عندما أمر الرئيس دونالد ترامب الجيش الأمريكي بمهاجمة زورق صغير في المياه الدولية بالقرب من فنزويلا، نشر الصورة على الإنترنت، مشدّدًا على أن مقتل حوالي اثني عشر شخصًا على متن القارب يجب أن يكون بمثابة تحذير لـ «إرهابيي المخدرات».
أمّا نائب الرئيس جيه دي فانس، فرد على المنتقدين الذين قالوا إن الهجوم يرقى إلى مستوى القتل خارج نطاق القضاء، بأن «التخلص من أعضاء الكارتل الذين يسممون مواطنينا هو أعلى وأفضل استخدام لجيشنا».
ثم، لتأكيد وجهة نظره، أمر ترامب بشن هجوم على قارب ثانٍ، وأبلغ الصحفيين بوقوع هجوم ثالث أيضًا.
كما أعلن ترامب، يوم الاثنين، أنه سيرسل قوات من الحرس الوطني إلى ممفيس، أكبر مدن ولاية تينيسي، لمكافحة الجريمة، وقال إنه بعد اغتيال الناشط اليميني البارز تشارلي كيرك الأسبوع الماضي، بدأت تحقيقات مع جماعات «يسارية متطرفة».
حتى الآن، لم تُقدّم الإدارة الأمريكية أي دليل يدعم ادعائها بأن القارب الأول الذي ضربته في المياه الدولية كان يحمل مخدرات بالفعل. كما لم تُقدّم أي دليل بخصوص القارب الثاني، ولم تُقل شيئًا سوى ما أشار إليه الرئيس بوجود قارب ثالث.
هكذا، بعد ثمانية أشهر من رئاسة ترامب، يظهر جليًا للأمريكيين، والعالم أجمع، الكثير عن استعداده لاستخدام القوة العسكرية، وتصنيف أي شخص إرهابيًا، مع توسّعه في استهداف الأعداء، أجانب كانوا أم محليين.
ويلفت تحليل لصحيفة «نيويورك تايمز» إلى أن هذا نهج مختلف تمامًا عما كان عليه ترامب خلال ولايته الأولى، عندما كان مستاءً من تقييده، بما في ذلك في إحدى المرات عندما قال وزير دفاعه إنه لا يستطيع إطلاق صواريخ على المكسيك لمهاجمة معاقل الكارتلات.
استراتيجية جديدة
قبل فترة وجيزة، نشرت وزارة الأمن الداخلي، التي دأبت على إصدار ملصقات تجنيد على غرار ملصقات الحرب العالمية الأولى والثانية، منشورًا على وسائل التواصل الاجتماعي يظهر فيه ترامب على متن ناقلة جند مدرعة، وهو يحمل رشاشًا خفيفًا، وربطة عنقه الحمراء المميزة ترفرف في الريح خلفه.
ولكن، إلى جانب تحسين الصورة، فإن الأمر يتعلق أيضًا بتغيير أساسي، رغم قلة مناقشته، في تركيز الإدارة على الأمن القومي، وفق التحليل.
في الفترة الرئاسية الأولى، وُضعت استراتيجية ترامب للأمن القومي لتوجيه تركيز البلاد، وخاصة وزارة الدفاع - التي صارت وزارة الحرب - نحو التهديدات المتزايدة من الصين وروسيا، بعد عقدين من التركيز الدؤوب على مكافحة الإرهاب. كان هذا تغييرًا هائلاً، إذ تحول تدريجيًا للمؤسسة الدفاعية الأمريكية الضخمة بعيدًا عن التحديات التي برزت بعد هجمات 11 سبتمبر، إلى تحديات تُركّز على التنافس الاقتصادي والعسكري والتكنولوجي والدبلوماسي مع بكين، وعلى عدوانية موسكو المتزايدة تجاه أوكرانيا وأوروبا.
لذلك، في الأشهر الأولى من ولاية ترامب الثانية، ساد افتراض ضمني إلى حد كبير بأن هذه الأولويات ستستمر. لكن تبيّن أن هذا الاعتقاد، كغيره من الاعتقادات، كان خاطئًا.
تشير "نيويورك تايمز" إلى أنه لم تُنشر أي استراتيجية للأمن القومي خلال الفترة الثانية: "قد يكون الوقت مبكرًا جدًا، ويشكك بعض المسؤولين الفيدراليين في إمكانية صياغتها أصلًا. لكن يُقال إن مسودة استراتيجية دفاع وطني جديدة للبنتاجون، لم تُنشر بعد، تضع الأمن الداخلي، والدفاع عن نصف الكرة الغربي، على رأس أولويات ما يُطلق عليه ترامب الآن وزارة الحرب".
ضد النقد
لا تُكرّس الإدارة الحالية جهدًا كبيرًا لتوفير الأساس القانوني لإجراءاتها. بل في الواقع، يبدو أن الغموض الآن هو ما إذا كان الرئيس، الذي كان يصرح أحيانًا في ولايته الأولى بأن مجرد انتقاد الرئيس جريمة، سوف يتخذ خطواته التالية باستخدام الصلاحيات التي تتمتع بها وزارة العدل (DOJ) ومكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) ووكالات أخرى، لتوريط المنظمات غير الحكومية والجماعات السياسية لدعمها لمن يسميهم "الراديكاليين اليساريين"، والاستفادة من النتائج لتعيين بعضهم كإرهابيين محليين.
ويوم الاثنين، قال ترامب إنه سيُفكّر في تطبيق ذلك على "Antifa"، وهو مصطلح بدأ كاختصار لـ "مناهضي الفاشية/Antifacists"، لكنه تطوّر ليصف سياسات اليسار المتطرف، التي غالبًا ما تتجاوز الجناح التقدمي في الحزب الديمقراطي. لكنها أقرب إلى مزيج منها إلى حركة، وهي لامركزية لدرجة أنه من غير الواضح كيف ستحدد الحكومة عدد أعضائها.
في اليوم نفسه، وخلال حوارٍ في بودكاست حول الناشط الراحل تشارلي كيرك، أصرّ نائب الرئيس فانس على أن الإدارة ستحمي دائمًا "حرية التعبير المحمية دستوريًا"، رغم إشارته إلى أن "التعليق على وفاة كيرك قد يكلف المجرمين وظائفهم على الأقل"، وحث المستمعين على إخطار أصحاب العمل عن أي شخص سمع أو شاهد يحتفل بوفاة كيرك.
والثلاثاء، وبخ ترامب صحفيًا أستراليًا سأله عما إذا كان أفراد عائلته قد استفادوا من رئاسته، في إشارة على الأرجح إلى صفقات العملات المشفرة وغيرها من المعاملات مع دول أجنبية. وأضاف أنه سيُقدّم شكوى بشأن المراسل إلى رئيس الوزراء الأسترالي، أنتوني ألبانيز، على الأرجح في نيويورك خلال افتتاح الجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبوع المُقبل.
لذلك، يلفت التحليل إلى أن الإدارة لا تتبنى رؤيةً شاملةً لمفهوم هذه الحرية، مثلما بدا في حديث المدعية العامة بام بوندي، التي بدت غافلة عن التفسيرات الجوهرية للتعديل الأول للدستور الأمريكي في وقت سابق من هذا الأسبوع عندما أعلنت أن "هناك حرية تعبير، وهناك خطاب كراهية".
في غضون ساعات قليلة، وفي مواجهة ردود فعل عنيفة، اضطرت بوندي إلى تعديل تصريحاتها دون الاعتراف بالخطأ، حيث أعلنت في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي أن "خطاب الكراهية الذي يتجاوز الخط إلى التهديد بالعنف لا يحميه التعديل الأول".