاد نحو أربعة ملايين أفغاني أو طُردوا قسرًا من باكستان وإيران المجاورتين منذ عام 2023.
التعاون مع أوروبا
في يوليو، اعتمدت الحكومة الألمانية اثنين من ضباط القنصلية التابعين لحركة طالبان للعمل في قضايا الهجرة، في خطوة جاءت بينما تسعى حكومة المستشار المحافظ فريدريش ميرز إلى تشديد سياساتها لدرء تنامي الدعم لليمين المتطرف.
واستخدمت برلين قنوات غير مباشرة عبر قطر للتواصل مع طالبان، حيث نظمت رحلة ترحيل لإعادة مجرمين مدانين إلى أفغانستان، وأعلنت خططًا لمزيد من الرحلات.
ومع ذلك، شددت الحكومة الألمانية على أن زيادة التعامل مع طالبان لا تعني تغيير موقفها من النظام المتشدد، لكنها واجهت انتقادات حادة من أعضاء الحزب الديمقراطي الاجتماعي، المشارك في الائتلاف الحاكم، ومن سياسيين معارضين.
بدورها، عززت كل من سويسرا والنمسا تعاونها مع طالبان بشأن إعادة المواطنين الأفغان، مع التأكيد على أن هذه الاتصالات "تقنية وعملياتية" وليست سياسية.
ففي أغسطس، سافر ممثلون عن طالبان إلى جنيف للمساعدة في تحديد هوية الأفغان المعرّضين للترحيل، وهي الخطوة التي وصفها مكتب الهجرة السويسري بأنها "ضرورية" باعتبار أن طالبان هي الجهة الوحيدة المخوّلة إصدار وثائق الهوية في البلاد.
كما أعادت سويسرا هذا العام فتح مكتب إنساني في كابول تحت إشراف الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون لإدارة المساعدات في مجالات الأمن الغذائي والتعليم ودعم المرأة.
أما النمسا، فاتخذت نهجًا مشابهًا، حيث أكدت وزارة الداخلية أن مسؤولين من المكتب الاتحادي للهجرة واللجوء أجروا اتصالات مباشرة مع سلطات طالبان. وقد سافر وفد من الوزارة إلى أفغانستان مطلع عام 2025 لمناقشة الترتيبات اللوجستية الخاصة بعمليات الترحيل، فيما زار وفد من طالبان فيينا هذا الشهر لعقد اجتماعات لتحديد هوية الأفغان المرشحين للترحيل.
على صعيد متصل، تشير البيانات الرسمية إلى أن الأفغان شكّلوا نحو 15% من المهاجرين الذين استخدموا القوارب الصغيرة لعبور القناة الإنجليزية إلى المملكة المتحدة خلال النصف الأول من هذا العام، في حين لم تستبعد الحكومة البريطانية التوصل إلى صفقة محتملة مع طالبان بشأن إعادة المهاجرين.