قبل ثلاثة أسابيع، اخترقت مسيّرة انتحارية روسية من طراز "شاهد"، المجال الجوي البولندي، واستمرت في الطيران لمسافة 60 ميلًا. في نهاية المطاف، انفجرت الطائرة -التي أطلق عليها اسم "الدراجة الطائرة" بسبب محركها الذي يصدر صوتًا قويًا- في قرية أوسيني، على بُعد 80 كيلومترًا تقريبًا من العاصمة وارسو، و40 كيلومترًا من أكاديمية ضباط القوات الجوية البولندية.
وقتها، ألحق الانفجار أضرارًا بالعديد من المباني، رغم عدم إصابة أحد. ويبدو أن الرادار العسكري البولندي لم يرصد الطائرة التي كانت تحلّق على ارتفاع منخفض. ربما مثل الطائرات التي استطاعت وارسو استهدافها في الليلة الماضية.
في الواقع، لم تعد اختراقات المجال الجوي لحلفاء الناتو استثنائية. بخلاف بولندا، حدث ذلك في لاتفيا وليتوانيا ورومانيا وبولندا، وحتى كرواتيا، على بُعد أكثر من 400 ميل من أوكرانيا، وغالبًا ما كانت هذه المسيّرات تفلت من الرصد حتى تصطدم بالأرض.
وبينما قال البيت الأبيض إنه يتابع التقارير الواردة من بولندا، أعلن رئيس وزرائها دونالد توسك أن أي استفزازات أخرى من هذا النوع سوف تستلزم "عواقب وخيمة للغاية" بما في ذلك "العمل الحركي"، وهو المصطلح العسكري لإسقاط الطائرات بدون طيار.
أمّا الحلفاء، فقال جون هيلي، وزير الدفاع البريطاني، خلال اجتماع مجموعة (E5)، التي تضم المملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا وإيطاليا وبولندا، في لندن: "نحن في عصر تهديد جديد". وأضاف أنه طلب من القوات المسلحة البريطانية دراسة الخيارات المتاحة.
وأشار "هيلي" إلى أنه إنه حتى قبل ستة أسابيع كان لدى المملكة المتحدة ست طائرات "تايفون" في بولندا، ولديها 300 فرد في بولندا في الوقت الحالي. وأضاف "سنفعل كل ما بوسعنا كجزء من حلف شمال الأطلسي".
اختبار قوة
حسب صحيفة "ذا تايمز" البريطانية، يمكن تفسير موجة الطائرات الروسية بدون طيار التي تعدت على شرق بولندا في الساعات الأولى من صباح اليوم الأربعاء على أنها اختبار لهذه العقيدة "ليس هجومًا محسوبًا استراتيجيًا بقدر ما هو تجربة لمعرفة ما إذا كانت بولندا وحلف شمال الأطلسي جادين".
ويشير التقرير إلى أنه لا يزال النطاق الدقيق للتوغلات الروسية غير واضح، لكنه كان بالتأكيد أكبر من أي عمل عسكري آخر قامت به روسيا ضد حليف في حلف شمال الأطلسي منذ عام 2022.
وأشار الجيش الأوكراني إلى أن توغل المسيّرات الروسية شمل نحو عشر طائرات بدون طيار، بينما تقول القوات المسلحة البولندية إنها كانت تراقب "عدة عشرات" في منطقة الحدود.
وتلفت الصحيفة إلى أنه "من السابق لأوانه الحكم على مدى نجاح حلف شمال الأطلسي في اجتياز الاختبار على المستوى التقني؛ فنحن لا نعرف بعد عدد الطائرات بدون طيار التي تم اكتشافها والقضاء عليها". لكن على المستوى السياسي، كان الرد سريعًا وحاسمًا، حيث نشرت بولندا طائرات مقاتلة وصواريخ وأنظمة حرب إلكترونية في عرض لا لبس فيه للقوة، وقامت حلف شمال الأطلسي بتعبئة طائرات الدعم من الولايات المتحدة وإيطاليا وهولندا.
المادة الرابعة
من المتوقع أن تُفعّل بولندا المادة الرابعة من معاهدة حلف شمال الأطلسي "الناتو"، بعد أن وصف رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك، اليوم، انتهاك الأجواء البولندية بأنه "ربما كان استفزازًا واسعَ النطاق"، مشيرًا إلى أن "المشاورات مع الحلفاء لا تزال جاريةً بعد الحادث"، بحسب وكالة "رويترز".
وأكد "توسك" أن بولندا "مستعدةٌ للرد على أي هجماتٍ أو استفزازاتٍ، ونحن في وضعٍ أقرب إلى صراعٍ مسلحٍ"، مشيرًا إلى أن "الوضع يبدو الآن تحت السيطرة، ولا يوجد سببٌ للذعر".
وسيؤدي تفعيل المادة الرابعة من ميثاق "الناتو" إلى إطلاق مشاوراتٍ على مستوى الحلف بشأن تدابير سريعة لتعزيز الدفاعات الجوية على الجناح الشرقي، مع تجنب بند الدفاع المشترك، الأكثر دراماتيكيةً، في المادة الخامسة.
أيضًا، في الأمد المتوسط، سوف تؤكد هذه الحادثة ضرورة زيادة الاستثمار في أنظمة الدفاع الجوي والرادار، فضلًا عن دفع البنتاجون إلى التوقف مؤقتاً للتفكير في "مراجعة الموقف" فيما يتصل بأماكن نشر القوات الأمريكية، كما تشير "ذا تايمز".
وتلفت الصحيفة البريطانية إلى أن مشهد بولندا، "الحليف النموذجي" للولايات المتحدة الذي يتمتع بعلاقات قوية مع البيت الأبيض، وهي تقاتل من أجل ضرب الطائرات الروسية بدون طيار في مجالها الجوي لن يعزز موقف الذين يرغبون في إضعاف الضمانات الأمنية الأمريكية لأوروبا في أروقة واشنطن.