الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

سباق تحت الماء.. غواصات الصين تشعل منافسة جديدة مع أمريكا

  • مشاركة :
post-title
غواصة صينية تعمل بالطاقة النووية بالقرب من مدينة تشينجداو الساحلية

القاهرة الإخبارية - محمود غراب

توشك الصين أن تصبح قوة عالمية في التسلح بالغواصات، بفضل تكنولوجيتها الجديدة وأسطولها الأكبر والأفضل الذي يتفوق على الولايات المتحدة وحلفائها، الأمر الذي يحفّز سباق تسلح جديد تحت الماء في المحيط الهادئ، وفق صحيفة" وول ستريت جورنال" الأمريكية.

وقالت الصحيفة إن التحسينات السريعة تجعل "أسطول الغواصات" الصينية أكثر هدوءًا وسرعة، وقادرة على حمل أسلحة أكثر تقدمًا، وأجهزة استشعار أفضل، وقادرة على البقاء تحت الماء لفترة أطول.

في الوقت نفسه، وسّع الجيش الصيني نطاق وصوله إلى عمق المحيط الهادئ، حيث يواجه منافسين في بحر الصين الجنوبي، ويجري تدريبات على الحصار والغزو حول تايوان، حيث قد يتطلب الصراع دورًا أكبر للغواصات من أي وقت مضى منذ الحرب العالمية الثانية. 

وهذا يدفع الولايات المتحدة ــ التي تتمركز نحو 60% من قوتها البحرية العالمية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ ــ وحلفاءها إلى تعزيز أساطيلهم من الغواصات، وفق "وول ستريت جورنال".

قال بيتر جينينجز، مدير في شركة التحليل الاستراتيجي الأسترالية ونائب وزير الدفاع الأسترالي السابق: "كل دولة تقريبًا تطمح إلى امتلاك أسطول بحري جيد نسبيًا في منطقة المحيطين الهندي والهادئ تبني غواصات أو تشتريها. لا شك أنها مفيدة للغاية".

تحديات صعبة

وتشير الصحيفة إلى أن الولايات المتحدة وحلفاءها يواجهون تحديات صعبة في مواكبة الصين، خاصة وأن واشنطن تواجه صعوبة في بناء غواصات جديدة، ففي ظل مخاوف بشأن الإنتاج، تراجع إدارة ترامب اتفاقية الدفاع "أوكوس" لعام 2021، وهي اتفاقية تهدف إلى ردع العدوان الصيني.

بموجب هذه الاتفاقية، من المقرر أن تشتري أستراليا غواصات تعمل بالطاقة النووية من الولايات المتحدة، وأن تتعاون مع المملكة المتحدة لبناء غواصة جديدة مزودة بتكنولوجيا أمريكية.

حتى وقت قريب، لم تشكّل الصين تحديًا كهذا، إذ ركّزت بكين لسنوات على بناء أسطول من الغواصات العاملة بالديزل والكهرباء، كافية لدورياتها في غرب المحيط الهادئ.

وكانت أول غواصة صينية تعمل بالطاقة النووية، دخلت الخدمة عام 1974، سفينة بطيئة وصاخبة، وكان أكبر تهديد لها هو تعريض طاقمها للإشعاع.

قال برنت سادلر، وهو باحث مخضرم في البحرية وزميل باحث أول في مؤسسة هيريتيج: "بعد نصف قرن من التقدم البطيء، تغير كل شيء.. ربما يكونون على أعتاب قفزة تكنولوجية في عمليات الغواصات، حيث سيتمكنون من إسكات الغواصات بشكل ملحوظ، ويصبح تتبعها صعبا للغاية".

وحققت الصين تقدمًا خاصًا في تطوير الغواصات التي تعمل بالطاقة النووية، التي تمنح البحرية الصينية قدرتها على الوصول إلى مدى أكبر بفضل سرعتها ومداها وقدرتها على التحمل.

تشمل النماذج الجديدة قيد التطوير الغواصة تايب 095، التي يتوقع المحللون أن تكون مزودة بأنابيب إطلاق عمودية قادرة على استيعاب صواريخ كروز. 

وصرّح كريستوفر كارلسون، وهو نقيب متقاعد في احتياطي البحرية ومهندس أنظمة بحرية سابق في وزارة الدفاع الأمريكية، ويجري أبحاثًا حول برنامج الغواصات الصينية: "ستكون الغواصة 095 هادئة للغاية. وهذا سيعقّد الأمور بشكل كبير".

قامت الصين أيضًا بتطوير غواصاتها الأحدث التي تعمل بالطاقة التقليدية، من طراز يوان، بتقنية "الدفع المستقل عن الهواء"، ما يجعلها أكثر هدوءًا ويسمح لها بالانتظار لفترة أطول قبل الصعود إلى الهواء.

وعرضت الصين طائرات مسيّرة جديدة تحت الماء في عرض عسكري ببكين، الأربعاء الماضي، بما في ذلك طائرة يمكن أن تعمل كغواصة وأخرى يمكن أن تكون طوربيدا ذاتي التشغيل.

ومع ذلك، يبدو أن تطوير غواصة هجومية صينية صغيرة نسبيًا، يقول المحللون إنها قادرة على الجمع بين عناصر الطاقة النووية والتقليدية، قد تباطأ عندما غرق نموذج أولي منها في حوض بناء السفن العام الماضي.

بشكل عام، لا تزال الولايات المتحدة تتمتع بتفوق تكنولوجي على الصين، حيث أصبحت الغواصات أكثر هدوءا وأكثر تقدما، كما أنها تعمل على المزيد من الترقيات لأسطولها النووي بالكامل.

وتعمل واشنطن على تجهيز غواصات الهجوم الحديثة من فئة فرجينيا بتحسينات صوتية تجعلها أكثر تخفيًا، كما ستتمتع بسعة حمولة أكبر، ما يجعلها أكثر فتكًا.

قال القائد ريك مور، المتحدث باسم قوة الغواصات في أسطول المحيط الهادئ الأمريكي: "إننا نستثمر بشكل كبير في قدراتنا الحربية تحت الماء".

وأضاف أن "الأسطول يشغل طائرات مسيّرة تحت الماء، ولديه أجهزة استشعار ثابتة وقابلة للنشر تحت الماء، ويدمج قدرات الذكاء الاصطناعي في غواصاته ومنصاته غير المأهولة".

المواجهة المحتملة

وترى "وول ستريت جورنال" أنه مع التطورات التكنولوجية، يبرز تفكير استراتيجي جديد، وطرحت سيناريو حال اختارت بكين غزو تايوان، مرجحة أن تستخدم البحرية الصينية غواصاتها التقليدية للدفاع عن أراضيها الساحلية، كما رجّحت أن تحاول غواصات الهجوم النووي الصينية الأحدث، الأسرع والمجهزة لرحلات أطول، منع القوات الأمريكية من مساعدة تايوان.

وحسب السيناريو، إذا قررت الولايات المتحدة التدخل نيابة عن تايوان، فقد تستخدم البحرية غواصاتها لمحاولة تدمير سفن الصين ومطاردة غواصاتها، كما قد تحاول الولايات المتحدة إبقاء السفن الصينية محاصرة في مضيق تايوان. 

وقد تشنُّ الغواصات الأمريكية هجمات صاروخية على أهداف برية صينية، وتحاول قطع الإمدادات الصينية عن طريق إغلاق ممرات الشحن جنوبًا.

قالت جينيفر كافانا، الزميلة البارزة ومديرة التحليل العسكري في مركز أبحاث "أولويات الدفاع"، والتي تعتقد أن على الولايات المتحدة تقليص قواتها في آسيا، لكنها تؤيد نشر غواصات في أستراليا: "الغواصات قيمة للغاية لأنها وسيلة خفيفة نسبيا لإبراز قوة هائلة. فهي لا تتطلب أعدادًا كبيرة من الأفراد الأمريكيين، كما أنها لا تترك الطائرات والسفن السطحية عرضة للصواريخ الصينية".

حرب بحرية في آسيا

قد تجتذب حرب بحرية في آسيا غواصات من دول عديدة، وهو احتمال يدعّم رغبة شركاء الولايات المتحدة في بناء أساطيلهم، وقد تنضم اليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة وأستراليا، وحتى فرنسا والمملكة المتحدة، إلى تحالف حربي ضد الصين، حيث تتولى غواصاتها أدوارًا تتراوح بين القتال المباشر والدفاع عن ممرات الشحن ومنع وصول الصين إلى الموارد.

طلبت سنغافورة أخيرًا غواصتين إضافيتين من صنع ألماني، أما الفلبين، الواقعة على خط المواجهة في نزاع إقليمي مع الصين في بحر الصين الجنوبي، فقد أعلنت أنها تأمل في شراء غواصات في إطار تعزيز عسكري بمليارات الدولارات.

تفوق صيني

فيما يتعلق ببناء الغواصات، تتمتع بكين بتفوق صناعي، فالصين تمتلك أكبر قدرة لبناء السفن التجارية في العالم، ولديها بالفعل أكبر أسطول بحري من حيث عدد السفن.

كما أن بكين تكثّف جهودها في بناء الغواصات التقليدية، فهي أقل تكلفة وأسرع في البناء من الغواصات النووية، ورغم محدودية سرعتها وقدرتها على التحمل، تدرك الصين "حاجتها إلى أعداد كبيرة، لذا تواصل بناء الكثير منها"، كما قال سادلر.

جعل الرئيس ترامب بناء السفن أولوية، لكن محدودية القدرة تثير القلق، ومن المتوقع تسليم أولى غواصات الصواريخ الباليستية الأمريكية من فئة كولومبيا في عام 2029، أي بعد عامين تقريبًا من الموعد المحدد.

تخطط الولايات المتحدة حاليًا لبناء فئة جديدة من الغواصات الهجومية فائقة التطور، ولكن من غير المتوقع أن تبدأ ببنائها قبل أوائل أربعينيات القرن الحادي والعشرين.

وقد تبقي تراكمات الصيانة الغواصات الأمريكية خارج الخدمة لسنوات. في السنة المالية 2023، كانت 16 غواصة هجومية أمريكية في مستودعات أو في وضع الخمول، ما يعني أن 67% فقط من أسطول الغواصات الهجومية كان جاهزًا للعمل، وفقًا لتقرير صادر عن دائرة أبحاث الكونجرس.

وبحسب مكتب الميزانية بالكونجرس، فإن الولايات المتحدة كانت تبني 1.2 غواصة هجومية سنويًا، في حين أن هناك حاجة إلى 2.33 غواصة سنويا لزيادة القوة واستبدال الغواصات المباعة لأستراليا بموجب اتفاقية أوكوس.

وترى "وول ستريت جورنال" أن هذه التحديات تجعل من الصعب على الولايات المتحدة وشركائها التصدي للصين. ونقلت الصحيفة عن إلبريدج كولبي، وكيل وزارة الدفاع لشؤون السياسة في إدارة ترامب، أمام لجنة بمجلس الشيوخ في مارس الماضي، ردًا على سؤال حول أوكوس: "إذا استطعنا إنتاج غواصات هجومية بأعداد كافية وبسرعة كافية، فهذا رائع. لكن إذا لم نتمكن من ذلك، فستصبح هذه مشكلة بالغة الصعوبة".