الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

توترات جيوسياسية.. هل تأثرت الملاحة في البحر الأحمر من هجمات الحوثي خلال عام 2025؟

  • مشاركة :
post-title
هجمات الحوثي على السفن التجارية- أرشيفية

القاهرة الإخبارية - رضوى محمد

في يوليو 2025 عادت هجمات الحوثيين على السفن التجارية في البحر الأحمر؛ فمنذ إعلان اتفاق وقف إطلاق النار في 6 مايو بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وجماعة الحوثي، لم تُسجَّل أي هجمات حوثية على السفن.

وفي ظل توالي الهجمات الإسرائيلية على العاصمة اليمنية "صنعاء"، فمن المُحتمل أن تتزايد هجمات الحوثيين بشكل أكبر، والمحصلة النهائية لهذا الوضع تكمُن في تضرر الملاحة والتجارة في البحر الأحمر، وذلك على الرغم من تحسُّن حركة الملاحة نسبيًا في الربع الثالث من عام 2025، إلا أنها تظل في مستويات دُنيا مقارنةً بالوضع قبل بدء الهجمات.

ومن الجدير بالذكر هنا أنه في خريف 2023 بدأ الحوثيون مهاجمة السفن التجارية في البحر الأحمر، وقد استمرت هذه الهجمات حتى منتصف عام 2025، حيث سُجِّل هجومان في يوليو 2025؛ الأول استهدف سفينة "ماجيك سيز"، وهي سفينة شحن بضائع سائبة ترفع العلم الليبيري وتديرها شركة "ستيم شيبينج" اليونانية، وكانت تحمل الحديد والأسمدة من الصين إلى تركيا. بينما كان الهجوم الثاني أكثر شدة، إذ استُهدفت سفينة الشحن "إترنيتي سي" التي تملكها اليونان أيضًا، وقد غرقت السفينة بالكامل في 9 يوليو.

وتأسيسًا على ما سبق، يتطرق هذا التحليل إلى قياس مدى تأثُّر الملاحة والتجارة في البحر الأحمر خلال الربع الثالث من عام 2025، مقارنةً بمستواها ومعدلها في نفس الفترة من عام 2024 وعام 2023، مع توضيح الانعكاسات المختلفة للوضع الراهن.

تقديرات قياسية

يمكن التعرف على مدى تأثر الملاحة البحرية والتجارة في البحر الأحمر من خلال النقاط التالية:

(-) حجم الملاحة: إن التأثيرات السلبية لهجمات الحوثيين على حركة السفن في البحر الأحمر استمرت بشكل نسبي حتى الربع الثالث من عام 2025، إذ لا يزال سوق حاويات التبريد تحت ضغط، نتيجةً لإطالة أوقات العبور وتطور تحالفات الشحن. فتغيير مسار السفن عبر رأس الرجاء الصالح يؤثر على جداول السفن وتوافر المعدات، لاسيما في التجارة بين آسيا وأوروبا عبر المحيط الأطلسي.

وعلى الرغم من ارتفاع حركة الملاحة في البحر الأحمر بنسبة 60% لتصل إلى 36–37 سفينة يوميًا منذ أغسطس 2024، إلا أنها تظل أقل من مستوياتها قبل بدء هجمات الحوثيين على السفن، فهذا الارتفاع حدث بعد تراجع هجمات الحوثيين.

ولما كانت قناة السويس هي الممر الملاحي الأهم في البحر الأحمر، فإن تراجع عدد السفن بها يُعتبر مؤشرًا سلبيًا بدرجة كبيرة. فكما يوضح الشكل (1)، انخفض عدد السفن العابرة من 6856 سفينة في الربع الثاني من عام 2023 إلى 3074 سفينة في الربع الثاني من 2025، أي بنسبة 55.16%، وهو ما يوضح التأثر الكبير في حجم الملاحة بقناة السويس، حيث سُجِّل أدنى مستوى منذ يوليو 2024. ومن ناحية أخرى، تحول مضيق باب المندب – البوابة الاستراتيجية لقناة السويس – إلى منطقة عالية الخطورة.

وفي المقابل، سجلت قناة بنما ارتفاعًا قياسيًا في حركة المرور خلال الأشهر الخمسة الأولى من عام 2025، إذ عبرها أكثر من 1200 سفينة، مسجِّلةً ارتفاعًا في حركة المرور بنسبة 10.2% عن عام 2024، وذلك وفق ما أوردته شركة "ألفالينر" (شركة استشارات وخدمة معلومات متخصصة في سوق الشحن بالحاويات على مستوى العالم)، وهو ما أبرز تحولًا واضحًا في مسار الملاحة البحرية العالمية.

الشكل (1) يوضح عدد السفن العابرة من قناة السويس خلال الربع الثاني من الأعوام 2023 و2024 و2025-المصدر: الهيئة العامة لقناة السويس

(-) حجم التجارة العابرة: تؤثر هجمات جماعة الحوثي على السفن التجارية العابرة من البحر الأحمر بشكل كبير على حجم التجارة في المنطقة والعالم أجمع، فالشكل (2) يوضح أن حجم التجارة في قناة السويس انخفضت عن مستوياتها في عام 2023، فعلى الرغم من بلوغها 1.85 مليون طن في 7 سبتمبر 2025، بالمقارنة بـ 1.53 مليون طن في سبتمبر 2024، إلا أن الانخفاض يظل كبير بالمقارنة بعام 2023.

الشكل (2) يوضح حجم تجارة قناة السويس خلال الربع الثالث من الأعوام 2023 و2024 و2025-المصدر: منصة الأمم المتحدة العالمية

انعكاسات الوضع

يترتب على الوضع الراهن في البحر الأحمر وحالة عدم الاستقرار العديد من الانعكاسات المحورية، التي تتمثل في الآتي:

(-) تراجع الملاحة: تسببت أزمة البحر الأحمر في إحداث تغيير كبير في أنماط الشحن العالمية، إذ انخفضت شحنات حاويات البحر الأحمر بنسبة 75% بسبب التهديدات المستمرة؛ حيث إن 95% من الحاويات التي كانت تعبر البحر الأحمر أصبحت الآن تسلك مسارات حول إفريقيا، وهو ما استوجب على السفن أن تضيف ما بين 7000 إلى 11000 ميل إلى رحلاتها عبر رأس الرجاء الصالح. وقد انعكس ذلك على زيادة بنسبة 30% في أوقات عبور السفن التي تم تغيير مسارها، فضلًا عن انخفاض بنسبة 9% في القدرة الفعلية لشحن الحاويات عالميًا.

(-) ارتفاع تكاليف التشغيل: ترتب على تحول مسار السفن ارتفاع تكاليف تشغيلها، إذ إن ذلك يزيد من تكاليف الوقود التي تصل إلى حوالي 300 ألف دولار أمريكي للرحلة في اتجاه واحد، أو مليون دولار أمريكي لرحلة ذهاب وعودة على متن سفينة كبيرة بين آسيا وأوروبا، وهو الأمر الذي يُحدث موجات تضخمية داخل دول العالم.

ومن ناحية أخرى، ارتفعت تكاليف الشحن بشكل كبير؛ فبعد وقوع الهجمات في يوليو 2025 ارتفعت أقساط التأمين ضد مخاطر الحرب إلى حوالي 0.7% من قيمة السفينة، مقارنةً بنحو 0.3% في الأسبوع السابق لهذه الهجمات، وهو ما تسبب في رفع تكلفة شحن السفن والحاويات بشكل كبير.

(-) تضخم أسعار السلع العالمية: تعتمد العديد من دول العالم على البحر الأحمر في تجارتها، فعلى سبيل المثال يمر ما يقرب من 10% من إجمالي الواردات الألمانية عبر قناة السويس ومضيق باب المندب، وقد قُدِّر حجم هذه التجارة بنحو 136 مليار يورو في عام 2023، وفق دراسة حديثة أجراها معهد إيفو "IFO". وهذا يوضح الاعتماد الألماني الكبير على هذا الممر التجاري، إذ تصل عبره العديد من المواد الخام الحيوية أو المنتجات الوسيطة المهمة للصناعة.

ومن هنا، يترتب على تأثر الإنتاج داخل ألمانيا ارتفاع تكلفة إنتاج السلع والخدمات التي تُصدر إلى العالم الخارجي، وبالتالي تنتقل حالة عدم الاستقرار في منطقة البحر الأحمر إلى العالم أجمع. ولما كانت التجارة العالمية تتركز في عدد محدود من الطرق البحرية ذات نقاط الاختناق الاستراتيجية، مثل قناة السويس أو مضيق باب المندب، فإن حصار هذه الممرات وتعطيلها له عواقب اقتصادية كبيرة على ألمانيا والدول الأخرى التي تعتمد عليها.

(-) تضرر اقتصاديات دول الشرق الأوسط: إن دول منطقة الشرق الأوسط تتأثر بشكل مباشر وغير مباشر بأحداث البحر الأحمر؛ فالتأثيرات المباشرة تأتي من تراجع إيرادات قناة السويس على الدولة المصرية، إذ أوضح رئيس هيئة قناة السويس أن الإيرادات الفصلية للقناة انخفضت بنسبة 6% على أساس سنوي في الربع الأول من عام 2025، حيث بلغت 904 ملايين دولار، ويعكس هذا الرقم انخفاضًا بنسبة 60% مقارنةً بنفس الربع من عام 2023.

كما أشارت وزارة المالية إلى أن القناة خسرت نحو 2.15 مليار دولار في أول تسعة أشهر من السنة المالية الجارية. وفي نطاق التأثيرات غير المباشرة، فإن موازنات الدول التي تعتمد على تصدير النفط من خلال البحر الأحمر ستتأثر إيراداتها بشكل كبير. ومن ناحية أخرى، يُعد جزء من التضخم داخل الدول المختلفة تضخمًا مستوردًا نتيجة الأحداث الجيوسياسية الإقليمية والعالمية.

في النهاية، يمكن القول إنه من خلال المقارنة التحليلية لمستوى الملاحة في الأعوام الثلاثة 2023 و2024 و2025، يتضح أنه على الرغم من التعافي الجزئي في مستويات الملاحة عام 2025 مقارنةً بـ 2024، إلا أن الوضع العام لم يعد إلى مستوياته في عام 2023؛ إذ ما زالت حركة ناقلات الطاقة منخفضة للغاية، وتكاليف التأمين مرتفعة، فضلًا عن استمرار المخاطر الأمنية في ظل تجدد الاشتباكات بين جماعة الحوثي وإسرائيل.

وعليه، فإن البحر الأحمر ما زال يعكس حالة عدم استقرار هيكلي في الملاحة الدولية، تؤثر على العديد من دول المنطقة بل على العالم أجمع. فالتطورات الأمنية والسياسية في المنطقة تُنذر باستمرار حالة التراجع في ملاحة البحر الأحمر بشكل كبير، وهو الأمر الذي يحتاج إلى تكاتف القوى الإقليمية والعالمية لتهدئة الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط، إذ إن الآثار السلبية ستنعكس على الجميع.